«قيادة الأمم».. وفشل «الإخوان»
تاريخ النشر : 2014-04-27 12:14

نظر«الإخوان المسلمون» بارتياب شديد إلى عملية تحديث القوانين في البلدان العربية ومصر خاصة، واعتبروا هذه التشريعات التي كان الهدف منها تطوير المجتمعات العربية «قوانين وضعية» مع وضع البشر ومن تشريع الإنسان، فقال المرشد البنا في رسائل المؤتمر الخامس: «أما الإخوان المسلمون فهم لا يوافقون على هذا القانون أبداً ولا يرضونه بحال».

ويبدي الأستاذ طارق البشري ملاحظة دقيقة على موقف الإخوان المعادي لما أسموه بالقوانين الوضعية. فقد «طلبت إلغاء القوانين الوضعية كمطلب عام وتجاهلت الدخول في تفاصيله». وبالفعل، لم يدرس الإخوان المسلمون المجتمعات العربية وأوضاعها وتشريعاتها إلا من زاوية واحدة وهي مدى «مطابقة» هذه القوانين للشرع. ويبدو الموقف «الإخواني» متماسكاً لأول وهلة لدى الإشارة إلى مرجعية الشرع، ولكن ما تعريف الشريعة؟ إذ يتشدد «الإخوان» في بعض الأحيان ويبدون مرونة في فهم الشرع وتنوع الآراء في أحيان أخرى. ويعتبرون معظم قوانين وأوضاع العالم العربي متعارضة مع الإسلام، وربما هي في حكم الجاهلية، ويهونون أحياناً أخرى من حجم الفجوة بين القوانين السارية في العالم العربي والتشريعات الإسلامية. ويقول الباحثون إن أغلب كتب الفقه التي يتداولها «الإخوان» تستهجن الخلط بين «أقوال الفقهاء» وبين«الشريعة» وتعزو هذا الخلط إلى تدهور المجتمع الإسلامي.

ويعترف الشيخ محمد الغزالي بالنواقص الكثيرة والفجوات القانونية في التشريعات الإسلامية، فيقول في حوار مطول مع مجلة الأمة القطرية، العدد 42، وقد اقتبسناه مراراً: «إننا مصابون بضمور في بعض المعاملات.. على سبيل المثال نحو خمس وعشرين كبيرة من الكبائر لم توضع لها عقوبات. نحن لم نضع عقوبة للتعامل بالربا أو للغصب أو للفرار من الزحف أو لأكل مال اليتيم أو للغش، أو لما يقع من مخالفات كثيرة. فهل الحدود التي وضعها الله تغني عن تشريعات لابد منها في الميدان الاجتماعي؟ قوانين العمل والعمال لا تزال صفراً عندنا ونستوردها الآن من الخارج».

هذا ما يكتفي الشيخ محمد الغزالي بالإشارة إليه، ولاشك أن من يغوص في القوانين والتشريعات والمقارنات سيجد أضعاف أضعاف هذه الإشارات العابرة، وهناك إشارات واعترافات من د. حسن الترابي مثلاً لا وقت للإشارة إليها!

إن حركة «الإخوان» تيار قديم واسع الانتشار في العالمين العربي والإسلامي وفي البلدان الغربية. ولكن مساهمته الفكرية ضئيلة جداً بل تافهة مقارنة بحجمها. فلا هي مثلاً أبدعت في مجال تاريخ الإسلام ولا في اللغة العربية ولا في دراسة مشاكل المجتمعات العربية ولا دراسة الإسلام نفسه! ومعظم كتب «الإخوان» ومنشوراتهم تندرج تحت بند التعبئة السياسية والعقائدية، وشحذ همم «الإخوان» والدفع بهم لمواصلة ما يعتبرونه جهاداً سياسياً. ومن النادر أن تجد والحال هذه الكثير من الدراسات القيمة حول القانون والتشريع في العالم العربي، بما يتطلب ذلك من دراسات حول شرائح المجتمعات ومشاكل المرأة والعمال والشباب، وحجم الفقر وتفاوت الريف والمدينة وأسباب فشل ونجاح بعض القوانين والإجراءات.. وعشرات المواضيع والمداخل الأخرى، التي ربما لم يسمع بها معظم «الإخوان» حتى الآن، دع عنك أن يتركوا مواضع الاستفادة والبروز والانتفاع الحالية.. ليكرسوا وقتهم وحياتهم للقراءة والبحث!

ولهذا يكتفي «الإخوان» عادة باعتبار سائر القوانين التي تهدد مصالحهم والنظام الديني العقائدي الذي يسعون نحوه، بأنها «قوانين وضعية بشرية».. لابد من إلغائها بل مخالفتها علناً إن كان ذلك ممكناً لأنها «غير شرعية»!

ووقف «الإخوان» الموقف نفسه المعادي في وجه التطور الثقافي.

ويقول البشري: «وضعت دعوة الإخوان حركة الاستنارة الفكرية بجانب النشاط التبشيري، ودعت إلى النظر إليهما باعتبارهما هجوماً واحداً على الإسلام».

فقد برز الأجانب في مصر، يضيف البشري، وكان لهم أسلوب حياة يغاير الأسلوب التقليدي في مصر، وأشركوا معهم بعض الفئات العليا من المجتمع المصري، واقترن هذا باندماج الفئات العليا هذه من سكان المدن مع الأجانب وأخذهم أسلوب حياتهم، واقترن ذلك كله بتغير عادات المعيشة لدى الكثير من جماهير المصريين سيما في القاهرة والإسكندرية، وهو تغير اقتضته الحياة في المدن الكبيرة وبناء المصانع ونمو الأسواق والخروج إلى المقاهي والمطاعم والمسارح. ثم كان انتشار التعليم وتعليم المرأة الذي اقتضى خروجها من المنزل إلى الأماكن العامة وسفورها.

واعتبرت دعوة الإخوان كل هذه المستجدات شراً محصناً ومؤامرة تستهدف المجتمع المصري والإسلام، وأرادت الإطاحة به جميعه. كما رأت في هذا كله تحللاً أخلاقياً وانهياراً، وقرنته بكراهة الوافد الأجنبي.

ولما كان هذا الوافد الأجنبي من «أوروبا المسيحية»، سهل على الإخوان ربط هذه المستجدات بالتبشير المسيحي، والاستعمار الإنجليزي - الفرنسي، وبالصليبية واليهودية وغيرهما.

ولما تعثرت محاولات تحديث مصر، وظهر العجز عن القضاء على الفقر وتوفير مجالات العمل للكثيرين، سهل على دعاة الإخوان مهاجمة هذا المشروع الوافد من أساسه، والترويج للبديل الإسلامي على الصعيد القانوني والاقتصادي والسياسي عمدت حركة «الإخوان» في دعوتها إلى تحريك العواطف الدينية في وجه القادم الجديد، المسبب في تحليلها كل البؤس الاجتماعي الذي يعاني منه المصريون. واشتكت في كتبها وصحفها من انجراف الناس مع تيار الانحلال وتقليد الأجنبي والغرق في الشهوات وبخاصة الفئة المترفة وولاة الأمور. وقامت الدعوة بتوظيف هذا الاستياء الاجتماعي والفشل السياسي وتنامي الفقر والأزمات، لتوسيع قاعدة الحركة. يقول البشري شارحاً هذه النقطة، حيث كانت جماعة الإخوان تعمد إلى إغراق العضو في عالمها الديني - الدعوي: «كانت الجماعة لا تعتمد على الإثارة وحدها، ولا تكتفي بعمل العضو بين صفوفها في اللجان المختلفة ولكنها تضعه كفرد بين عدد ضخم من الواجبات تحيط بحياته كلها وترسم له أعماله وسلوكه اليومي وعلاقاته الشخصية وتنصحه حتى بالتزام طريقة معينة في التحدث والضحك، وثمة واجبات لبدنه عن الصحة وشرب المكيفات والنظافة والرياضة وواجبات لعقله عن القراءة والكتابة، وواجبات لخلقه عن الاتصاف بالحياء وسرعة التأثر والشجاعة والصدق والوفاء، وواجبات لجيبه عن المعاملات المالية، وواجبات لغيره عن الخدمات والرحمة وعدم الغضب، وواجبات للدعوة عن علاقته بإخوانه وقيادته، وواجبات لربه عن الصلاة والتطهر وواجبات قبل النوم عن محاسبة النفس، وثمة تعليمات عن زيارة الآخرين والتجمل في الحديث».

ويتم هذا الامتصاص العقائدي الشامل للفرد، «مع إشاعة عبق سلفي يحيط بالجماعة ومنشآتها وأفرادها»، وكان البنا يطالب «الإخوان» بأن يسموا بعضهم بعضاً بأسماء دينية: «قل لهذا إنك تشبه أبا بكر، ولهذا إنك تشبه عمر، فإن هذا يبعث فيهم الحمية. وسمِّ منشآتك: معهد حراء للبنين، مدرسة أمهات المؤمنين للبنات، نادي الخندق».

وكان للمرشد، يقول البشري، أسلوبه الماهر في المراوغة وعدم المجابهة. كان يقول: «اشغلوا الناس عن الفكرة الباطلة بالفكرة الصحيحة». وكان يقول إن الشائعة «يُقضى عليها بعمل إيجابي نافع يستلفت الأنظار».

ووسط معاناة المصريين و«الإخوان» بالأوضاع السائدة كان يبشر الدعاة بالفجر القادم: «إن الدور عليكم في قيادة الأمم وسيادة الشعوب، وتلك الأيام نداولها بين الناس». كان المرشد واثقاً كل الثقة من قدرة أتباعه على النهوض بمصر على كل صعيد، فلم يتوقف عند هذا المطلب المتواضع بل تجاوزه في شطحة حالمة إلى قيامهم بـ«قيادة الأمم وسيادة الشعوب». وقد وجد من يصدقه ويؤمن بوعوده آنذاك.. ولا يزال!

عن الاتحاد الاماراتية