الاحتلال الإسرائيلي .. والسلام المزعوم
تاريخ النشر : 2014-04-24 23:45

 لقد مضى على عملية التسوية مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي حوالي عشرين عاماً ، بعد انطلاقها أثر التوقيع في البيت الأبيض الأمريكي في 13 أيلول عام 1993 بعد مفاوضات سرية جرت في أوسلو بعيداً عن مؤتمر مدريد للسلام ، وشكلت اتفاقية أوسلو قاعدة لعملية تسوية على مرحلتين مؤقتة ودائمة لكي تمتد العملية برمتها إلى خمس سنوات ، وكان من المفترض أن تبدأ بإعادة انتشار قوات الاحتلال من غزة – أريحا أولاً ، لكي تنتهي بجلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن المناطق المحتلة عام 1967 بما في ذلك شرقي القدس ، وحل قضية اللاجئين وفقاً لقرار 194 .

وقد أنقض اليمين الإسرائيلي المتطرف على تلك الاتفاقية والتي لا تشكل للشعب الفلسطيني إلا جزءاً يسيراً من حقوقه المشروعة في الحرية والخلاص وإقامة الدولة ، وقام بتدمير تلك الاتفاقية بدءاً من اغتيال اسحق رابين رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي في حينه وانتهاءً من التنصل من كافة الالتزامات بإعادة الانتشار في أغلب مدن وقرى الضفة الغربية ووقف مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني المحموم وخاصة في القدس ، ووقف العمل بالممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة .

وفي خطوة لتفجير مفاوضات الحل النهائي بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الشهيرة بين الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك برعاية أمريكية ومباشرة والرئيس الأمريكي بيل كلينتون بارك لأرئيل شارون باقتحام المسجد الأقصى تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي مما أدى لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) ، وقامت تلك القوات فور ذلك بإعادة احتلال شامل للمناطق التي انسحبت منها في عام 1994 وما تلاه من انسحابات ، وكذلك قامت بتقطيع أوصال الضفة الغربية وشنت حملة عسكرية أطلقت عليها عملية السور الواقي ، وحاصرت الرئيس ياسر عرفات في مقر إقامته في المقاطعة في رام الله حتى الموت.

إن مجمل سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إن كانت عمالية أو يمينية متطرفة تؤكد أن إسرائيل غير جادة في عملية التسوية الجارية في المنطقة وخاصة مع الشعب الفلسطيني ، وإنما تريد إدارة الصراع وإعطاء غطاءً شرعياً لحملاتها المحمومة والتي تسابق بها الزمن لسرقة ومصادرة أراضي الشعب الفلسطيني في الضفة المحتلة والقدس عام 1967 ، حيث كان عدد المستوطنين حوالي 120000 مستوطن عند بدء تطبيق اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل ، ليرتفع الآن إلى حوالي 600000 مستوطن ، وبمعدل بناء لا يقل عن 7000 وحدة استيطانية في السنة ، وكان أبرز تلك الانتهاكات عزل القدس عن مجتمعها الفلسطيني بآلاف الوحدات الاستيطانية ، وكذلك إقامة جدار الفصل العنصري على الأراضي المحتلة عام 1967 ومصادرة عشرات الآلاف من الدونمات واقتلاع الآلاف من أشجار الزيتون ، حيث اعتبرت محكمة العدل الدولية بأن بناء الجدار غير قانوني ويجب إزالته وتعويض المتضررين من جراء بنائه .

وتجمع كافة الدول والمنظمات الدولية على عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والقدس وتعتبره مخالفاً للقانون الدولي ولأسس عملية التسوية ولقراري مجلس الأمن الدولي 242 ، 338 . ومما يثير الاستغراب والتساؤل موقف بنيامين نتنياهو الآن ومن خلفه الإدارة الأمريكية حول أن المصالحة الفلسطينية تشكل عقبة أمام استمرار المفاوضات على قاعدة أن حركة حماس لم تعترف بإسرائيل وبالاتفاقيات الموقعة معها . علماً بأن حركة حماس شاركت في السلطة الفلسطينية في عام 2006 لأول مرة في الانتخابات التشريعية ، ولم تكن قبل ذلك جزءاً من منظومة السلطة الوطنية الفلسطينية ، فهل كانت عملية التسوية تسير على ما يرام وبالتالي دخول حماس أو غيرها عطل تلك المسيرة ؟ أم أن الاحتلال الإسرائيلي دوماً يختلق الذرائع والأسباب للهروب من استحقاقات عملية التسوية ؟ إسرائيل وكعادتها تبحث عن مبررات واهية وغير منطقية لكي تستمر في الاحتلال ومصادرة الأراضي وسرقة المياه وحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه المشروع في الحياة على أرض وطنه .

إن المشكلة لم تكن يوماً عند الشعب الفلسطيني ، الأزمة أن حكومات الاحتلال الإسرائيلي مازالت تعتبر أن عملية التسوية يجب أن تخدم أهدافها التوسعية والاستيطانية ، وأنها مطمئنة بأن الإدارة الأمريكية تؤمن لها الحماية في مؤسسات الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن الدولي ، في حين أن المجتمع الدولي لم يقم بالدور المطلوب لإلزام إسرائيل بالإنهاء الفوري للاحتلال وتطبيق قرارات الشرعية الدولية كدولة تحت الاحتلال بعد الحصول على الاعتراف الأممي والذي أعطت الشعب الفلسطيني الحق في إقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية ، وحقه في العودة وفقاً للقرار الدولي 194 .