خطر «الجهاديين» على الأردن
تاريخ النشر : 2014-04-24 08:47

يوم حاول أبو مصعب الزرقاوي أن يوجِد وصلاً بين «العدو البعيد» و «العدو القريب» لجأ أنصاره في عام 2005 إلى تفجير ثلاثة فنادق في العاصمة الأردنية عمّان، لكن صدمة المجتمع الأردني بهذا الحادث نزعت أي احتمالات لتوافر أي حاضنة اجتماعية حقيقية للزرقاويين، الذين يعتبرون الأكثر تشدداً في المكوّن السلفي الجهادي في الأردن. غير أنّ الحدث السوري منذ ثلاث سنوات يكاد يوفر مثل هذه الحواضن، وفي ظل تصاعد صعوبات العيش لدى الأردنيين وعدم كفاءة برامج الإصلاح السياسي والاجتماعي، وعدم أخذ ضرورة تجديد العقد الاجتماعي على محمل الجدّ، فضلاً عن البيئة الديموغرافية والاجتماعية الجديدة التي خلقها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الأردن، إلى جانب تصاعد النزاع الطائفي في المنطقة إثر تدخّل «حزب الله» في سورية.

هذه البيئة الجديدة في الأردن ربما هي ما جعلت مسؤولة «قطاع الجنوب» (يضم مصر والأردن) في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تربط، في التقدير الاستراتيجي السنوي الأخير للاستخبارات الإسرائيلية، الاستقرار في الأردن بالتطورات في سورية والعراق. وتوقعت إسرائيل، وفق هذا التقدير الاستراتيجي «هلالاً جهادياً» يحيط بالأردن ويمكن أن يتغلغل فيه. وبيّن التقدير أن إسرائيل تستعد استخبارياً وعملياتياً لاحتمال تغلغل الإرهاب الجهادي في الأردن.

أمن الحدود الأردنية مع سورية يستنزف اليوم جزءاً مهماً من طاقة الدولة الأردنية، وثمة عبء مضاعف على حرس الحدود الأردني لمنع التسلل والتهريب بشتى أنواعه. المعضلة أنه ليس ثمة طرف سوري واحد وأخير يمكن التفاهم معه بهذا الشأن. ولذا لا يضع الأردن جميع خياراته في المراهنة على أن النظام السوري يستعيد قدرته على السيطرة والتحكم وبسط نفوذه على مزيد من المدن والبلدات السورية، كما لا يربط خياراته بناء على المدى الذي تتقدم فيه المعارضة السورية على الأرض، هنا وهناك، ذلك أنه لا يمكن الحديث عن المعارضة هذه كنسيج واحد موحد، بل هي معارضات، ولا يخفى حجم التنافس والعداء أحياناً في ما بينها. ولقد دفعت حادثة اضطرار سلاح الجو الأردني إلى تدمير آليات سورية حاولت مؤخراً اختراق الحدود الأردنية بعض المحللين الأردنيين مثل الكاتب فهد الخيطان إلى القول إنه «من غير المستبعد أن نشهد حالات يضطر فيها الجيش الأردني للقيام بعمليات استباقية في العمق، وإعادة التموضع في المناطق الحدودية مع سورية، بما يكفل قطع طرق التسلل، وإبعاد عصابات المهربين أو الجماعات المتشددة عن نقاط العبور الحدودية».

البيئة الجيو - سياسية الجديدة على الأردن تقول أيضاً إن الحكومة السورية لا تسيطر اليوم على حقول النفط والغاز الرئيسة في الحسكة ودير الزور ووادي الفرات، فقد أصبحت هذه المناطق تحت سيطرة «داعش» و «النصرة»، ما يعني أننا أمام منظمتين تستثمران في «إنتاج النفط» وبيعه وتهريب الكثير منه إلى الأراضي التركية. وقد ذكر تحليل نشره «معهد كارنيغي» إلى أنه من الصعب معرفة حجم إنتاج النفط في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وأنه نظراً الى تضرّر البنية التحتية وعدم وجود خطوط أنابيب لخدمة الطرق التجارية الجديدة، فإن من غير المرجّح أن يزيد إنتاج الخام عن 20 ألف برميل يومياً، ومع ذلك، وحتى مع افتراض تقديم خصم كبير مقارنة بأسعار السوق العالمية، فإن الإيرادات الشهرية تصل إلى 50 مليون دولار أميركي. هذا يعني أننا أمام عدو فصائلي، تتمثل أحد جوانب خطورته في موارده المالية الوفيرة.

رغم ذلك، لو أجرينا مقارنة بين الحدود مع سورية، لأمكنَ، على الأرجح، الخروج بنتيجة واضحة بأن الحدود الأردنية - السورية (375 كيلومتراً) هي الأكثر انضباطاً بالمقارنة مع الحدود العراقية - السورية (605 كيلومترات) او التركية - السورية (900 كيلومتر). هذا يعني أن ثمة استشعاراً مؤكداً في الأردن بالخطر الذي يتربص بالمملكة إذا ما أخذتْ سيناريوات تشكّل إمارة إسلامية في جنوب سورية أو شرق العراق طابعاً جدياً، سواء أسيطرتْ عليها «داعش» أم «جبهة النصرة» أم «القاعدة» أو أيّ خليط كان من أنصار السلفية الجهادية.

في هذه الأثناء نستعيد كلام الملك عبدالله الثاني في منتدى دافوس في العام 2013 عن أن «حركة طالبان الجديدة، التي سيتعين علينا التعامل معها، ستكون هذه المرة في سورية». وقد أكد الملك في هذا المنتدى أنه «حتى إذا ما جاءت أفضل حكومة إلى السلطة في دمشق غداً، فإن أمامنا عامين أو ثلاثة نقوم فيها بتأمين حدودنا لعدم السماح لهم (عناصر»القاعدة» وغيرهم) بالتسلل إلى أراضينا، وحتى يتم القضاء عليها تماماً».

إلى جانب ذلك، فالتقدير الأولي أن فوز رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، بولاية ثالثة سيعني، على الأغلب، مزيداً من العبء على الأردن من جهة الحدود مع العراق، في ظل الاحتجاج المحتمل الذي يمكن أن يولّده ذاك الفوز في الأنبار وغيرها.

عن الحياة اللندنية