خدعة المفاوضات والغرور الإسرائيلي
تاريخ النشر : 2013-10-23 13:54

إذا كانت اشتراطات رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" للسلام، كما جاءت في خطابه الثاني، بتاريخ 6-10-2013، في جامعة بار إيلان اليمينية-التي خرج منها قاتل رئيس الوزراء "إسحاق رابين" قبل (18) عاماً- فإن السلام في خبر كان، ففي خطابه الأول في نفس الجامعة قبل أربع سنوات، والذي أعلن فيه عن حل الدولتين، والذي كان للاستهلاك الخارجي، ففي خطابه الثاني، اشترط "نتنياهو" اعتراف الفلسطينيين بدولة إسرائيل القومية للشعب اليهودي، وهذا الطلب يكرره في كل مناسبة، ودون مناسبة، وهو يعلم جيداً أن هذا الطلب مرفوض فلسطينياً جملة وتفصيلاً، وهو من رابع المستحيلات، لكن هذا ليس المطلب الوحيد، فقد وضع أربعة اشتراطات من أجل نجاح المفاوضات مع الفلسطينيين هي: 1- وقف أعمال التحريض الفلسطينية ضد إسرائيل،- لكن ماذا بشأن حملات التحريض الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ومن أهمها الاحتلال والاستيطان والقتل والاعتقالات ونهب الأراضي والاعتداء على المقدسات وممارسات المستوطنين والقائمة طويلة، وإذا قام الفلسطينيون بالتصدي لهذه الممارسات فإنهم يعتبرونها إرهاباً، بمعنى ان على الفلسطينيين السكوت عنها، 2-الاعتراف بيهودية الدولة، 3-خلق ترتيبات أمنية مشددة لا نهاية لها، 4- التنازل عن حق العودة، دون أن يذكر ولا بكلمة واحدة، ما الذي ستقدمه إسرائيل مقابل اشتراطاته المذكورة، وباعتقادي لا شيء، إن اشتراطاته هذه تعني بأن إسرائيل أغلقت جميع فرص وأبواب التوصل للسلام، والدليل على ذلك، أن الحكومة الإسرائيلية والكنيست لم يناقشا موضوع حل الدولتين، ودون إقرار الحكومة لهذا الحل، ما يؤكد عدم جدية إسرائيل بهذا الطرح، الذي جاء استجابة لضغوط دولية وخارجية.

لم يترك "نتنياهو" بصيص أمل لأي حل، لكن "نتنياهو" لم يضع شرطاً خامساً، يتعلق بما يكرره دائماً بأن القدس الموحدة، عاصمة إسرائيل الأبدية، كشرط من شروطه آنفة الذكر، فأما سقط هذا الشرط سهواً، أو لمآرب أخرى، بينما في خطابه الأول في بار ايلان، شدد على أن القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية، وربما ترك موضوع القدس مفتوحاً لإعادة الأحياء العربية للفلسطينيين، مقابل تنازلهم عن حق العودة، فقد أكد "نتنياهو" في خطابه أنه على استعداد لوضع حد للصراع، والتوصل إلى سلام حقيقي، وأمن حقيقي وليس على الورق، ومن أجل أمنه المزعوم الاحتفاظ بمزيد من الأراضي الفلسطينية، وعدم الانسحاب إلى حدود 1967، وإبقاء أراضي الأغوار بيد المستوطنين، كذلك إبقاء معابر الحدود بأيدي إسرائيل، ووجه في خطابه سؤالاً إلى الفلسطينيين، لماذا ترفضون الاعتراف بيهودية الدولة؟ نحن على استعداد للاعتراف بالدولة القومية الفلسطينية؟ مضيفاً: "رغم أنها ستأخذ أراضي من وطننا وهذا صعب علينا، وعليكم تقديم تنازلات أولها التنازل عن حق العودة"، إن ربطه الاعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل الاعتراف بالوطن اليهودي هو بيت القصيد لهذه المفاوضات التي تدور في طريق مسدود، فمن قال أن الأراضي الفلسطينية لليهود؟ وماذا بالنسبة لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة بينكم وبين الجانب الفلسطيني فهل أصبحت من الماضي؟ إذن عن أي سلام يتحدثون؟

موجة تطرف كبرى تجتاح إسرائيل، فتحت عنوان "دولة واحدة لشعب واحد"، عُقد في مطلع شهر تشرين أول الماضي، مؤتمر لليمين الإسرائيلي في القدس، وهذا المؤتمر كُرس ضد ما يسمى بحل الدولتين، ورفض التنازل عن الضفة الغربية، إلى غير ذلك من أحلام المتطرفين الإسرائيليين وما أكثرهم، إذ أن ما يميزهم اصطفاف وزراء ونواب كنيست وقادة أحزاب وشخصيات عامة وحاخامات في جبهة التطرف، وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني القومية، فنائب الكنيست "نيسان سلوميا" في خطابه أمام المؤتمرين قال:"إن الإعلان عن مبدأ حل الدولتين لشعبين، يجب أن يُلقى إلى مزبلة التاريخ، والعودة إلى الخطة السياسية لشعب إسرائيل، الداعية إلى إقامة دولة واحدة لشعب واحد، هي دولة إسرائيل، هذه الدولة اليهودية وحدودها من النهر إلى البحر، وقيام الدولة الفلسطينية في مكانها الطبيعي شرقي الأردن، وقال الوزير من حزب البيت اليهودي "نفتالي بينت":"أرض إسرائيل-ويقصد فلسطين التاريخية- هي لليهود، ويجب التعاطي مع الفلسطينيين كشوكة في المؤخرة، أما نائب وزير الجيش "داني دنون" فأعلن صراحة أن المسيرة السياسية هي خدعة من قبل "نتنياهو"، ونائب وزير الخارجية "زئيف الكين" أعلن أنه يتفق مع أقوال المتحدثين، ومجموعة كبيرة من الوزراء والنواب الذين يعارضون إقامة دولة فلسطينية، لا من خلال تسوية شاملة، ولا من خلال تسوية مرحلية، وقال نائب وزير الخارجية السابق "عامي أيالون":" فرصة نجاح المفاوضات الحالية تراوح الصفر"، و"تسفي حوتوبيلي" نائبة وزير المواصلات نقلت عن "نتنياهو"-الذي وصف الرئيس الإيراني بأنه ذئب في ثوب حمل- قولها أن الفلسطينيين هم ذئاب في ثوب ذئاب، وفي هذا الوقت بالذات، فإن الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، تحذر من بوادر وقوع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، ناجمة عن عدم حدوث اختراق في مفاوضات السلام، وتزايد اقتحام اليهود لباحة المسجد الأقصى، التي أثارت وأدت إلى مظاهرات غاضبة من قبل الفلسطينيين، وهذه الصحف تتنبأ بأن الضفة مقبلة عن انفجار شبيه بانتفاضة عام 1987.

وزير المالية "يائير لبيد" الذي اعترض على مطالبة الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، الذي قال بأننا لسنا بحاجة إلى مثل هذا الاعتراف من قبل الفلسطينيين، أجرى تعديلاً لأقواله هذه، بعد الهجمة والانتقادات التي تعرض لها، من قبل رئيس الحكومة، ولكي يرضي الأحزاب اليمينية، قال في محاضرة ألقاها في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنه من الخطأ النظر إلى الصراع الفلسطيني ضد إسرائيل على أن الصراع من أجل حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة، والاستقلال للفلسطينيين، قائلا بأن الفلسطينيين تحت الاحتلال، أشبه بالقاعدة، ونحن-أي إسرائيل- أشبه بالولايات المتحدة، فإسرائيل على حق والفلسطينيون على خطأ، غير أن نائب الكنيست من حزب العمل "اسحاق هرتسوغ"، اعتبر اشتراط رئيس الوزراء اعتراف الفلسطينيين بالدولة القومية للشعب اليهودي، يهدف إلى تخريب المفاوضات الجارية، وزعيمة المعارضة في الكنيست "شيلي يحيموفيتش" اعتبرت خطاب "نتنياهو" في بار ايلان متطرفاً لا يخدم مصلحة إسرائيل، وهدفه كسب المتشددين في حزبه والأحزاب الدينية.

الرئيس الأميركي "باراك أوباما" يحث "نتنياهو" على البدء في مفاوضات جدية مع الفلسطينيين، وهذا اعتراف من "أوباما" بأن المفاوضات غير جدية، بعد مرور "20" عاماً على المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، ويعتبرها بداية ويتحدث عن جديتها وتعجيلها، أما الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، الذي يهدد بالتوجه إلى الأمم المتحدة ضد إسرائيل بسبب استمرار إسرائيل بنهب الأراضي والاستيطان، ومع أنه متمسك بثوابته، بعدم التنازل عن حدود عام 1967، وأنه لا سلام دون القدس، ومع تفهمنا للضغوط التي مورست عليه لاستئناف المفاوضات ، فانه يتحمل المسؤولية، لقبوله بالمفاوضات دون مرجعية، ودون وقف الاستيطان، مكرراً الخطأ الذي وقع فيه بالتفاوض مع حكومة "ايهود اولمرت" رئيس الوزراء السابق، بالتفاوض مع استمرار العملية الاستيطانية.

وأخيراً ... فإن العنجهية الإسرائيلية مبالغ فيها، فإسرائيل تعيش الانقسام الداخلي على كافة الصعد، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي تعتمد على قوتها العسكرية في تخليد احتلالها ولحسن حظها فالأوضاع العربية لا تسر وهناك انقسام عربي، أما على الصعيد الدولي فإسرائيل في عزلة سياسية، وكما جاء في جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية، بأن "نتنياهو" معزول ومنفصل عن الواقع.