حَلْ السلطة الوطنية الفلسطينية .. البدايات والنهايات
تاريخ النشر : 2014-04-22 20:48

في إبريل. 2012 خرج علينا ( يوسي بيلين ) بعد غيابه عن المشهد السياسي لسنوات ليبهرنا بدعوته إلى ( حل السلطة )، والإعلان عن نهاية عملية التسوية بقصد إحداث هزة في الوضع الفلسطيني تضغط بدورها أطراف كثيرة، وتبقيها ملتفتة للصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما سيسقط ورقة التوت الممثلة \\\" بالسلطة الوطنية الفلسطينية \\\" التي يختبئ خلفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقتها كتبت مقالاً بعنوان \\\" حل السلطة الفلسطينية وعذابات يوسي بيلين \\\"، واتهمته واليسار الصهيوني أنهم من لعب دور ورقة التوت لإسرائيل طوال الأعوام السابقة وأنهم فروا من معركة السلام عندما أصبحت حقيقة على الأرض، وطالبته بدلاً من لعب دور ( الأستاذ ) الذي اعتاده، والذي يطالب فيه بحل سلطة عمدت بدماء الشهداء وأنات الجرحى وعذابات الأسرى، أن يشجب الممارسات الإسرائيلية ويقف في وجهها، أو أن يعلنها صراحة بدلاً من حل السلطة فليطالب نتنياهو \\\" باحتلال المناطق الفلسطينية \\\" أم يجد في ذلك الشكل دعاية سيئة لواحة الديمقراطية إسرائيل، لسنا في نزهة كي نسلم بمحض إرادتنا حيزنا الجغرافي رغم كل تشابكات إسرائيل معه، وبالتالي نذهب لنكبة جديدة يعلم الجميع أنها نهاية القضية الفلسطينية.

إننا لم نعدم الوسائل، ومواجهة المحتل ومقاومته حق شرعته كل القوانين الدولية، ولم يكن يوماً الهروب من مواجهة عدو متغطرس طامع في كل شبر من الأرض مخرجاً للحل فالصراع طويل وعميق ويحتاج إلى صبر وطول نفس، ويحتاج من شعبنا دعم قيادته والالتفاف حولها.

جاءت تلك المقدمة للتذكير بما يتداول حالياً في الأروقة السياسية وما يعاد طرحه بعد تعثر المفاوضات، والجميع كما يقال يلف في دائرة لا تلبث أن تنتهي من حيث بدأت ولذلك سأطرق هذا الموضوع من جانب آخر لا يبحث عن حلول متسرعة وعصبية بل يدرس الخيارات سواء الفلسطينية أو الإسرائيلية أو الأمريكية لنجد مخرج مناسب لا يتساوق مع ما يروج له الإعلام الإسرائيلي.

لقد قدمت الفوضى في العالم العربي فرص لإسرائيل لم تكن تحلم بها، والأخيرة تعلم جيداً وضمن تقديراتها الإستراتيجية أن تلك الفرص تقدمت على المخاطر المحتملة وفتحت الباب واسعاً أمامها للمناورة، وضمن هذا الهامش الواسع كان التعاون مع العرب نتيجة لتطور الصراع السني – الشيعي لمستويات عليا باتت تهدد العديد من الدول العربية، وكما استفادت إيران من خلق حالة عداء مع الأمريكان وإسرائيل في فتح أبواب ومنافذ لها على العرب، تجد إسرائيل الوقت مناسباً لها لترجمة عداءها مع إيران لعلاقات مع العرب السنة وهم يمثلون غالبية الدول العربية، هذا التقاطع في المصالح انعكس على القضية الفلسطينية، وبدلاً من أن يعطى زخماً لعملية التسوية، أضعفها لذلك تعثرت في عدد من القضايا ووصلت إلى طريق حتى اللحظة يبدو مسدوداً والبحث يجري عن مخارج للتمديد وليس للحل.

وسط كم الضغوطات الموجودة وبالذات على الفلسطينيين تفكر إسرائيل جدياً ورغم جهود كيري والتزامه بالوصول لنتائج في خيارين وهما:

1- العمل على تقليل التدخل الأمريكي لأدنى مستوياته في العملية السياسية وهو ما ينعكس على الطرف الفلسطيني باستفراد إسرائيلي يعززه غياب ظهير عربي بات مشغولا بقضاياه الوطنية والإقليمية.

2- انسحاب أحادي الجانب، والذي لم يلق استحساناً سواء في لبنان أو قطاع غزة إلا أنه في الضفة الغربية بالذات ترى إسرائيل أنه يجب أن يحدث ضمن شرعية دولية وتغطية سياسية من خلال التالي :

أ‌- التنسيق مع الأمريكان والأوروبيين وأصدقاء إسرائيل

 ب‌- بقاء الجيش في عدة مناطق لمنع تهريب السلاح وكورقة مفاوضات في حال التسوية الدائمة

 ت‌- نقل عدد من المستوطنين وتعويضهم مالياً.

إسرائيل تسعى من خلال تلك الإجراءات إلى التهرب من إلقاء اللوم عليها في فشل المفاوضات، وبالتالي لا تقع تحت طائلة المقاطعة الدولية وتحمل المسئوليات عن فشل التسوية السياسية وما ينتج عنها.

كما قدرت إسرائيل عدة سيناريوهات في قطاع غزة نظراً للظروف المحيطة بحركة حماس مابين احتوائها مع تقليل الاعتماد على إسرائيل، أو إحداث تغيير في سياساتها لتصبح شريك في التسوية ( وهو ما ترى أن أوانه لم يحن بعد ) في حين تستبعد خيار إسقاطها.

ورغم كل السيناريوهات التي تضعها إسرائيل، وما نملكه من خيارات لإلحاق الضرر بها دولياً سواء من خلال تنشيط المقاطعة، أو المحكمة الجنائية الدولية إلا أن إسرائيل ترى فى ذلك أقل الضرر، لذلك تجهز نفسها للأسوأ وتجري اتصالاتها مع دول إقليمية ودولية لتحميل الفلسطينيين مسئولية أي خطوة باتجاه نزع الشرعية عن إسرائيل، وفي نفس الوقت تبدي مرونة قليلة فيما يخص الدفعة الرابعة من الأسرى، في حين الأمريكان يأملون بإتمام صفقة تمديد للمفاوضات تريحهم لشهور قادمة، وهو ما يرشح حتى الآن، ويبدو جلياً من تصريحات وزير الخارجية المصري نبيل فهمي الذي صرح بأن التمديد يجب أن يكون على أساس قرارات الشرعية الدولية، وضمن وقت محدد.

إن خياراتنا رغم محدوديتها، والضغوط المتزايدة علينا يجب أن تصلب وتقوي عودنا، فلا زلنا في كل يوم نعري إسرائيل أمام المجتمع الدولي، ونضعها في مواجهته، وهو الذي يزداد نفوراً منها، كما أن المقاومة وحقنا بممارستها وجب أن تخدم السياسي لا أن تزيد من الأعباء التي تثقله، وهو ما يجب الاتفاق عليه من الفصائل كافة في اجتماع المجلس المركزي بعد أيام، فوحدتنا ليس من شأنها تصليب موقفنا فحسب بل والموقف العربي.

إن السلطة التي جاءت عبر نضالات طويلة كان مقرراً لها أن تتحول لدولة بعد خمسة سنوات من أوسلو، والدولة المراقب في 2012.11.29 باعتراف أممي هي نتاج عمل سياسي دؤوب ومضني، كل هذا لن يذهب أدراج الرياح فكل شبر من الأرض ننزعه بالحرب أو السلام هو مكسب فلسطيني فلم نعتقد يوماً أن إسرائيل ستقدم لنا السلام الذي ننشده، وقد قتلت رئيس وزراءها رابين لتوقف مسيرة التسوية والتي وصفها أبو عمار رحمه الله بأنها العضمة التي علقت في حلق إسرائيل فلا هي قادرة على ابتلاعها ولا قادرة على لفظها.

وفي النهاية تحضرني قصة رواها أب لابنته ليعتبر ومفادها \\\" أن أحدهم أراد بناء مسجد وعندما شرع ببنائه توفي فجاء أولاده وحاولوا إكمال البناء إلا أنهم توقفوا لتراكم الديون عليهم، وما كان من الأبناء إلا أن باعوا المسجد قيد الإنشاء لأحد الأجانب الذي حوله إلى خمارة \\\" ، لذلك علينا أن نكمل ما بدأنا به ولا نتركه مهما كان الثمن ورغم كل العراقيل والمصاعب فالبدايات يجب أن توافقها النهايات.