عرب أميركا متهمون
تاريخ النشر : 2014-04-17 11:54

انتظر الأميركيون المسلمون وذوو الأصول العربية بشغف اتخاذ إدارة أوباما إجراءات من شأنها إنهاء ممارسات وإرشادات «التصنيف عند تطبيق القانون» على أساس ديني وعرقي، التي ترجع إلى عهد سلفه بوش، وقد ساورنا قلق عميق خلال الأسبوع الجاري بسبب تقارير صحافية تفيد بأن المدعي العام «إيريك هولدر» قد يقترح الإبقاء على كثير من تلك البرامج التي عرضت حقوقنا كمواطنين أميركيين للخطر بشكل كبير. وقد انتظرنا إدارة أوباما ما يربو على خمسة أعوام كي تضع نهاية لهذه الممارسات، لكننا الآن نخشى من احتمال ألا تفعل ذلك.
وفي ذاكرة مجتمعات الأميركيين المسلمين وذوي الأصول العربية تاريخ حافل بالقلق من جراء أنشطة «التصنيف العرقي عند تطبيق القانون». وعلى سبيل المثال، كان ذوو الأصول العربية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، يتعرضون بصورة منتظمة إلى عمليات تفتيش مهينة على مرأى ومسمع من المسافرين في المطارات بعد إخراجهم من صفوف تسجيل الدخول.
ويمكنني أن أتحدث من واقع تجربتي، لا سيما أني تعرضت لمثل هذا النوع من السلوك في تلك الفترة، وقد كانت إجراءات استدعائي ذات مرة من الطابور وتفتيشي بصورة وقحة ومعاملتي كمشتبه به أمام المسافرين أمراً مؤذياً ومحرجاً. وعندما سمح لي في النهاية بركوب الطائرة، جعلت نظرات الركاب التجربة أكثر صعوبة وإزعاجاً.
وقد أدليت بشهادتي حيال مثل هذا النوع من «التصنيف العرقي عند تطبيق القانون» أمام الكونغرس واللجنة الخاصة التي ترأسها نائب الرئيس «غور»، وتحديت «إدارة الطيران الفيدرالية» أن تقدم لي مثالاً واحداً أسفر فيه «التصنيف غير الموضوعي عند تطبيق القانون» عن اكتشاف تهديد على سلامة الطيران، فلم تستطع. وبفضل ذلك، بعد فترة قصيرة، أوصت لجنة «غور» بإنهاء مثل هذه الممارسات في المطارات المحلية.
وأثناء الحملة الرئاسية في العام 2000، تعهد الرئيس السابق بوش بإنهاء كل أشكال التصنيف ضد الأميركيين العرب، لكن ثبت أن فرحة البعض في جاليتنا كانت سابقة لأوانها.
وبعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الإرهابية، حاصرت وزارة العدل بشكل تمييزي المهاجرين العرب لترحيلهم، وأجرت اتصالات بكل المهاجرين من الدول العربية والإسلامية، وأطلقت العنان لمسؤولي الجمارك وحرس الحدود في التعامل بصورة تمييزية مع الأميركيين من المسلمين وذوي الأصول العربية العائدين إلى الولايات المتحدة من كندا. وكانوا يفتشون ما يحملونه من أجهزة كمبيوتر وهواتف وملفات ويذلونهم أمام أسرهم ورفاقهم من المسافرين.
وفي العام 2003، وضع «جون أشكروفت»، المدعي العام في عهد بوش، أساساً لهذا التمييز عندما أصدر إرشادات تحظر ممارسة «التصنيف عند تطبيق القانون»، لكنها تركت ثغرة مفتوحة بحجة الأمن القومي. وقد منحت الثغرة غطاءً ومبرراً لبرنامج «التخطيط الديموغرافي» المشين الذي تنفذه إدارة شرطة نيويورك ووكالة الاستخبارات المركزية.
وأفضل ما يوصف به هذا البرنامج هو أنه «تصنيف مسعور»، إذ أجبرت الإدارة بعض المهاجرين، بتوجيهات من وكالة الاستخبارات المركزية، على العمل كمخبرين داخل مجتمعاتهم، وكان يتم إرسالهم إلى المساجد وأماكن العمل والقاعات الاجتماعية التي يملكها عرب في أنحاء العاصمة، من أجل أن يقدموا تقارير.
كانوا يجمعون معلومات بشأن الجماعات التي تتواجد هناك والمحادثات التي يتبادلونها ومحطات التلفزيون التي يشاهدونها، على أن يتم جمع المواد في سلسلة من التقارير حسب «مناطق الاهتمام» عن الجاليات العربية والإسلامية في المدينة.
وتثير الطريقة التي يتم بها جمع المعلومات الواردة في هذه التقارير وأسلوب عرضها واستخدامها، مشاعر الخوف والقلق، لا سيما أنها تتعامل مع جالية مكونة من مئات الآلاف من الأشخاص الأبرياء على أنهم مجموعة من المشتبه فيهم.
وبرنامج إدارة شرطة نيويورك بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية، ليس سوى مثال، وإن كان متطرفاً، على التصنيف في تطبيق القانون على أساس ديني وعرقي، والذي يهدد، إن ترك من دون محاسبة، بتقويض حقوقنا الأساسية كأميركيين.
وبدلاً من الإغلاق المباشر للثغرة المتروكة من عهد بوش، واصلت إدارة أوباما العمل وفق إرشادات «أشكروفت» خلال الأعوام الخمسة الماضية.
وفي أعقاب محاولة تفجير رحلة طيران «نورث ويست» في العام 2009، وضعت هذه الإدارة برنامجها التمييزي الخاص للتصنيف عند استخدام القانون ضد الركاب العرب والمسلمين.
وقال المدعي العام «إيرك هولدر» ذات مرة «إن جهات تطبيق القانون لا ينبغي أن تراقب أنشطة المواطنين إلا عندما يكون هناك أساس للاعتقاد بأن شيئاً ما غير ملائم يحدث أو محتمل الحدوث».
ونظراً لأن هوية العربي الذي يعيش في نيويورك أو يسافر عبر أحد المطارات لا تعتبر مؤشراً كافياً على سلوك غير ملائم، أعتقد أن على المدعي العام الأميركي أن يتحرك لتطبيق أقواله.
وأؤكد على أن استخدام «التصنيف على أساس عرقي أو إثني أو ديني» من قبل جهات تنفيذ القانون لا يتفق مع المبادئ الأميركية ويجب وضع نهاية له. فاستهداف الناس بسبب أشكالهم أو صفات المجتمعات التي ينتمون إليها هو تمييز ومبرر هزيل لتنفيذ القانون.
وباستهداف مجموعات إثنية وعرقية بأسرها بدلاً من التركيز على سلوكيات محددة، لا تهدر جهات تنفيذ القانون موارد ثمينة فحسب، إنما تجازف أيضاً بكسر حاجز الثقة وتُنفّر المجتمعات التي يمكن أن تكون مفيدة في بناء شراكات قوية.
يريد الأميركيون المسلمون من ذوي الأصول العربية التعاون مع جهات تنفيذ القانون من أجل الحفاظ على أمن الولايات المتحدة، لكنهم يريدون أيضاً أن يعاملوا كمواطنين وشركاء لهم كل الحقوق كغيرهم من مواطني بلادهم.

عن السفير اللبنانية