من منافس سياسي إلى عدو وطني!!!
تاريخ النشر : 2013-10-22 21:24

إطلاق الرصاص مباشرة على عرس قبطي في كنيست العذراء و الملاك في الجيزة جنوب القاهرة، يجعل الأسئلة الكبرى تتواصل بإلحاح غير عادي، كيف تحول الإسلام السياسي في بلادنا من مجرد منافس سياسي إلى عدو وطني؟؟؟

مهمة الإجابة عن هذا السؤال الكبير، هي القضية التي يجب أن يجري حولها أوسع حوار مجتمعي عربي من الجزائر إلى الكويت و من سوريا إلى السودان، و من تونس إلى اليمن، و في القلب من ذلك كله النموذج الأكبر في مصر بطبيعة الحال، لأن هذا الإسلام السياسي و خليته الأولى الأخوان المسلمون نشأ في مصر أولاً قبل خمس و ثمانين سنة، ثم انتشر عبر تفريعات متعددة وصولاً إلى النماذج الأكثر فداحة مثل الجماعة الإسلامية، و التكفير و الهجرة و القاعدة و غيرها، و من يومها و هذه المنطقة تواجه اختبارات حادة جداً، حتى عندما وصلت مجموعات الإسلام السياسي إلى الحكم في بعض المناطق، في الصومال و في أفغانستان و في قطاع غزة ثم في مصر اتضح بشكل صادم، أن هذا الإسلام السياسي برغم الصفقات التي عقدها مع العديد من القوى الإقليمية و الدولية، غير قادر و لا مهيأ للحكم و لو بالحد الأدنى، و أنه يعيش حالة مفرطة من الانفصام الداخلي، و مسجون داخل زنزانته من الانكار للواقع، و أن أقصى دور يمكن أن يقوم به هو أن يكون أداة استخدام و ليس أكثر من ذلك!!!

و يبقى النموذج المصري، هو النموذج الأكبر الذي يستحق الدراسة بشكل معمق، و يجب على مراكز الدراسات المختصة بالجماعات الإسلامية، و النخب السياسية، و الجامعات و علماء النفس و علماء الاجتماع أن يكونوا طليعة هذا الحوار المجتمعي الواسع للوصول إلى ما يمكن الركون إليه!!! ذلك أن خسائرنا في عالمنا العربي نتيجة ارتكابات هذا الإسلام السياسي كبيرة جداً، أكبر حتى من إمكانية الإحصاء و التقصي، ليس فقط على المستوى المادي، أو الارتدادات المجتمعية، و إن ماً على المستوى الحضاري، حيث سقطنا من الحساب رغم الإمكانيات الهائلة التي أتيحت لنا من أجيال شابة، و عوائد مالية خرافية، و موقع جغرافي عبقري يستفيد منه كل العالم أكثر منا نحن كدول عربية.

و هذه الدعوة إلى حوار مجتمعي واسع و جاد على مستوى الأمة، سببه الأول أننا نرى مثقفين و مفكرين و سياسيين عرب من لا يزالون يمضغون الكلام القديم الذي سقط في الاختبارات العديدة، فلازال هناك من يتحدث عن المصالحة، كما لو أنه مجرد عمدة "مختار" في قرية صغيرة يريد أن يحل خلافاً عابراً!!! بل إننا نجد أنه كلما زادت الفواجع، يتضاعف عدد هؤلاء الوسطاء بحثاً عن دوراً أقرب إلى البلاهة منه إلى أي شيء آخر!!!

لابد أن نصل إلى مشترك مجتمعي واسع على الصعيد الفكري و الفلسفي و الثقافي و السياسي بأن هذا الإسلام السياسي لم يكن من صنعنا منذ البداية، و أنه نتاج اختراق الأخر، ليس على قاعدة المؤامرة البسيطة، و إنما على صعيد الصراع بين الحضارات، و على صعيد الاختراق الاستراتيجي الذي يجعل الأقوياء ينتجون رؤى للمستقبل، و يرسمون الخرائط الاستباقية!!! و ليس في هذا أي نوع من المؤامرة، إنه ضرورات الصراع حول المصالح و حول البقاء و حول الأدوار، كما يحدث منذ حقب البشرية الأولى.

الإسلام السياسي في بلادنا تحول إلى عدو وطني، و تأكدت هذه العداوة بأشكال فادحة لا ينكرها سوى الأغبياء جداً أو المتورطين جداً و يكفي أنه على يد هذا الإسلام السياسي تراجعت قضايانا الرئيسية إلى الوراء بل إلى حد التجاهل المطلق!!! و أعلن هذا الإسلام السياسي نفسه كأنه الخنجر الذي يمنح للآخرين لكي تقطع به أوصال الأمة!!! فتتبرأ من طموحها المشروع، و تبتعد عن دورها المآمول، فتصبح مفعولاً بها على الدوام.

حتى الأعداء التاريخيين الذي جاءوا لمهاجمة هذه الأمة و اجتياجها و وراثتها لم يفعلوا بالأمة ما فعله بها الإسلام السياسي، بل إن بعض أعتى الغزاة ارتدوا عنها و هم يحملون بعض ملامحها الحضارية على مستويات مختلفة، أما هذا الإسلام السياسي فإنه – في كل أدبياته – لا يعترف لهذه الأمة بأي فضل و لا بأي إنجاز، مادامت دعوته تنطلق أولاً من أن هذه الأمة كافرة بالمطلق و تحتاج إلى الهداية من جديد!!!

نريد وعياً أعمق و أوسع و أشمل، لأن المعركة مع الإسلام السياسي مازالت في أوجها و لم تنته بعد.

[email protected]

[email protected]