مفارقة «السلام»!
تاريخ النشر : 2014-04-16 12:00

يبدو أن عملية السلام الجارية في الشرق الأوسط تترنح من فشل دبلوماسي لآخر، ليبقى الفلسطينيون والإسرائيليون غارقين في مشاكلهم المستعصية. لذا، وفيما تقترب الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الطرفين من حافة الهاوية، من المهم التذكير بأنه على مدى الـ 25 سنة الماضية تمكن الشعبان من إحراز تقدم بطيء، لكنه متراكم، نحو التعايش المشترك، بل قطعا الجزء الأكبر من الطريق نحو اتفاق نهائي. هذا التقدم يتجسد اليوم في أن أغلبية كبيرة من الإسرائيليين تخلوا عن حلم «إسرائيل الكبرى»، وقبلوا بضرورة قيام دولة فلسطينية في غزة وغالبية الضفة، وهو أمر لم يكن مطروحاً خلال تسعينيات القرن الماضي عندما انتفض وزير الخارجية جيمس بيكر على الأطراف وقال: «اتصلوا بنا عندما تكونوا جاهزين للسلام». وبالمثل توقف الفلسطينيون عن إنكار حق إسرائيل في الوجود، ونبذوا تكتيكات الإرهاب التي كانت إحدى أسباب فشل الجهد الدبلوماسي الذي بذلته إدارة كلينتون. وفيما كانت الهجمات الانتحارية وعمليات الاقتحام العسكري التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي جزءاً من المشهد العام، تحولت إسرائيل والضفة الغربية، بل حتى غزة، إلى واحة من الهدوء في منطقة تغص بالدماء.

صحيح أن المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين ما زالوا مختلفين حول تفاصيل الدولة الفلسطينية، مثل حدودها، ومسألة اللاجئين، وما إذا كان يتعين تقسيم القدس وكيفية ذلك.. إلا أنه، وخلافاً لتصريحات جون كيري، بأن الوقت بدأ ينفد أمام حل الدولتين، فإنه ما زال ممكناً، فاليوم ما عادت إسرائيل توسع المستوطنات كما كانت تفعل قبل عشرين عاماً، بل تقتصر على البناء في المناطق القريبة من حدود عام 1967. ورغم الغضب الذي يحيط بالاستيطان، تُظهر الدراسات أن 80 في المئة من المستوطنين يمكن استيعابهم في إسرائيل بضم 5 في المئة من الضفة الغربية، مع تلميح نتنياهو إلى أنه مستعد لقبول مبدأ تبادل الأراضي، فلماذا لا ينعكس هذا التقدم الملموس على الأرض في الجانب الدبلوماسي؟ الجواب أن كل تطور إيجابي في العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين جرى بعيداً عن «عملية السلام» الرسمية، فالإسرائيليون قبلوا حل الدولة الفلسطينية لأنهم أدركوا عدم القدرة على الجمع بين احتلال الضفة وديمقراطية إسرائيل، فيما نبذ الفلسطينيون العنف لأنه فشل في إنهاء الاحتلال وكلفهم أكثر مما كلف الإسرائيليين. وإذا كان التنسيق الأمني بين الطرفين ناجح في الضفة الغربية، فذلك لوجود مصلحة مشتركة تتمثل في مكافحة التطرف الإسلامي. وقد ساهمت الولايات المتحدة في ذلك التقارب.

لكن بدلا من مواصلة إدارة أوباما لهذا النهج والاستمرار في تعزيز بناء المؤسسات الفلسطينية، ودفع إسرائيل إلى تفويض المزيد من المسؤوليات الأمنية للفلسطينيين وإزالة الحواجز التي تعيق الاقتصاد الفلسطيني، قرر أوباما السير على درب المفاوضات، مراهناً على اتفاق سريع. والحال أن الولايات المتحدة لا يمكنها الوصول إلى السلام في الشرق الأوسط من خلال الحملات الدبلوماسية، بل فقط من خلال الاستثمار أكثر في الظروف والمؤسسات التي يمكن أن تهيئ للتوافق، وأن تمتنع عن تنظيم أي مؤتمر سلام ما لم تنضج الظروف ويبدي القادة استعداداً واضحاً لتوقيع اتفاق سلام. وبإصرار أوباما وكيري على رفض هذا المبدأ فإنهما يؤجلان قيام الدولة الفلسطينية من دون أن يعني ذلك توقف التطور ومسيرة الإنجازات.

عن "الاتحاد" الامارتية و خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»