منْ تحبُّ فيروز؟
تاريخ النشر : 2014-04-16 11:50

لو اجتهدَ صحفيٌّ أخرق، وكتبَ مقالاً تعيساً شحذ فيه خياله المحدود، وزعمَ أنَّ السيِّدة "فيروز" تفضِّلُ إعداد "التبُّولة" بيديها المباركتين، وأنَّها لا تثقُ بخادمتها الشريرة في مهام تنظيف "الطيور الداجنة"، وكالنساء العاديَّات، هي أيضاً تبذِّرُ وقتَها النفيس بمشاهدةٍ جديَّةٍ لأفلام "محمد هنيدي"، وتصدِّق كلَّ ما يردُ من حِكَمٍ في مسرحيات "محمد نجم"، لأصيبَ جمهورها، الذي لا يقلُّ عن سكان الوطن الكبير، بصدمة من النوع الحادِّ، فهم بالغوا في حبِّ "فيروز" لأنهم يجهلونَ تماماً ما الذي تحبُّه، وما الذي تكرهه؛ وما الذي لا يدلُّ بوضوحٍ عليها.

دوَّت نجومية السيِّدة "نهاد حدَّاد" قبل ستة عقودٍ، واتفقت الإذاعات العربية "المختلفة" على كلِّ المسلَّمات، بإعلان غير مكتوب، على أنْ يصيرَ صوتها هواء الصُّبح، وتكثفت بين عقد وآخر الظلالُ حول "البنت الشلبية"، فانحصرَ ذكرها بين هلالين رحبانيَّيْن: عود "عاصي" وقصيدة "منصور"، فلم يعرف المستمع الواحدُ في الوطن الكبير ما الذي تودُّ أن تقوله "فيروز"؛ بل إنَّ كثيراً منهم يشكونَ حتى الآن، حتى بلوغ "جارة الوادي" الثامنة والسبعين، إن كانَ لديها ما تودُّ قوله!

ستخرج "أمُّ هالي" قليلاً من "زقاق البلاط"، وتنزلُ من "الجبل" لتقولَ كلمَتيْها، لكنَّها حتى في لقاءاتها التلفزيونية النادرة، ستكونُ جامدةً مثل أرزَة في الصيف، ولن تقول أكثر مما حكته في أغنياتها: المحبَّة والسلام وكلام بسيطٌ معلقٌ في "الحور العتيق"، على أن للمستمع في الوطن الواحدِ تفعيلَ العقل، لإدراكِ البدهيِّ: أنَّها تحبُّ "فلسطين"، وتغنِّي لـ "البلاد" وحدها دون رؤوسها، وأنها خاصمت كلَّ الأطراف المتخاصمة في حرب أهلها الطويلة. لن تعرفَ، عزيزي المستمع، أكثر من أنَّ "الوردة على سورٍ" تحبُّ لبنان "بشماله، وبجنوبه، وبسهله" لـ "تخلص الدني"!

وقبل ذلك الموعد بكثير، خرجَ ولدُها "زياد" على شاشة فضائية ملوَّنةٍ ليعلنَها بلا التباس: "السيِّدة تحبُّ السيِّد"، حسن نصر الله. هكذا دلقَ السرَّ، وتحوَّلَ "الملحِّنُ الجيِّد" إلى حمامة بين عاشقين خجولَيْن، أو "مرسال المراسيل". كان هذا قبل وقتٍ قصيرٍ، وكادَ أمر قصة "الحبِّ المستحيل" أنْ ينطوي كما كل قصص الحبِّ من طرفين متباعدين، قبلَ أن يكشفَ "ولدها" في صحيفة ملوَّنة سرّاً آخر فاجعاً: "السيِّدة تحبُّ العقيد" معمَّر القذافي، بنياشينه وجنونه؛ وعليكَ الآن، عزيزي المستمع، أنْ تتهيأ لحوار ثالث بعد عودة "زياد" من "شهر العسل"، ليعلن أنَّ "السيِّدة تحبُّ الفوهور" أودلف هتلر!

كسرَ "الولد" صندوق "أمِّه" بأسراره السوداء، التي من المرجَّح أنْ تكون كاذبة، وأنَّه اختطفَ "القمرَ وجارته"، لهواه السياسيِّ المتقلِّب، فأربكَ صورة السيِّدة الكتومة التي لم تعرف من بعد "عاصي" سوى "شادي" وصبيانيَّته في الحبِّ، و"علي" و"عوده الرنّان" والرجل الغريب الذي سألته مرة بحوارٍ غنائي ملغز "كيفك إنتَ". كانت "السيِّدة" واضحة بعلاقاتها الإنسانية: اهتمامها بالغياب المحيِّر لزوج "أمِّ سليمان"، وتعاطفٍ غنائي مع رجل سكّير هو "حنَّا" المتكئ على حيطان النسيان. لكنَ "الولدَ" كسرَ صندوق أمه، فلم يعد المخاطب في "سلِّمْلي عليه" واضحاً أو محدَّداً!

"من تحبُّ فيروز"، الملائكية: "السيِّد" أم "العقيد"، أم أنَّها ظلَّت مخلصةً لذكرى "شادي" الضائع و"عود علي" الهَرِم، دون أنْ ينقصَ أو يزيدَ تعاطفها المحدود مع "حنا السكران"، فكانت اجتهادات "ولدها" أو "مرسال المراسيل"، حسابات سياسية استحقَّت الدفع، أو "خبطة" صحفية على غرار تصريحه الغريب "ابني مش ابني". ربَّما تسرَّب إليه الشكُّ بـ "عبقريته" الموسيقية التي يُروِّجُ لها صبية من مواليد 85 فما فوق، أولئكَ الذين شكَّلوا "معرفتهم" الموسيقية بالاستعانة بـ "ويكيبيديا" وخزانة "يوتيوب"، فأعاد إطلاق واحدة من "نكاته"، لكنَّه صدَّقها قبل ذلك، وأسهَب في شرحها، وما على العاقل إلاَّ أنْ يستمعَ معفياً من الحرج؛ فـ "العقل زينة"!

عن الغد الاردنية