المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مأساة وملهاة
تاريخ النشر : 2014-04-15 11:15

حاشا لله أن يكون هدفى من هذا المقال وعنوانه لوم الجامعة العربية أو الحكومات العربية لضعف قدرتها على تغيير موازين المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. فلا قيمة للوم ما دمنا نفهم أن ميزان القوى على المستوى الإقليمى مختل لمصلحة إسرائيل، وأن ميزان القوى على المستوى الدولى مائل بشدة لصالح الولايات المتحدة الراعى العسكرى والسياسى والاقتصادى والتكنولوجى لإسرائيل. هدف المقال هو الوفاء بحق القارئ فى المعرفة بما يدور من فصول مسرحية المفاوضات التى يرعاها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى والتى تتداخل فيها مشاهد المأساة الفلسطينية مع مشاهد الكوميديا أو الملهاة.

دعونا نبدأ بمشهد فكاهى حيث انعقد مجلس وزراء الخارجية العرب فى اجتماع طارئ بمقر الجامعة العربية بالقاهرة تلبية همامة لدعوة فلسطينية للبحث فى نتائج المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية يوم الأربعاء. لقد حضر الاجتماع الرئيس محمود عباس بنفسه وأطلع الوزراء على تفاصيل التدهور الذى شهدته المفاوضات ووضع أمامهم خطته المقبلة، وطالب الوزراء العرب أن يقدموا الدعم السياسى والمالى للسلطة فى حال تعرضها لعقوبات إسرائيلية مالية من نوع وقف إسرائيل مستحقاتها من الجمارك.

حتى هنا يبدو الأمر جاداً لكن الكوميديا تنفجر عندما طالعنا مانشيت بالأهرام يوم الخميس عن نتائج الاجتماع يقول «رسالة شديدة اللهجة من وزراء الخارجية العرب لإسرائيل». بالطبع تلهفنا على قراءة التفاصيل لنعرف ما هى الإجراءات الشديدة التى اتخذها الوزراء ويلوحون بها لإسرائيل إذا لم ترتدع عن مواصلة قضم وهضم أراضى الدولة الفلسطينية والتسويف فى المفاوضات الممتدة منذ عام وطرح مزيد من الأطماع الصهيونية على مائدة التفاوض لإرغام الفلسطينيين، إما على تنازلات فادحة، أو على الرفض لتجد ذريعة لوقف التفاوض وإبقاء الأمر الواقع على ما هو عليه. عندما قرأنا ما تحت المانشيت وجدنا الإجراءات المتخذة كالتالى: 1- أن وزراء الخارجية العرب يحملون إسرائيل المسؤولية الكاملة عن المأزق الخطير الذى تمر به عملية السلام بسبب رفضها الالتزام بمرجعيات عملية السلام وإقرار مبدأ حل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية على خط الرابع من يونيو 1967 بعاصمتها القدس الشرقية.

2- أن وزراء الخارجية العرب يحملون إسرائيل المسؤولية عن رفضها الالتزام بتنفيذ تعهداتها بإطلاق سراح الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى الفلسطينيين. وهى التعهدات التى ارتبطت بموافقة الفلسطينيين على المفاوضات التى بدأها كيرى والمقرر أن تنتهى مدتها مع نهاية إبريل الحالى. مرة أخرى تتساءل عن فحوى تحميل إسرائيل المسؤولية خاصة إذا كنت متابعا للموضوع وتعلم أن إسرائيل رفضت إطلاق الأسرى إلا إذا حصلت على أربعة مكاسب جديدة. لقد اشترطت أولا إطلاق سراح الجاسوس جوناثان بولارد الذى تجسس لمصلحتها على الولايات المتحدة. وثانياً مد فترة المفاوضات وثالثاً امتناع الفلسطينيين عن اللجوء إلى الأمم المتحدة أو الالتحاق بمنظماتها، ورابعا ألا يعترض أحد على مواصلة عمليات الاستيطان اليهودى فى الضفة الغربية.

3- أن وزراء الخارجية العرب يشددون فى قرارهم على دعوة الولايات المتحدة إلى مواصلة مساعيها من أجل استئناف المفاوضات بما يلزم الجانب الإسرائيلى بتنفيذ تعهداته والتزامه بمرجعيات عملية السلام.

هنا تتساءل هل أعد وزراء الخارجية برنامجاً للتأثير على الولايات المتحدة بدرجة تدفعها إلى إلزام إسرائيل بمرجعيات عملية السلام؟. إن عملية التفاوض التى جرت منذ تسعة أشهر برعاية كيرى لم تنتج سوى مزيد من طرح مطالب إسرائيلية جديدة من نوع الاستيلاء على غور الأردن بالإضافة إلى الاحتفاظ بكتل المستوطنات الكبرى فى الضفة ومثل اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل كدولة للشعب اليهودى، ومثل التنازل عن حق العودة الرمزية للاجئين ومثل سيطرة إسرائيل على المجال الجوى للدولة الفلسطينية وحدودها ومثل قبول الفلسطينيين بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. السؤال هنا ما معنى مطالبة الولايات المتحدة باستئناف هذه المفاوضات إذا كان هذا هو ناتجها الواضح والصريح؟

أغلب الظن أن هذه المفاوضات تملأ فراغا فى المنطقة فهى توحى بأن هناك شيئا ما يجرى لمصلحة الفلسطينيين من ناحية وتمنح من ناحية أخرى حكومة نتنياهو فرصة للتماسك بإرضاء أحزاب اليمين المتطرف المصممة على مواصلة الاستيطان وأيضاً إرضاء أحزاب الوسط المهتمة بعملية التفاوض. وهكذا تخرج جميع الحكومات بشىء ما على المستوى الشكلى، فى حين تخرج إسرائيل وحدها بمكاسب متعددة أهمها الحفاظ على الأمر الواقع ومنع إقامة الدولة الفلسطينية ومواصلة الاستيطان وكسب صورة إيجابية.

عن المصري اليوم