من يجرؤ على القضاء على الأونروا؟
تاريخ النشر : 2018-01-31 14:38

ما من شك بأن الأونروا أصبحت من أشهر وكالات الأمم المتحدة على الإطلاق نتيجة للحملة العدائية التي يشنها الرئيس الأمريكي عليها هذه الأيام، والتي يشاركه فيها رئيس وزراء "حكومة الاحتلال" ناتنياهو. 
والأونروا هي "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" أُسست في 8 / 12 / 1948 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 لتقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين وتنسيق الخدمات التي تقدم لهم من طرف منظمات الأمم المتحدة أو أي جهات أخرى.
وكان الاعتقاد أن تعمل كوكالة متخصصة ومؤقتة، على أن تجدد ولايتها كل ثلاث سنوات لغاية إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، التي لا زالت تصطدم بحائط الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن إلى يومنا هذا ليكون المانع الوحيد أمام الاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية.
واستمرت الأونروا في أداء مهامها منذ العام 1950 وحتى يومنا هذا من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة برغم الصعوبات الجمة التي تواجهها وخاصة في السنوات الأخيرة.
فلماذا تُشن الحرب الأن على الوكالة الدولية؟
قبل الإجابة على هذا السؤال؛ لعله من الأفضل أن نُعرف من هم الفلسطينيين الذين عاشوا " النكابة " أي نهب فلسطين في العام 1948 وتشريد الشعب الفلسطيني في دول الشتات، ومن عاش " النكسة " أي عدوان 1967، ومن يكابد الاحتلال إلى زمننا هذا كي نقدم نماذج حية عن هؤلاء اللاجئين، وماذا قدموا للبشرية رغم المآسي التي عايشوها بعد انتزاعهم من أرضهم ووطنهم.
ولعل خير ما أبتدأ به كنموذج سعادة السفير نبيل الرملاوي الذي هُجر مع أهله من يافا إلى غزة وهو صغيراً، واضطر أن يلبس معطف أخته ليستر به بنطاله الممزق الذي لا يملك غيره كما روى في كتابه " أيامي وأوراق دبلوماسية " لتمضي به الأيام ليكون مندوب فلسطين الدائم في جنيف لدى اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة والتي اضطرت الولايات المتحدة والاحتلال إلى الانسحاب من عضويتها قبل استبدالها بمجلس حقوق الإنسان.
كذلك المربية الفاضلة حنان حامد الحروب، الحائزة على جائزة أفضل معلم في العالم والتي أطلقتها مؤسسة فايركي جيمس التي تختص بتطوير التعليم في دورتها الثانية لعام 2016، وهي لاجئة من مخيم الدهيشة وقد ابدعت منهاجاً تعليمياً " نلعب ونتعلم " لتقدمه للحضارة الإنسانية بعد أن نجحت في مساعدة أبنائها في الخروج من أثار الإصابة التي أحدثها رصاص الاحتلال فيهم أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
أما الروائي عاطف أبو سيف الذي فازت روايته " حياة معلقة " بجائزة البوكر العربي في العام 2016 وها هي روايته " الحاجة كريستينا " تترشح للجائزة لهذا العام، فهو من مواليد مخيم جباليا بغزة، لأبوين لعائلة هُجّرت من مدينة يافا. درس اللغة الانجليزية وآدابها في جامعة بيرزيت بفلسطين، وقد كان يحب القص والسرد لشغفه بجدته عائشة التي ماتت وهي تحلم بيافا، وتعيد سرد حكاياتها ويومياتها في المدينة، بحيث أضحى هذا الشاب يتمنى فقط لو استطاع أن يكتب حكاية عن جدته في يافا.
وأخيرا وليس أخرا؛ الطالب كريم أبو كويك سفير أطفال فلسطين إلى الأمم المتحدة وهو لاجئ فلسطيني من قطاع غزة يبلغ 14 ويمثل ما يزيد على 270,000 طالب فلسطيني لاجئ من القطاع غزة وقد خاطب ممثلي العالم في مؤتمرٍ عُقد تحت عنوان "آفاق جديدة للتمويل المستدام للأونروا “، ولا زال يسعى للبحث عن تمويل لوكالة الغوث عبر حملة " الكرامة لا تقدر بثمن ".
هذه النماذج الحاضرة عن جموع المثقفين والشعراء والفنانين ورجال الأعمال البارزين وكافة المبدعين من اللاجئين الفلسطينيين في كل المجالات الإنسانية، تمنحنا الحق لنجيب عن التساؤل المطروح، لماذا تُشن الحرب الأن على الوكالة الدولية؟ ومن يجرؤ على القضاء على الأونروا؟
بالنسبة للشق الأول من السؤال؛ فكما قال شاعرنا الكبير محمود درويش " على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، فالحرب الأن على الأونروا لأنها تجسد قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتذكر بشكل يومي بحقهم القانوني الملزم بالعودة إلى مدنهم وقراهم في فلسطين مع التعويض الكامل.
وهذا ما لا يرغب به الاحتلال أو الإدارة الأمريكية الحالية، لذلك هم يتجرؤون على الهجوم على الوكالة تمهيداً لإنهاء القضية الفلسطينية، بعد أن نجحوا في إخافة بعض الأنظمة العربية التي لم تعد ترى حرجاً في التخلي عن فلسطين وعن قدس الأقداس، وحق العودة مهما كان مصير الفلسطينيين في قادم الأيام.
ولكن هل تم إيداع مصير فلسطين بأيدي هؤلاء؟
هذا لم يكن ولن يكون.