القدس.. وجوع الأطفال
تاريخ النشر : 2018-01-24 00:23

صديقي مدير عام في إحدى المؤسسات في قطاع غزة ويتلقى راتبه من رام الله، وما زال على رأس عمله، جاءني لكي يستدين فقلت له الحال من بعضه. فحكى لي قصته والألم يعتصره، قال: يتبقى من راتبه بعد القرض 660 شيكلا، وهذا المبلغ لا يكفي لكي يصرف على عائلة مكونة من ثمانية أفراد، جميعهم طلبة في المراحل التعليمية المختلفة بينهم اثنان في الجامعات، لقد استدان من طوب الأرض، باع ذهب زوجته حتى خاتم الزواج، أصبح عليه ديون تفوق ال15 ألف شيكل طوال فترة خصم ال30%، وهو لم يعد باستطاعته العيش ولا يستطيع أن يطعم أطفاله، أو يمنحهم شيكلا مصروفا للمدرسة، أو يوفر مستلزمات بيته، حتى أجرة ذهابه إلى عمله لم يجدها وخائف أن يفقد عمله، ولا يجد من يستدين منه فالكل وضعه صعب.

حقيقي عجزت عن الرد عليه، لأنني لا أعرف ماذا أقول له؟ هل نصبح أم أصبحنا متسولين .. لم تعد تفرق.

رأيت الدموع في عينيه، قال لي: أنا خائف من انحراف أبنائي، ليس نحو الرذيلة لا سمح الله، ولكن نحو التطرف البيئة التي حولي ترشح لمثل هذا الانحراف. تصور طالب في الجامعة لا يجد مصروفه أو رسوم جامعته، فماذا سيفعل أمام أب عاجز لا يستطيع أن يوفرهما له، سيبحث بالتأكيد عمن سيوفرهما. تلك هي المصيبة يا صديقي.

الحزن والدموع كانت دافعي للكتابة، هل وصلنا إلى هذا الحال من العيش، أين الكرامة التي لا تقدر بثمن، بل أين كرامة الإنسان في وطنه؟.

الأصوات هنا وهناك تطالب الشعب بالصمود والتصدي والتكاتف من أجل الدفاع عن القدس، هل صديقي هذا الذي لا يستطيع أن يطعم أطفاله ويبحث عمن يستدين منه، هل يفكر في القدس أم في جوع أطفاله، أم في الخوف على أبنائه؟.

صديقي يحتاج إلى تعزيز صموده بإطعام أطفاله، وتوفير متطلباتهم، حتى يخرج ليدافع عن القدس، فالجيش الجائع لا يصنع النصر، والشاعر بعدم الأمان لا يبني وطنا.

يقول أحد المفكرين: "إذا أردت أن تقنع شخصا ما بفكرة ما ضعها له في رغيف".

الرغيف أولا، قبل أن تتحدث معي عن الأفكار والايدولوجيا، عن ضياع القدس وعن تفكيك الاونروا، وعن الوطن، وعن الدين، وعن العدالة الاجتماعية، وعن الصمود والتصدي، عن التمسك بالثوابت، ... أمام الجوع تذهب العقول، وتغيب المبادئ، وليس صحيحا أن الجوع هو حافز للنضال، بل هو من أشد محبطات النضال.

ماذا تريدون من شعب منهار مستسلم .. يبحث عن لقمة العيش بين المزابل في الأماكن الراقية.