هيا نكف عن خداع أنفسنا بالمصالحة..!
تاريخ النشر : 2014-04-13 12:28

ماذا لو تحررنا من وهم المصالحة الذي سكننا لسنوات طويلة وأفقنا على واقعنا الذي نعيشه ونراه بأن الضفة وغزة لم تعودا وطنا واحدا وربما لن تعودا كذلك؟ ماذا لو عرفنا أن مستحيلات المصالحة أكبر من ممكناتها عبر هذه التجربة المريرة من المحاولات الكفيلة بإيقاظنا وإعطائنا قدرة للحكم على مسارها وبجدارة؟ الأمر لا يحتاج إلى خبراء في التحليل السياسي بقدر ما أن أمامنا تجربة من الفشل الذريع التي جرت سلسلة طويلة من الخيبات على مستوى الوطن.

طالما أن الأمر منوط بقادة وخبراء صناعة الأزمات والانقسامات وانتظار الحل من حواراتهم، طالما أننا ككتاب عاجزون عن الحديث بجرأة عما صنعته لنا القوى والفصائل من انقسام، وطالما أن هناك يسارا عاجزا عن تحريك الشارع إلا في احتفالات انطلاقته، وطالما أن هناك شارعا مصابا بالكساح ولا يتقن سوى الشكوى والبكاء والتسول، وطالما أننا أمام عدو على درجة من الحنكة والدهاء لإدامة الانقسام لأن مشروعه قائم على فصل غزة عن الضفة، وطالما أن أصحاب المصالح بتأبيد الانقسام هم أعلى صوتا وأكثر إمكانيات وأقوى عتادا، وطالما أن لدينا نخبا أصيبت بلوثة منذ اقتراح حكومة المستقلين ليصبح كل دورها التزلف لقوى الانقسام، إذن علينا أن نكف عن خداع أنفسنا في انتظار مصالحة.

المصالحة ليست سوى شعارات أما الواقع فهو تكريس مدروس لسلطتين ونظامين سياسيين وقد وصل الأمر حد العبث بالقوانين لأن لكل "دولة" خصوصيتها التي تميزها عن الأخرى وما يجري من فك وتركيب للجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني هي عملية هندسية حقيقية لإتمام الانفصال النهائي وتثبيت حقائق على الأرض تجعل من قيام نظام سياسي موحد مسألة مستحيلة وتقطع الطريق على أي نوايا وطنية حين تتوفر هذا إذا حدث، وقد اختصرها الدكتور عزيز الدويك قائلا، "المصالحة بعيدة بعد السماء عن الأرض" أما آن الأوان لنرى الحقيقة؟

 فجأة قررت "حماس" أن أبواب الحوار انغلقت ولم يحتمل نزقها أن تعطي تهدئة لشركائها في النظام السياسي لتأخذ حقها بيدها من النظام السياسي وحصتها من الوطن بسلاحها فتسيطر على غزة وتحكمها بلا شركاء، وهناك في الجزء الآخر من الوطن يسقط الشريك ويخلي مواقعه في اليوم ذاته فبتنا أمام مشهد لا نعرف هل هو مدعاة للسخرية أم للبكاء أم للاثنين معا حين اشتعلت المعركة على جلد الدب الذي لم تطلقه إسرائيل بعد.

ومع سيطرة "حماس" بالقوة المسلحة نشأ واقع رفضت حركة فتح الاعتراف به حين رفعت سقف شروطها للحوار معتبرة أن "حماس"، "حفرت قبرها بأيديها "وإلى حين أن أدركت "فتح" أن الواقع أصبح مختلفا وأنه لا يمكن تجاهل خصمها السياسي الذي أصبح يمتلك من القوة والجغرافيا ما يؤهله للتفاوض بقوة وما أن بدأت تفهم أن الأمر بحاجة للحديث والتفاوض كانت تجربة حركة حماس تتهاوى بفعل الحصار الذي حال دون تقديم النموذج الذي ترغب به الحركة وتحلم بتحويله إلى مثال حي وشعار للانتخابات في حال تمت المصالحة.

فلم ينشأ نموذج الفاروق عمر وأنبوبة الغاز ذات الستة شواكل ونموذج المقاومة المستمرة بعد أن تمكنت الحركة من طرد الذين كانوا يمنعون المقاومة، ووجود أداء داخلي ضعيف وقيد على الحريات وإغلاق المؤسسات لتقف الحركة أمام ضرورة التأجيل والمماطلة إلى أن ينشأ ظرف أفضل يجعل لديها قدرة بأن تذهب للانتخابات بثقة حين تتمكن من إنجاز ثلاثة أشياء تؤهلها للذهاب للصندوق وهي فتح المعابر مع إسرائيل وإتمام عملية تبادل الأسرى مقابل شاليت وفتح معبر رفح، لكن الحركة لم يحالفها النجاح سوى في صفقة التبادل التي أنعشتها مؤقتا.

كانت تجربة حكمها تزداد اختناقا يرافقها تآكل في شعبية الحركة التي تراقب وتتابع وتجري استطلاعاتها التي تنذر بأزمة وخسارة إذا ما ذهبت للانتخابات وخصوصا في غزة، وهذه هي الحقيقة التي لا يمكن أن تقال بصراحة بل يجب تغطيتها باستمرار بمبررات أخرى وإلا كيف نفهم أن الطرفين اتفقا على كل التفاصيل في اتفاقيتي القاهرة والدوحة ولم يتبق ما هو مختلف عليه ..؟

 منذ أسابيع ينتظر عزام الأحمد مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح مكالمة هاتفية من غزة تدعوه للحضور للاتفاق على تنفيذ الاتفاق .. لم يرن جرس هاتفه بعد، والآن الوفد الجديد الذي تقرر أن يحضر إلى غزة أيضا ينتظر نفس المكالمة من غزة، ومن الواضح أنه سينتظر طويلا إلى جانب الأحمد فالمسألة أعقد من حوارات لأن الأمر يتعلق بحسابات الربح والخسارة والحصة من الوطن فليس هناك مصالحة قبل أن تعود شعبية "حماس" للارتفاع، ولن يهاتف السيد هنية عزام الأحمد قبل أن تعطى الاستطلاعات أغلبية لـ"حماس" في النظام السياسي وعلى الأقل نفس نسبة الانتخابات الماضية ولن تدرك حركة حماس أن أحد أسباب تراجع شعبيتها هو ليس فقط الحصار بل إن السبب الرئيسي هو تحقيق النموذج ونزوله من السماء للأرض والتجربة تقول إنه يتم فقط تجاوز ما يتحقق فلولا تحقق "فتح" لما فازت "حماس" في انتخابات 2006 هذه هي طبيعة الأشياء والأصعب بالنسبة للقوى الفلسطينية هو الفارق الهائل بين أحلام الناس وبين واقع الإمكانيات ما يجعل من فشل أي قوة تصل للسلطة عاجزة عن سد الهوة بين التوقع والواقع هو الحقيقة الوحيدة.

احتمالات المصالحة تتضاءل مع مرور الزمن وهي معلقة بين الأرض والسماء مرة ماطلت "فتح" والآن الدور على "حماس" وكل قوة وتمدد لأي منهما هي على حساب الأخرى وفي كل مرة هناك من هو ضعيف يخشى الصندوق ولديه "فيتو" على المصالحة، إذن علينا ألا نتفاءل كثيرا، ولكن منطلق الأشياء يقول إن تحب "حماس" حركة فتح أو العكس يبدو ذلك أحد المستحيلات فمن الواضح أن الكراهية هي جزء أصيل من التكوين الثقافي الذي أثبت أنه أقوى من كل المحاولات حسنة النوايا، فليبقوا على ثقافتهم وعلى كراهيتهم، ويفترض أن هذا ليس شأن المواطن المطحون وليعطوا الناس حقهم في إجراء الانتخابات، ولكن أن يُعلَق الصندوق والوطن والحاضر والمستقبل والخريجون والعاطلون عن العمل والمرضى والبائسون واليائسون ومن ينتظرون المعابر والكهرباء والعاجزون عن الزواج وغير ذلك، أن يُعلَق كل هؤلاء على صليب هذه التربية فهذا قمة العبث بمصير الشعب المسكين الذي لا تنقصه نكبات جديدة اخترعتها الفصائل وهي تتصارع على السلطة ..!