أعيدوا النظر بسياساتكم
تاريخ النشر : 2018-01-22 20:57

تاريخيا كانت الصراعات البينية العربية على حساب قضية العرب المركزية، مع أنها كانت قاسما مشتركا ايضا بينهم على الأقل من الناحية الشكلية. رغم ان القيادات الفلسطينية المتعاقبة سعت بشكل دائم، ومنذ رفعت شعار "عدم التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية" على تحييد المسألة الفلسطينية عن أية صراعات بينية، لقناعتها الراسخة بعدم جدوى الإنحياز لهذا الطرف او ذاك، وحتى في حرب الخليج الثانية حرصت القيادة برئاسة الراحل الرمز ابو عمار على لعب دور الوسيط، لكنها لم تفلح في ذلك، وأصر بعضهم على توريطها بالإنحياز له ولو من زاوية الجانب المعنوي والشكلي. غير انها رفضت، وهو ما إعتبره ذلك الطرف تساوقا مع العراق، ونتج عنه تدفيع الفلسطينيين الثمن غاليا.

وفي أزمات ما يسمى بالربيع العربي أيضا رفضت القيادة الفلسطينية التدخل في شؤون أي دولة من الدول. وكان موقفها واضحا وصريحا ضد الإرهاب بكل صنوفه وألوانه واسمائه، ومع اي نظام سياسي تختاره الجماهير العربية ونخبها السياسية، بغض النظر عن ثوبه وخلفيته العقائدية والسياسية. ولكن السمة البارزة للصراعات العربية الداخلية كانت على حساب القضية الفلسطينية، حيث تراجعت مكانتها داخل المنظومة العربية، رغم إستمرار الخطاب الشكلي لإهل النظام السياسي العربي، بإعتبارها قضية العرب المركزية، وحرص القادة العرب في القمم العربية والإجتماعات الدورية لمجالس الوزراء المختلفة المتعاقبة على إبراز ذلك الجانب. لكن الحقيقة، وعلى الأرض كانت النتائج عكسية، ومازال الفلسطينيون يدفعون الثمن غاليا حتى اللحظة المعاشة نتيجة حالة التمزق الداخلية.

وفي الأزمة الأخيرة بين قطر ودول الخليج الثلاثة: السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة لمصر، التي ظهرت للسطح في حزيران 2017 جاءت النتائج سلبية، مع ان الموقف العام للدول المختلفة من القضية الفلسطينية بالمعنى الشكلي لم يتغير. ولكن من تابع التطورات التي شهدتها تلك الدول أظهرت، انها في خضم الصراع الإقليمي مع إيران من جهة، وفيما بينها من جهة أخرى، كان الخاسر الأكبر القضية الفلسطينية. على سبيل المثال لا الحصر في التنافس الدائر على إسترضاء إدارة ترامب لجأت قطر إلى توجيه دعوات لغلاة اليمين الجمهوري الأميركي وأنصار إسرائيل، وتمويل ضيافتهم في أراضيها لإستمالة أميركا لجانبها، وبالتالي إختارت أقطاب مثل المحامي ألن درشوييتس المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، وإستأجرت خدمات نيك موازين، وهو مستشار إعلامي يهودي حريدي، عمل سابقا متحدثا بإسم تيد كروز، عضو مجلس الشيوخ، وهو من غلاة اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري مقابل خمسين الف دولار أميركي، وايضا إستضافت مايك هاكبي، وهو والد المتحدثة بإسم البيت الأبيض الأميركي، سارة هاكبي ساندرز، بعدما إستضافت درشوييتس، وبعد عودتهم من قطر إلتقوا الرئيس ترامب، الذي إتصل هاتفيا الإثنين الماضي مع الأمير تميم. ونشر موازين ملخصا للمحادثة على حسابه في "توتير"، وابرز فيها، ان ترامب شكر الأمير القطري على "مساهمة قطر في مكافحة الإرهاب والتطرف."

وكان درشوييتس نشر مقالة بعنوان "لائحة دفاع" عن قطر الإسبوع الماضي في الموقع الإخباري ، جاء فيه إن "قطر هي إسرائيل الخليج، محاطة بأعداء، تواجه تهديدات المقاطعة، وتصارع من اجل البقاء". وأضاف أنه خلال الزيارة سمع من مسؤولين كبار The Hill      في قطر "تصريحات إيجابية " إزاء إسرائيل، ورغبة بتحسين العلاقات معها.

وفي تصريح لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية هذا الإسبوع (الماضي) إدعى درشويتتس، انه لم يتوصل إلى "إستنتاجات واضحة" حول علاقات قطر مع حماس وإيران والعناصر الأخرى في المنطقة. وقال " لقد جعلتني هذة الزيارة أطور نهجا أكثر توزانا". وأضاف " إن إستثمارهم في إصلاح البنى التحتية في قطاع غزة يتم تنسيقه مع إسرائيل." ووفق الصحيفة قال، انه أثار قضية المدنيين الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وجثتي الجنديين هدارغولدين وأورون شاؤول، وأكد " بأنهم يحاولون المساعدة في هذة المسألة."

كما زار الأسبوع الماضي محمد العمادي، الوزير القطري المسؤول عن إعادة إعمار قطاع غزة واشنطن وإلتقى هناك مع أعضاء في الكونغرس وكبار المسؤولين في مختلف معاهد البحوث، وأوضح القطريون لمحاوريهم إن عمل العمادي يتم بالتنسيق مع الجهات الأمنية الإسرائيلية المهتمة بإعادة إعمار القطاع.

بالإضافة لما تقدم إنضم للجوقة الداعمة لقطر مورت كلاين، رئيس "منظمة الصهيونية الأميركية"، وهي منظمة يهودية أميركية تدعم المستعمرات والرئيس ترامب، ويقف خلف تمويلها الصهيوني شيلدون أديلسون، الذي قال " إن مقالة درشويتتس كانت منطقية جدا."

النتيجة المنطقية لما تقدم، يلاحظ ان الدول العربية المتصارعة فيما بينها تلجأ إلى الولايات المتحدة من البوابة الإسرائيلية، وتمد الخيوط معها، في الوقت الذي يجابه فيه الفلسطينيون إستشراء العملية الإستعمارية الإسرائيلية، وبعد إعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ورفض الفلسطينيون لذلك القرار، الذي دعمه العرب والمسلمون وكل الدول المؤيد للسلام. وهو ما يشير إلى النتائج السلبية لتلك السياسة، ويكشف للأميركان والإسرائيليين أن مواقف تلك الدول المعلنة، هي مواقف شكلية، ولا تعكس حقيقة سياساتهم تجاه القضية الفلسطينية، مما يشجعهم ويمنحهم الحافز تلو الحافز على إستباحة الحقوق والمصالح الوطنية العليا. الأمر الذي يفرض على الدول الشقيقة إن كانت فعلا معنية بقضية العرب المركزية إعادة نظر بسياساتها تجاه مصالحها الوطنية والقومية. لا سيما وأن أميركا لم تعد القطب الدولي المقرر في مقاليد السياسة الدولية، وباتت مكانتها تتراجع في المشهد السياسي والإقتصادي العالمي، فضلا عن انها لم تكن يوما حليفا صادقا لإي من الدول العربية، وليست حريصة على اي قائد بغض النظر عن إسمه، أو لقبه، أو موقعه، وأي كان البلد، الذي يتربع فيه على عرش المسؤولية.