المخرج خالد يوسف: السيسي رفض برنامجا يفتقد "العدالة".. وصراع الرئاسة بين صالح وأصلح
تاريخ النشر : 2014-04-13 08:04

المخرج خالد يوسف

أمد/ القاهرة: قال المخرج المصري اليساري خالد يوسف، إن المرشح الرئاسي المحتمل عبد الفتاح السيسي، رفض برنامجا انتخابيا اقترحه أحد كبار رجال الأعمال؛ بسبب "افتقاده العدالة الاجتماعية"، وأشار عضو الهيئة الاستشارية لحملة السيسي، أثناء مشاركته في برنامج "صالون التحرير" مساء اليوم، على فضائية "التحرير"، إلى أن المرشح المُحتمل والهيئة بكاملها رفضوا هذا البرنامج.

ناقش "صالون التحرير" الذي يقدمه الكاتب الصحفي عبد الله السناوي على قناة "التحرير" المصرية، أزمة تراجع منظومة القيم، ودعا الأديب بهاء طاهر إلى وقف الدراسة بالجامعات لمدة سنتين، في حين طالب أستاذ الاجتماع السياسي أحمد زايد، بإعادة نشر تقرير "الأمن العام" بشكل دوري، وقال الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق، إن وجود 2 % من طلاب الأزهر "مجرمين" لا يعني أن الأزهر لا يقوم بدوره، في حين اعتبرت استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس، الدكتورة منال عمر، إن الشعب لا يواجه الحكومة أو النظام، إنما يواجه ما أسمته "الرأسمالية المحتكرة الإقطاعية"، ورأى اللواء محمد زكي، مساعد أول وزير الداخلية سابقا، أن هدم منظومة القبيلة وراء ما شهدته أسوان من أحداث دامية.

طالب السناوي، "بهاء" بتفسير لما حدث من تراجع للقيم وتجريف للضمير العام، وانتشار أعمال العنف، وعن التوقيت الذي بدأ فيه انهيار منظومة القيم في مصر، ورد طاهر أن انهيار القيم بدأ منذ بدأت محاولات هدم الدولة المدنية، والحل الأول للخروج من المأزق، أن تكون الدولة عادلة ويجد كل إنسان ما يستحقه من جزاء أو ثواب أو عقاب، اليوم.. هناك خلل في هذه القيم، شبيه بالخلل في دولة "هاملت" عند "شكسبير"، حيث هناك صدع في الدولة وفي الروح، وما لم يتحقق عدل الدولة سيستمر الخلل.

وأضاف بهاء أن ما بنته مصر في عشرات السنوات على مستوى الدولة المدنية ومؤسساتها، الذي تحقق بفضله التعليم والعدل، هدمته في غضون سنوات قليلة في فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، التي شهدت تدميرا لمؤسسات الدولة المدنية، وكان هذا هو السبب الأساسي لتجد الفاشية طريقها في المجتمع، لذا علينا إعادة تأسيس الدولة المدنية.

وأعرب السناوي عن مدى استغرابه لما وقع في أسوان من مواجهات دامية، والتمثيل بالجثث، في مدن تعد الأكثر سلما، فعلق بهاء: لم أستغرب ما حدث، وكانت هناك مقدمات تنبئ بحدوثه، فهناك رؤوس للعائلات والقبائل، تمثل قيادات مجتمعية لكن تم القضاء عليها وتحطيمها لأغراض سياسية ونفعية من جانب الحزب الوطني والاخوان، قضوا على القيادات المجتمعية التي تحافظ على النسيج الاجتماعي، فالمشاكل كان يتم حلها من خلال رؤوس العائلات، لكن تم القضاء على هذه الخامة التي كانت تحافظ على النسيج الاجتماعي.

وقال اللواء زكي عن العوامل التي أدت لخلخلة سلطة شيخ القبيلة وعواقلها: إن هذه أوضاع مستجدة نتيجة الظروف الاقتصادية، فالبطالة تجاوزت 50 % في أسوان لاعتمادها على النشاط السياحي، وتفشي نموذج العنف بسبب ما يتداوله الإعلام، وعدم القدرة على الإنفاق أدى لانعدام السيطرة على العائلة، إضافة إلى الأمية الدينية التي تفرز أغرب أنواع المفسرين من أصحاب الأغراض، فضلا عن عدم وضوح السلطة التنفيذية، نحن نحتاج لإدارة الأزمة وفق رؤية واضحة.

وأضاف أن ما حدث في أسوان غير مسبوق، فمن بين الـ27 قتيلا، نجد 14 ذبيحا، وبالتالي نحتاج للمتابعة لنتجاوز ما تتعرض له الساحة المصرية من مخاطر، فهناك تدفق للأسلحة من خارج الحدود، وليبيا صارت دولة بلا دولة، ولابد أن نسارع بمواكبة المستجدات والواقع وليس بتبادل الاتهامات.

وقال أحمد زايد: إن القيم أطر تحكم السلوك، فكل نشاط الإنسان محكوم بالقيم، فأنا أحتاج لمجموعة من القيم التي تحكم مهنتي مثلا، وأنا أتصرف مع الناس هناك منظومة عامة تحكم سلوكي، وما حدث أن هؤلاء الناس في المجتمع تعرضوا لمؤثرات داخلية وخارجية، منها المنظومة الاستهلاكية العالمية البشعة دون القدرة على مسايرتها في ظل البطالة، وكذلك السفر للخارج والهجرة لمجتمعات النفط، ونقص التعليم وعدم دخول التعليم في خلايا الناس فهو لا يوجه السلوك بقدر ما يمنح "شهادة"، والناس تدرك الفساد بشكل واضح، مثل تبرئة الفاسدين.

وأضاف زايد هناك قيم أصيلة في المجتمع بدأت تتحلل، مثل الارتباط بالأرض، حيث تحولت لسلعة، وقيمة العائلة، فالارتباط بالعائلة أصبح لا يشكل شيئا، والقيم الأسرية بدأت تتفكك، والإنسان مرتبط بمجتمعه، وفي فترة الستينيات كان لدينا نظام اجتماعي وسياسي يجمع المصريين على هدف واحد، لذلك انتعش الفن والابداع، أما الليبرالية المتوحشة، فخلقت آمالا كبيرة وتطلعات كبيرة عند الناس دون أن يكون لديهم المقدرة على تحقيق هذا الطموح.

وقال الشيخ محمود عاشور: إن مصر كانت رائدة بالأزهر الشريف، وعشنا هذا في الستينيات لكن الأمور تغيرت مع الانفتاح الاقتصادي، وتغيرت تماما في عهد مبارك، وحدث الانفلات الأخلاقي والسلوكي والاجتماعي، والأزهر جزء من هذا البلد، يؤثر فيه كل ما يؤثر فيها.

وأضاف أن 25 يناير كانت أمل تحول إلى ألم، وظهر في المجتمع فصائل كثيرة مثل "السلفيين والإخوان"، التي حدت من دور الأزهر، وصار لهم فضائيات، وسمعنا من يتناول الناس تناولا بذيئا. وتفاءلنا بثورة يناير ثم ظهرت الحيّات والثعابين والعقارب فتغير المجتمع لغير ما كنا نأمل، وتصور الإخوان أنهم رعاة القيم والمثل، وهذا أثر في المجتمع سلبيا، فقد تصور الناس أن الحرية انفلات، وغابت القدوة عن البيت والمجتمع والمدرسة، إضافة إلى أن الفقر والجهل يعششان في كل النواحي.

وقالت الدكتورة منال عمر: إن العلماء اختلفوا حول فهم الإنسان للأخلاق، بعضهم قال إنه يفهمها في سن الثالثة، وبعضهم قال إن الطفل يفهم الأخلاق حين يكمل 18 شهرا، حين يشعر بأي محنة تمر بها والدته، فيطبع قبلة تضامن على وجهها وتعاطف، وحين نفقد هذه المشاعر نرتد ردة شديدة. كلما غاب الضمير، ارتد الإنسان للعنف بشكل حاد، فتجد المعتدي يبالغ في العدوان بتعليق المقتول مثلا في نخلة، وكذلك المغتصب، فهو يريد إثبات أن "قادر" فينتهك أكثر ليتلذذ بهذه القدرة.

وقال المخرج خالد يوسف: بعد حرب 1973 التي قدم فيها المواطن البسيط دمه، حصد غيره من "القطط السمان" الثروة، فصار لدينا أفقر شعب وأغنى طبقة، فغياب العدالة ركيزة أساسية في تغير منظومة القيم.

وتاريخ مصر عبر 7 آلاف سنة، يقول إننا الشعب الوحيد الذي لم يهاجر ولم يبرح أرضه، لم يتزحزح عن جانبي النهر. هاجر كثيرون للخليج والعراق في الثمانينات، وعادوا بمنظومة قيم مغايرة للمجتمع المصري، وأنا لا أسيء لهذه الدول، لكن حين افتقدنا العدالة وحدثت الهجرة للخارج، وقع خلل في المجتمع المصري.

وأشار إلى أن العشوائيات المحيطة بالقاهرة، موجود مثلها على أطراف كل محافظة، لذلك حين ثار الشعب في 25 يناير كان هذا إدراكا للعقل الجمعي بكل هذا الظلم، فكانت الثورة في الـ18 يوما التي مثلت أطهر أيام تاريخ مصر، حيث عاد الشعب لمعدنه الأصيل في تحضر مذهل، فلا حوادث قتل ولا سرقة في ظل غياب الشرطة، وشعر هذا المجتمع المثالي أنه سيحصل على حقوقه، وحين خرجنا من الميدان شعرنا أننا سنقيم مجتمع العدل، لكن انقضت الثعابين على الثورة، وحين وجد المواطن المصري أنه قام بما يجب وأكثر، ولم يجد شيئا، ارتد سريعا لعنف أكبر مما كان، في رد فعل ملائم للاحباط الذي عاشه.

هنا عاد الحديث للروائي بهاء طاهر، قائلا: للأسف الشديد نحن رسمنا صورة متشائمة جدا للواقع، أنا متفاءل بهذا الشعب الذي مر بكل هذه المحن، وتمرد على كل عوامل الإحباط في 30 يونيو وقضى على الفاشية التي كانت موجودة؛ لنسلم بأن هناك ما يدعو للأمل.

وعن الإخوان، قال الشيخ عاشور: إن فصائل تتخذ الدين وسيلة كسلم يصعدوا به لما يبغونه، ورفعت شعار "الإسلام هو الحل"، وحين وصلوا للسلطة لم نسمع هذا الشعار، كما أن وسائل الإعلام الآن مشحونة بالنفاق والكذب، ومن ينافقونه هو أعلم بهم منهم، تحولنا لبلد "بزرميط".

وبسبب سلوك الإخوان، بدأ الناس يتحولون عن الإسلام لطرق أخرى، بينما الإسلام الحق جاذب وليس طارد. وهناك من يقول إن قتل الشرطة والجيش "حلال"، في أي دين هذا؟! هذا كلام "مجانين" لا يعرفون ولا يفقهون.

وعن العنف، قال زايد: أجريت دراسة منذ عشر سنوات عن العنف في الحياة اليومية، وكنا نستشعر أنه ربما يتفاقم في السنوات المقبلة، وهذا ما حدث، وهناك بحث عالمي يجري عن القيم، وكشف -منذ عشر سنوات- عن اتجاه المجتمعات العربية والإسلامية نحو القيم المحافظة على حساب القيم المدنية، ونحن نطالب وزارة الداخلية بإعادة نشر وإعلان تقارير الأمن الجنائي من جديد.

وعاد للحوار مرة أخرى، المخرج خالد يوسف وعن فيلمه "حين ميسرة" قال: في نهاية "حين ميسرة" كانت الشرطة تطارد الإرهابيين في منطقة عشوائية فأصدرت قرارا بإزالتها، في حين كان يخطط الإرهابيون لتفجيرها أيضا من أجل الهروب، وبين الإرهابيين والشرطة، كان الفقراء والبسطاء ضحايا، فإذا لم تحقق السلطة في مصر العدالة، فالعشوائيات ستكون مفرخة للإرهابيين؛ لأن من يشعر بالظلم يتطرف، وبيئة الظلم حاضنة للتطرف.

وأضاف لن تستقر الأمور في مصر ولن تنتفي ظاهرة الإرهاب بالحلول الأمنية فقط، العدل هو الحل الوحيد لكل الظواهر السلبية، وإذا لم يحصل الفقراء على حقوقهم فلن يندحر الإرهاب.

وقالت منال عمر: لم يخرج ثوار يناير، دفعا لبطش أو رفضا لظلم، فقد كانوا متحققين ذاتيا، لكنهم خرجوا من أجل العدالة والمساواة والحرية.

وأضافت: البداية من الأطفال، لذا أطالب بمدارس يشعرون فيها بأنهم قادرون، وألا يحط أحد من شأنهم، وألا يتم تكبيلهم بمناهج لايحققون فيها تفوقا، فلو حذفنا نصف المناهج فلن نخسر شيئا، لكننا سنكسب أطفالا لديهم تقديرا ذاتيا لأنفسهم؛ لأن فكرة عدم وجود راسبين ليست صحية ولا صحيحة، وكتابة إجابة الامتحان على السبورة تساوي بين المجتهد وغير المجتهد.

وطالب بهاء طاهر بالحزم مع الإرهابي والحنو مع الفقراء، وتدخل يوسف قائلا: والحنو مع الشباب الثائر الذي لا يحمل المولوتوف.

ونصح الرئيس القادم، لتجاوز أزمة منظومة القيم، قائلا: نريد توازن بين الشدة واللين، وإقامة العدل في المجتمع، وبالنسبة لمظاهرات الطلبة، نحن لن نخسر كثيرا إذا توقفت الدراسة في الجامعة سنة أو سنتين، أطالب بإغلاق الجامعة، لسنتين مثلا، وأن ينخرط الطلاب، من يرغب منهم، في الخدمة الاجتماعية.

وسأل السناوي، اللواء زكي، عن عودة نشر تقرير الأمن الجنائي، فقال: إن التقرير ينشر لدى إدارة الإعلام بوزارة الداخلية، واستطرد: نريد عدالة ناجزة وحماية رجال القانون وأن يكون هناك تغيير سريع في أنماط الأنشطة المتعلقة بالجماهير، فمصر بها 2.5 مليون طفل شوارع، بلا بيت ولا شهادة ميلاد ولا حتى وفاة، وإعلاء قيمة المواطنة وإرساء الأمن.

وردا على سؤال حول التحليل النفسي للسيسي وصباحي، قالت منال عمر: لن أتحدث عن عبد الفتاح السيسي وصباحي لكن سأقول كيف يسمع كلاهما للشعب إذا وصل للرئاسة، الكلمة الأولى في ديباجة الدستور تقول الشعب "السيد" في الوطن السيد، فعلى الشعب أن يفهم أن العدل لكي يُقام، لابد أن نكوّن نحن مجموعة داعمة للعدل الاجتماعي في هذا الوطن، ليس مهمّا من هو الرئيس، أريد أن يبحث الشعب عن رؤوس الأموال في الوطن، فالشعب مقابله ليس الحكومة ولا النظام لكن الرأسمالية المحتكرة والإقطاعية، قل لي من هؤلاء وأنا أقول لك كيف تتصلح الأمور.

 وسأل السناوي، خالد يوسف عن مدى صحة ما أثير حول طرح أحد رجال الأعمال برنامجا انتخابيا مقترحا للمشير السيسي، فرفضه الأخير، فأكد يوسف، وهو عضو اللجنة الاستشارية للسيسي: هذا صحيح، وهناك مجموعات كثيرة تذهب للسيسي بمشروعات وبرامج ورؤى، ورفض البرنامج المذكور بسبب افتقاده العدالة الاجتماعية.

وأضاف يوسف عن المنافسة بين السيسي وصباحي: كنا نتحدث في انتخابات 2012 عن المرشح الأقل ضررا، لكن اليوم أرى أن الصراع بين الصالح والأصلح والحسن والأحسن، وهذا من حظ مصر أن تقع في اختيار بين حسن وأحسن بدلا من سيء وأسوأ.