من سيبتلع البحر؟
تاريخ النشر : 2014-04-12 12:59

لدى العديد من بلدان العرب، حكومات وإعلاماً وسلطه، الكثير من المشاكل الداخليه، التي من شأنها، لضخامتها وصعوبتها، أن تستأثر بكامل وقتهم وجهدهم لو شاؤوا الإلتفات لها والتعاطي معها.

ولكن لربما يُقدِّر أصحاب التأثير، ومن يُفترض أنهم في موقع الفعل، من بين أولئك العرب، أن التركيز على المُعوِّقات الناجمه عن الطرف الخارجي دون غيره والإنشغال بها وإثارة الضجيج المبالغ به حولها، يُعفيهم من مسؤوليتهم، أو على الأقل يؤجل مُساءَلتهم حول ماأنجزوه حيال إيجاد الأجوبة الشافيه لمعالجة قضايا مواطنيهم ووضع الحلول الناجعه لها، لاسيما وأنهم لايبدون مستعدين بعد لتوظيف الجهد اللازم لذلك.

ومع ذلك، فالعرب مطالبون في كل الأحوال بالإجابه. وفي تلك الحاله، عن السؤال الآخر الذي يطرحه خيارهم في اختيار العدو الخارجي واستنفار وتوظيف كل مقدَّراتهم وطاقاتهم في محاربته.

ماهي مصلحة العرب من وراء التحامل على الفلسطينيين؟

للدول مصالح، وهناك أغراض من وراء انتهاج الدول سياساتٍ معينه في المواقف المعينه. وغنيٌّ عن الافتراض بديهية أن تصب تلك المصالح والأغراض في صالح تلك الدول.

غنيٌّ عن القول أيضاً أن للدول الكبرى مصالح كبرى وللدول العظمى مصالح عظمى وهكذا، والعكس بالعكس.

كذلك لايبدو خاطئاً قياس وزن الدول بحجم مصالحها ووزن اصدقائها وحلفائها، وبالمثل، أعدائها.

أين هي إذن مصلحة العرب من وراء الإجهاز على الفلسطينيين؟ وما وزن العرب؟

هل يثير الفلسطينيون كلَّ هذا القلق لدى بعض العرب؟

هل يعقل أن يتجسد الحليف الاستراتيجي أو العدو الاستراتيجي لأطرافٍ متصارعةٍ من العرب على هيئة شخصٍ واحد، نفر يعني، أو فصيلٍ واحد، فإمّا هذا الشخص، الفصيل وإمّا لا لكل الشعب الفلسطيني. ثمّ ماهي الأهداف الاستراتيجيه العظمى التي يطمح أولئك إلى تحقيقها من وراء تنصيب هذا الشخص، الفصيل حاكماً على حديقة غزه أوحتى على متاهة رام الله أو خلعه عنهما؟ وكيف يكون ذلك؟

ألم يعد العرب يرون في قطاع غزَّه أكثر من مشتلٍ لاستنبات الإرهابيين وهل ينتهي محيط دائرة الأمن القومي العربي عند حدود هذا المشتل؟

هل أجاد الفلسطينيون أم أذنبوا في حجز غابة الأشجار المتحركه التي تتربص خلف أسوارهم؟

هل مايزال العرب يقيمون أيَّ وزنٍ لفكرة الأمن القومي العربي وهل يملكون أي تعريفٍ لهذه الفكره؟

ألم يشهد العرب بعضاً من أعنف موجات الإرهاب والتطرف واضطراب الأمن الداخلي والإضطرابات السياسيه الإجتماعيه في ثمانينيات القرن الماضي حين كانت الساحة الوطنية الفلسطينيه تكاد تكون خالية تماماً من التيار الإسلامي الذي، تربَّى وترعرع وصال وجال في أحضان العرب قبل أن ينقلوه إلى صفوف الفلسطينيين في تزامنٍ مع توجيه ضربةٍ مزلزله للحركه الوطنيه الفلسطينيه الغير إسلاميه؟

وإذا افترضوا أن إسرائيل ليست دولة عدوَّه، ألا يُفضِّل العرب تحصين بيتهم بالحلفاء، ناهيك عن الأشقاء؟ وهل يمكنهم النظر إلى إسرائيل باعتبار ماهو أبعد من كونها دولة ليست عدوَّه، أي كالتطلُّع إلى حسبانها بين الدول الصديقه وربما حتى الحليفه؟ وفي مواجهة من؟ أثيوبيا؟ جنوب السودان؟ تركيا؟ إيران؟ من الواضح أن العرب يقفون عطشى، جوعى، عزَّلاً ومنفردين في الجانب الآخر من أحلافٍ وتفاهماتٍ وتوازنات قوىً منجزةٍ أصلاً بين الدول آنفة الذكر وإسرائيل.

وإذا كانت (بلاد العرب أوطاني) تمتد من الخليج إلى المحيط وإذا كان حرّاس الأمن القومي العربي واقفين متأهبين هناك على بوابات الخليج والمحيط، فكيف يتحرك ويتنقَّل الإرهابيون والجواسيس ورجال الاستخبارات بكلِّ سلاسه بين أرجاء الخليج إلى المحيط؟

ولكن، إذا كان العرب يضيقون بالفلسطينيين على أراضيهم وفي الوقت عينه لايساندونهم في مسعاهم للعودة إلى أرضهم، فما العمل، إذا لم يبتلعهم البحر؟ ومن سيبتلع البحر حينئذٍ؟

ينتهي الكلام هنا، اي عند طرح الأسئله. أما الأجوبه، فعسى، حين لايجد الأخوة العرب مايقتعهم منها، عسى أن ينتبهوا إلى ضرورة وضع الأسئلة الصحيحه.

حين دخل عمرو بن العاص مصرَ، ومن ورائها شرَّع الأبواب غرباً حتى المحيط ليجعلهم جميعاً ماهم عليه الآن لأوَّل مرةٍ في التاريخ، أي عرباً مسلمين، فإنه كان حينئذٍ يدخلها قادماً من جزيرة العرب على الخليج عبر فلسطين وليس عبر إسرائيل.