اجتماع المجلس المركزي: كي لا نلدغ مرتين
تاريخ النشر : 2018-01-16 11:40

من خلال مجريات اجتماع المجلس المركزي (14 و15 الجاري)، يبدو أن القيادة الفلسطينية ستعلن فلسطين «دولة تحت الاحتلال» كأهم مقرراته. وهو برأيها بمثابة رد على سلسلة انتهاكات إسرائيلية وأميركية متصاعدة، عنفا وصلافة وتغولا وتنكراً للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وللقانون الدولي واستحقاقاته، مقابل انعدام الحيلة من الجانب الفلسطيني، رغم التزامه «عملية السلام» مع إسرائيل، وخفض سقف العمل الوطني، دون طموحات شعبنا المشروعة، سواء تحت الاحتلال، أو في الشتات أوفي الداخل الفلسطيني.

وبذلك، فإن القيادة الفلسطينية تستمر بنهج لم يجن منه الشعب الفلسطيني سوى القليل إيجابا، والكثير- الكثير سلباً. وهذا يستحضر سؤالاً أساسياً: هل تعلن الدولة مرتين ولماذا؟ فقد سبق وأعلنتها القيادة الفلسطينية في اجتماع المجلس الوطني في تشرين الثاني (نوفمبر) 1988 في الجزائر، على رغم الاحتلال، لذا فلأي حاجة ستعلن هذه الدولة وفي سياق الاحتلال ذاته مرة أخرى؟

طبعاً، ليس هنالك حاجة إلى سرد ما جرى منذ ذاك الاعلان وحتى يومنا، فالأمور واضحة ومعروفة، وعلى رأسها استمرار الاحتلال وجرائمه، وتضاعف عدد المستوطنات والمستوطنين بثلاث مرات، منذ اتفاق أوسلو (1993) واستمرار الإخفاق الفلسطيني في تحقيق ما وعدت أو توهمت به القيادة. هكذا فقد بقيت فلسطين المعلنة في الأرض المحتلة 1967 تحت الاحتلال لفترة تفوق بكثير بقائها تحت الاحتلال نفسه، الذي ازدادت وحشيته وجرائمه، عن الفترة التي سبقت إعلان قيام الدولة الفلسطينية.

على ذلك، فإن الادعاء بان اعلان الدولة – مرة ثانية- سوف يمكن الفلسطينيين من محاكمة إسرائيل وفضحها إمام العالم، وتعريف العالم بالاحتلال وجرائمه أكثر، ودفع العالم للاعتراف بفلسطين «كدولة تحت الاحتلال»، هي مجرد تبريرات للقيادة الفلسطينية، من قبيل «طحن الماء بالماء». فلقد اعترف بمنظمة التحرير حتى من قبل إسرائيل والولايات المتحدة- والدولة الفلسطينية معترف بها وتمارس الخارجية الفلسطينية وبقية أذرع السلطة دورها على الصعيد العالمي كدولة. وعملياً، فإن القيادة الفلسطينية تتصرف في الجمعية العمومية ومؤسسات دولية اخرى، كدولة، أو تدعي ذلك. وبذلك، فإن إعلان الدولة الآن هو استمرار لما هو موجود ولن يغير في الواقع سوى محاولة إيهام الفلسطينيين أنفسهم، مرة أخرى، بأن قيادتهم تقدم شيئاً جدياً في مسيرة التحرر، الذي أصبح قريبا أو قاب قوسين أو أدنى، وهو ذاته ما قيل عشرات المرات منذ إعلان الدولة في الجزائر، مروراً بأوسلو وكل ما تبعها.

على أساس هذا الوعد للشعب الفلسطيني، قدمت قياداته تنازلات بعد أخرى، أولها القبول باعتبار النضال الوطني الفلسطيني والتضحيات شكلاً من أشكال الإرهاب، وصولاً إلى قمع أي تحرك شعبي سلمي مجابه للاحتلال، وحتى التعاون أمنياً مع إسرائيل. وبين هذا وذاك، شهدنا عشرات المواقف والتصرفات، المراهنة على نهج التسوية، كما وقع وقدم في أوسلو.

ربما يجدر التذكير هنا بما قاله موشيه يعلون عندما كان وزيراً للأمن «فليعلن الفلسطينيون عن أنفسهم دولة أو إمبراطورية، هذا لا يعنيني، المهم هو أن نتحكم نحن بالواقع». أي أنه ليس غريباً أن يكون إعلان الدولة الآن هو في مصلحة إسرائيل، لأنها سوف تعارض الاعلان شكليا وتعتبره اثباتا على عدم جدية الفلسطينيين في تحقيق سلام- وسوف تقول عملياً– وليس رسمياً، أن هنالك للفلسطينيين دولة، وأن ادعاءات الفلسطينيين بالنسبة للاحتلال هي غير صحيحة، وأن ما تقوم به هي إنما هو دفاع عن النفس مقابل «الارهاب الفلسطيني». ربما ينطوي ذلك إذن على مد الاحتلال بذخائر دعائية ضد نضالنا ومجانا.

هنا يطرح السؤال مجدداً لماذا تقوم القيادة الفلسطينية بذلك؟ والجواب باعتقادي أن القيادة لا تملك مشروعاً آخرا»، وهي غير معنية باي تحرك يوقف «مسار التسوية»، لأنها لا زالت تراهن على وهم «اقناع الإسرائيليين» بحل الدولتين، وأكثر من ذلك. كما أن القيادة الفلسطينية مرتبطة بشبكة مصالح ذاتية متنوعة أنتجتها «عملية السلام» على رغم أننا في الواقع أمام حكم ذاتي محدود جداً، يسمح للنخب والقيادات أن تتحرك وتتصرف وكأنها في دولة، بينما واقع حال الاحتلال هو أسوأ بكثير مما سبق أوسلو. وغني عن القول هنا أن القيادة غير المحرومة من حرية التنقل ووفرت السلطة لجزء كبير منها امتيازات مادية جدية، وتحكم في الشارع الفلسطيني وتملك سلطة وإعلاماً لا يمكن أن «تقلب الطاولة» وتحدث تغييراً جدياً في نهجها، على رغم الخطاب العالي.

ما العمل؟ تتصرف القيادة الفلسطينية وكأننا أمام نهاية النضال الفلسطيني وكأن إمكانات التحرك معدومة أو ليست ذات جدوى، وهي بذلك تخالف الواقع، الذي ينتج يومياً حالات مثل عهد التميمي في النبي موسى وصياح الطوريفي العراقيب ونضالات يومية في اللجوء والوطن، وتحركات شبابية في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني. هذه التضحيات كان يجب أن تؤدي بالقيادة الفلسطينية، ومنذ زمن إلى وقف «عملية التسوية» والعمل جدياً على توحيد الشعب الفلسطيني والوطن الفلسطيني في مطالبة جدية بتصحيح آثار النكبة وما تلاها من اعتداءات إسرائيل على الشعب الفلسطيني ورفض منهجي لإنهاء الاحتلال.

الآن، الوقت ملائم أكثر من أي فترة أخرى، ليس لزراعة الوهم في إقامة دولة فلسطينية في «الأراضي المحتلة»، بل إلى الاستئناف على الواقع من خلال المطالبة بدولة واحدة ديموقراطية على امتداد الوطن الفلسطيني، ومطالبة العالم بمساندة الشعب الفلسطيني في نضاله هذا. أما الرهان على أن العالم ملتزم «بحل الدولتين» هو جزء من زراعة الوهم، بأن حل الدولتين ما زال ممكناً وأنه الحل الوحيد الممكن– وهي مسألة ينفيها المنطق البسيط.

القيادة الفلسطينية الحالية لن تستطيع القيام بذلك، وهي لا تستطيع ان تحمل وتنفذ مشروعا وطنياً متكاملاً، وطبعاً الاحتلال (وإسرائيل) هو السبب الرئيسي لذلك، لكن هذا لا يعفي القيادة، خصوصاً أنها ذاتها هي التي ساهمت في إعلان الجزائر، وتوقيع أوسلو، وإقامة السلطة، والقبول عملياً بميزان القوى مع إسرائيل كموجه للتسوية، والتنسيق الأمني حتى أوصلتنا إلى هنا. وهي التي توهم الفلسطينيين اليوم بأن الدولة قريبة والتحرر مسألة وقت (قصير جداً). هذه القيادة التي كان يجب أن تتنحى منذ زمن، لا تريد أن تتنازل عن امتيازاتها- وعلى ما يبدو فإنها لن تتنازل بسهولة، بعكس ما يتوجب عليه دورها ومصلحة الشعب الفلسطيني. طبعاً يجب أن نذكر، أو أن نطرح السؤال– والمقارنة هنا مستحقة- فأين القيادات الإسرائيلية التي وقعت على أوسلو مقابل تمترس القيادة الفلسطينية؟

وفي كل حال، حري بالقيادة الفلسطينية، والأجدى، أن تدعو المجلس المركزي والمجلس الوطني وعموم نشطاء وقيادات الشعب الفلسطيني إلى مؤتمر وطني مفتوح لنقاش سؤال: ما العمل؟ بدلاً من التقدم نحوه بحل معلب ومكرر. على رأس النقاشات المشتهاة يجب أن يكون موضوع تغيير القيادة وإنتاج قيادة فلسطينية متحررة من أعباء أوسلو والتزاماته ووهم حل الدولتين. وهذا يجب أن يكون من مصلحة القيادة الفلسطينية التي يجب أن تحضر قيادة تستطيع الاستمرار في النضال، إذا كانت معنية فعلاً في المستقبل الفلسطيني. وعندما نكون قادرين على الولوج في مسار إنتاج قيادة جديدة وملتزمة تجاه الناس ومتحررة من الامتيازات، عندها نستطيع أن نخرج لشعبنا وللعالمين العربي والإسلامي والعالم بمشروع تحرر يعالج آثار النكبة وما تلاها. ومن دون ذلك سنبدد ونهدر طاقاتنا مرة أخرى– كما جرى منذ أوسلو- وما أحوجنا لئلا نرتكب الخطأ ذاته مرتين... ومن القادة أنفسهم!

* أكاديمي فلسطيني من عرب 48 - جامعة حيفا

عن الحياة اللندنية