كابوس المنخفضات الجوية في فلسطين
تاريخ النشر : 2018-01-15 12:38

على الرغم من كل الصور المشرقة، التي تصاحب كل منخفض جوي في فلسطين، سواء كان ذلك من خلال الجهود  المميزة التي تبذلها طواقم مختلف المؤسسات الخدماتية، وطواقم الإنقاذ التابعة لها، وصور التضامن، والتعاون، والتكاتف، والمواَخاة،  التي يسطرها المواطنون الذين يتطوعون لفتح بيوتهم، وتقديم ما تيسر من خدمات لمواجهة أية صعوبات تعتري غيرهم من المواطنين،  إلا ان كل منخفض جوي يزورنا،  يظهر  في ذات الوقت، حجم الخلل الذي يعتري إنشاء بنية تحتية مؤهلة، وعصرية،  في مختلف مدن وقرى ومخيمات فلسطين، بتفاوت في حجم الخلل، وعمق تأثيره على حياة المواطنين بين موقع واَخر، إذ يشي أداؤنا في ظل المنخفضات الجوية  سنويا، أن البنى التحتية في فلسطين، غير مؤهلة بما فيه الكفاية، وغير قادرة على الصمود، أمام منخفض جوي عابر، أو عاصفة ثلجية، تكاد تحاكي أحد أيام شتاء الدول الباردة، إذ أن  متوسط كمية الأمطار التي تستقبلها الأراضي  الفلسطينية  ما بين شهر تشرين الأول، وأيار، لا تتعدى 700 مم، وهي  نسبة متواضعة  قياسا بالدول المطيرة، التي قد تتجاز كمية أمطارها سنويا 10,000مم، دون أن يتسبب ذلك في تراكم مياه الأمطار، وجريانها، نتيجة تعطل أنظمة الصرف، والإستيعاب لمياه الأمطار، كما يحصل في فلسطين، أو إلى انقطاع في خدمة الكهرباء، أو تعطيل الحياة اليومية، للمواطنين، بما في ذلك تعطيل المؤسسات الحكومية والخاصة، وإغلاق معظم المحال التجارية، مما يعني خسارة ملايين ساعات العمل المنتجة،  وندرة توفر الوقود، وارتفاع أسعاره  خلال الشتاء، يضاف إلى كل ذلك عدم أهلية المباني في فلسطين لاستقبال فصل الشتاء، سواء كانت سكنية، أو تعليمية، إذ أن العديد من المدارس في فلسطين، غير مؤهلة لاستقبال الأطفال خلال الشتاء، نتيجة غياب بنية تحتية مناسبة،  وقد شهدنا خلال الأعوام الماضية انهيار عدد من المباني قد الإنشاء، والأسوار الإستنادية، وحوادث الطرق القاتلة، التي كان ضحيتها مجموعة من الأطفال،  نتيجة غياب شوارع مؤهلة لمقاومة أمطار الشتاء، بل أن خسارتنا  للشابتين سماح كنعان، وهناء السامري خلال المنخفض الجوي الذي زار الأراضي الفلسطينية عام 2013،  نتيجة السيول التي سحبتها، لا زال حاضرا في ذاكرة الفلسطينيين، ولا زال يدق نواقيس الخطر .

 من الهام للغاية، أن نعي أن تأهيل بنية تحتية للمواطن الفلسطيني، هو أحد مقومات ثباته على الأرض، وتمسكه بها، ومقاومة كل أشكال التهجير والتغريب، وقد اَن الأوان لكي تعيد المؤسسات الرسمية، ولا سيما الخدماتية منها، معايير العمل في مشاريع البنية التحتية،  واَليات الرقابة، والمحاسبة المتبعة بها، إذ أن عدم كفاءة خدمات البنية التحتية في العديد من المناطق الفلسطينية،  قد يكون نتيجة  سوء في الإدارة، وعدم جدية في العمل، والتراخي في الرقابة على من ترسوا عليهم عطاءات تنفيذ  تلك المشاريع،  من شركات ومؤسسات، وهو الأمر الذي يستوجب محاسبة فورية، أو أنها نتاج  فساد، وتقصير مقصودين، وهو الأمر الذي يتطلب نظام رادع، وحاسم لهؤلاء، كما أن من حق المواطن أن يتابع نوعية الخدمات التي  يتلقاها مقابل ما يدفعه من ضرائب، ومن واجب مؤسسات المجتمع المدني أن تكون صوت المواطن، عبر المطالبة بحقه ببنية تحتية تحافظ على إنسانيته، بعدالة، ومساواة، ودون محاباة، أو تمييز، إذ أن حق المواطن  بالدفء، والأمن، والراحة في بيته، وحيه، ومدرسته، ومسجده، وكنيسته، ومكان عمله، والحي الذي يسكنه، هو أحد مقومات بناء الدولة التي ارتقى الشهداء من أجلها،  كما أنني أقترح في هذا السياق، أن تجعل  مؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام،  قضية بناء بنية تحتية مؤهلة، تحافظ على كرامة المواطن، وإنسانيته، أحد أولوياتها، وتحويل برامجها، ومشاريعها، المتعلقة بحقوق الإنسان، والمسؤولية المجتمعية، والعدالة الإجتماعية، إلى خطوات ذات أثر فاعل،  إذ أن  توفير غطاء، لفقير في ظل منخفض جوي قادم، أو إعادة ترميم بيت اَيل للسقوط في أحد الأحياء، أو المخيمات، إنما يعادل ألف خطاب عرمرمي، ساخن   حول حق الفقراء بالدفء، والعدالة، من وراء منصة في فندق وثير، تحت تدفئة أضواء كاميرات الإعلام دون عمل، أو ضغط على أصحاب الشأن لتحويل تلك الشعارات إلى برامج عمل وسياسات واضحة .

 أتمنى أن يرتقي أداؤنا الجمعي، ولا سيما الرسمي منه، من مرحلة وضع خطوات لمواجهة المنخفضات الجوية القادمة،  إلى وضع استراتيجات وطنية، ومحلية، على المدى البعيد، تقوم على بناء بنية تحتية موائمة،  صديقة للمنخفضات الجوية،  وقادرة على استقبالها، لا مواجهتها، وأن يفرح الفقراء عند إعلان خبر منخفض قادم، بدلا من الهلع، خوفا  من البرد، ومياه الأمطار التي ستجرف بيوتهم، ومزارعهم، وتفيض في شوارع أحيائهم، والاستبشار خيرا بالمياه التي تروي الأرض،وتحمل الخير في ظل استمرار الحياة بشكلها الطبيعي دون توقف .