انتهاء وهم جزيرة قطر
تاريخ النشر : 2014-04-10 11:31

المرة الأولى والوحيدة التى زرت فيها قناة الجزيرة فى الدوحة كانت عام 1998، وكان مديرها العام شخصية خلوقة اسمه جاسم العلى مازلت أحمل له ذكرى طيبة، وزميله فى نفس المكتب وقتها محمود السهلاوى الذى كان المدير الإدارى للقناة على ما أذكر، ومازلت على اتصال بالرجل من وقت لآخر وفى الذاكرة اللقاء القديم. وقتها كنت متجاوزا- أو غير مدرك وهو الأقرب- لطبيعة نشأة القناة ولا أهدافها السياسية، فقط اعتبرتها مشروعا إعلاميا عربيا، حتى لو كان قد نشأ على أنقاض تليفزيون «بى. بى. سى» العربى، الذى كان قد أُغلق بعد خلاف بين ملاكه (شركة سعودية) وهيئة الإذاعة البريطانية على أمور خاصة بالسياسة التحريرية. المهم أنه بعد الانقلاب الذى قام به الابن على أبيه وخلعه من كرسى الإمارة واحتلاله له ظهرت الجزيرة باعتبارها المشروع الاستراتيجى للدولة الصغيرة من وقتها والفقيرة وقتها، حتى إنه يقال إن المبلغ الذى أنشئت به الجزيرة- يقال إنه مائة وخمسون مليون دولار- كان قرضا من جهة ما. كل هذه الحقائق كنت غافلا عنها فى البداية، ولم أر فيها عند انطلاقها إلا قناة حرفية عن حق تمتلك كل المقومات والإمكانيات الفنية والمادية التى تمكنها من أن تكون الأفضل مهنيا على مستوى المنطقة. رأيت فيها وقتها حلما يتحقق، تمنيت لو أنه كان مصريا، حتى وإن كان عدد كبير ممن أنشأوا وبدأوا هذا المشروع مصريين.

أفقت من وهم أن الجزيرة هى حلم مهنى يتحقق على الأرض، وواجهت الحقيقة أنها أداة سياسية تستخدمها القوى التى تمتلك قطر وتحركها فى الاتجاه ومن أجل الهدف الذى تريد. وانخدع العديد من العاملين فيها بوهم الرأى والرأى الآخر وصوت من لا صوت له، وانساقوا دون أن يدروا إلى تنفيذ ما كانوا يعتبرونه إصلاحا سياسيا دون أن يدركوا أنها أهداف سياسية ودور تقوم به القناة متجاوزة به حدود المهنية إلى آفاق أخرى هى أدوار سياسية صريحة، وفى مرحلة تالية إلى أدوات تهييج.

اعتمدت قناة الجزيرة، باعتبارها واحدة من أهم أدوات السياسة الخارجية القطرية، وباعتبارها الممثل الرسمى للسياسة الخارجية الأمريكية والوكيل الحصرى لها، على:

تصدير شكل الفخامة الإعلامية المرتكزة على التمويل الحكومى القطرى لقناة الجزيرة ببرامجها المتعددة، سواء فى العموم أو برعاية برامج محددة بالاسم.

عدم التعرض نهائيًا للعائلة الحاكمة القطرية، وعدم التعرض مرحليًا للعائلات الملكية والأميرية الحاكمة فى دول الخليج العربى حسب طبيعة العلاقات بين قطر وبينها.

توجيه النقد الحاد والمباشر لرؤساء جمهوريات الدول العربية دون استثناء. واستقطاب المعارضين للظهور على شاشتها فى مقابل مكافآت لها وزنها بالدولار الأمريكى.

يبدو الحرص على البث المباشر لتصريحات المتحدثين باسم البيت الأبيض والخارجية الأمريكية والجيش الإسرائيلى.

ورغم كل ما سبق عن ملامح هذا التوجه، فقد تبلورت هذه الملامح وترسخت بوضوح شديد منذ أحداث 25 يناير فى مصر وبعدها. وهو ما أدى إلى أن تكشف قناة الجزيرة عن وجهها الحقيقى، والإفصاح الإعلامى الواضح عن توجهاتها التى تتطابق مع السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة الأمريكية والإسرائيلية.

والآن بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على 25 يناير 2011، مازالت قناة الجزيرة متمسكة بخطها الإعلامى المرفوض، وهو ما أدى حالياً إلى سقوط أسطورة قناة الجزيرة إعلاميًا، خاصة فى موقفها الداعم لجماعة الإخوان، ونقدها المستمر لثورة 30 يونيو ومحاولة تشويهها، وبالتالى فقدت قطر إحدى أهم أدواتها على الإطلاق فى السياسة الخارجية.

عن المصري اليوم