غزة ومصيرها بعد الانتخابات المحلية التركية
تاريخ النشر : 2014-04-09 16:19

الانتخابات المحلية التركية رؤية للمستقبل

مقدمة :

فى تاريخ 30 من مارس 2014م ، جرت الانتخابات المحلية للبلديات في تركيا ، والتى جاءت فى ظل العديدِ من التحديات الداخلية والخارجية، على نحو وضع حزب العدالة والتنمية الحاكم أمام إشكاليات وعقبات لم يواجهها منذ أن تم تأسيسه قبل نحو إثني عشر عامًا، وصل خلالها إلى السلطة ، وذلك بسبب خلافات وصلت الى حد المواجهة ما بين اردوغان وحزبة، و جماعة الخدمة ، والتى يرأسها ( فتح الله غولن ) ، والتى تندرج في سياق تقليد صاغ الدولة التركية الحديثة ، وهو الصراع بين حلفاء الأمس، أردوغان وغولن، للسيطرة على مقاليد الدولة التركية؛ فمن جهة تستعمل جماعة غولن نفوذها في القضاء والشرطة، للتصدي لأردوغان، فيرد عليها باستعمال السلطة التنفيذية والتشريعية للحد من حركتها.

أسباب الخلاف بين أردوغان وجماعة غولن

أولاً: رفض جماعة غولن لموقف أردوغان في قضية أسطول الحرية، الذي اعتدت عليه إسرائيل في مايو/أيار 2010م ، بسبب قيامه بإرسال السفينة بدون موافقة إسرائيل .

ثانياً: حادثة استدعاء رئيس جهاز الإستخبارات (حاقان فيدان) في 7 من فبراير/شباط 2012م، من قبل وكيل نيابة ينتمي للجماعة، وفي غيبة رئيس الوزراء، لقيامهِ بإجراء مفاوضات سرِّية في (أوسلو ) مع حزب العمال الكردستاني .

ثالثاً: ظهور أطماع لدى جماعة غولن فى بعض المناصب الحكومية ، وابتعادهم عن دورهم الأساسى الخدماتى.

رابعاً: إعلان الحكومة التركية في خريف العام الماضى عن رغبتها في التحكم بنسبة 25% من المدارس ، والتي تسيطر الجماعة على القطاع الأكبر منها.

الخلافات الى العلن

إحتدم الخلاف بين جماعة الخدمة ممثلة برئيسها ( فتح الله غولن ) والحكومة التركية ممثلة بحزب العدالة والتنمية ، وظهر واضحًا للعلن عندما استخدمت جماعة فتح الله غولن العديد من الطرق غيرِ النزيهةِ من أجل إسقاط أردوغان وحزبه ومنها :-

أولا : سلاح التنصت ، ففي الفترة ما بين 24 و25 من فبراير/شباط 2014م، عاش الأتراك تطورًا سياسيًا لم يشهدوا مثله منذ سنوات طويلة؛ بعد نشر عملية تنصّت ما ، بدا أنه اتصالات هاتفية بين رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، وإبنه بلال، في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2013م، يأمر فيها رئيس الوزراء إبنه بالتخلص من أموال في منزله.

ثانيا : حرب اليوتيوب ، لم تكد الساحة السياسية التركية تستفيق من دوي قضية التنصت، حتى نشر مجهولون مساء اليوم نفسه على موقع التواصل الاجتماعي (يوتيوب) تسجيلات، مؤرخة وبتحديد زمني محدد، لأربع مكالمات، يفترض أن رئيس الوزراء أردوغان أجراها مع إبنه بلال يوم 17من ديسمبر/كانون الأول الماضي 2013م، يأمره فيها بالاجتماع بشقيقه وعمه والتخلص من أموال في بيت الابن.

ثالثا : القضاء ، ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي 2013م، أطلق وكلاء نيابة موالون للجماعة قضيتي فساد متتاليتين، استهدفتا رجال أعمال وشخصيات مقربين من حكومة أردوغان، ووزراء في الحكومة وأبناءهم

رابعا : التقارب و التعاون ما بين جماعة الخدمة " غولن " والأحزاب التركية المعارضة الأخرى ، من خلال عقد اتفاق مع حزبي المعارضة الرئيسين حزب الشعب الجمهوري ، وحزب الحركة القومية ، على إثارة أعمال شغب للنيل من شعبية الحزب الحاكم ، وظهر ذلك واضحاً عندما تبنّى حزبا المعارضة: الشعب الجمهوري والحركة القومية، مسألة التنصت ، وطالبا باستقالة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وحكومته.

خامسا : رغم عدم مشاركة أفراد الجماعة في الاحتجاجات ، إلا أن وسائل الإعلام المرتبطة بها ، حاولت النيل من أردوغان واتهامه بالتسلط والدكتاتورية وسوء إدارة الأزمة، في مقابل تلميع نائبه في الحزب والحكومة بولند أرينتش، الذي يشاع أنه على صلة طيبة بالجماعة.

ردّةُ الفعلِ لاردوغان وحزبه :-

1-      إعلان مكتب أردوغان أن المكالمات لم تحدث، وأنها مفبركة تكنولوجيًا من قبل خصومه.

2-      توجيه اردوغان كلمة لمجموعة حزبه البرلمانية مساء 25 من فبراير/شباط 2014م، تحدث عن جماعات تستهدف إستقلال البلاد ، وإرادة الشعب الانتخابية، واتّهم أحزاب المعارضة بمحاولة القفز على السلطة، التي فشلوا في الحصول عليها بصناديق الاقتراع.

3-      قيام أنصار رئيس الوزراء التركي بتقديم عدة طعون على المكالمة ، فيقولون بأنه كان يتحدث لابنه من العاصمة أنقرة، بينما الحقيقة أن أردوغان قضى ذلك اليوم في قوني،كما أن التوقيتات المسجلة على أشرطة تسجيل المكالمات، تتزامن بالدقيقة مع إلقاء أردوغان لكلمة جماهيرية في قونية.

4-      قيام أنصار أردوغان بنشر تسجيل لأشخاص مجهولين، يناقشون جودة العمل الذي أجروه ليخرج في صيغة مكالمات لرئيس الحكومة وابنه، كما نشروا تسجيلات، تم تزييفها بالأساليب التقنية ذاتها، لكل من رئيس الحزب القومي ورئيس حزب الشعب الجمهوري، يمتدح الأول فيها رئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، ويمتدح فيها الثاني طيب رجب أردوغان، وكلاهما غير معقولين أصلاً.

5-      نشر أنصار أردوغان الذين أوضحوا أنهم أيضًا يستطيعون التنصت على الخصوم، شريطًا لواحد من أكبر رجال أعمال الجماعة، يتحدث فيه بوضوح حول مخطط إسقاط الحكومة، والدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة.

6-      تصرف أردوغان منذ ديسمبر/كانون الأول 2013 م ، على أساس أن حكومته تخوض حربًا، من خلال إعلانه عن تعديل حكومته الواسع في يناير/كانون الثاني 2014م ، والذى أعطى لوزير داخليته الجديد، (أفغان علاء) ، حرية كاملة في إخلاء الوزارة ، ودوائر الشرطة ، وجهاز المباحث الداخلي التابع لها، من أنصار الجماعة.

7-      قيام رئيس نيابة إسطنبول باستبعاد وكلاء النيابة ، الذين تدور حولهم شبهات الانتماء للجماعة من مواقعهم إلى مواقع أقل إثارة للجدل، وجهت ضربات بالغة للجماعة ونفوذها.

8-      إغلاق موقع التواصل الاجتماعي " توتير " بالاضافة الى موقع يوتيوب .

نقطة الفصل : فى الانتخابات المحلية لتركيا

في الثلاثين من مارس/آذار 2014 م، ذهب الأتراك للانتخابات المحلية ، وهي الانتخابات المحلية الثالثة ، التي يخوضها حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه في 2001 م ، وفوزه في الانتخابات البرلمانية ، وصعوده لسدة الحكم في 2002م، ولكن بالرغم من أن هذه ليست سوى انتخابات محلية، فإنها انتخابات بالغة الدلالة، لأنها جرت في ظرف قد يجعلها الانتخابات المحلية الأكثر أهمية في تاريخ تركيا: لماذا؟

أولاً: لأنها كانت ستوضح ما إذا كان حزب العدالة والتنمية لم يزل، بعد أكثر من عشر سنوات في الحكم، يتمتع بالشعبية التي تؤهله للاستمرار في قيادة البلاد ، علما بأنه في الانتخابات المحلية السابقة، في 2010م، فاز الحزب بـ 38.8 بالمائة من الأصوات.

ثانيًا: لأنها تمثل مؤشراً مهماً على مستقبل رئيس العدالة والتنمية ورئيس الحكومة ، رجب طيب أردوغان فى ولايته الحالية ، وهي الثالثة له والأخيرة في رئاسة الحكومة، نظرًا لقوانين حزبه الداخلية ، التي تمنع نائبًا من الاستمرار في المنافسة على مقعد برلماني لأكثر من ثلاث دورات متتالية، والمتوقع أن يترك أردوغان موقعه في رئاسة الحكومة قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في 2015م، وأن يدخل المنافسة على رئاسة الجمهورية في الصيف المقبل.

نتائج الانتخابات المحلية في تركيا :

بعد فرز الأصوات حصل حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان على 46% من مجموع الأصوات ، وهى مؤشر على زيادة في شعبية أردوغان رغم المؤامرة ، بينما حصل أقرب منافسيه حزب الشعب على 29% من مجمل الأصوات ، وهذا يشير إلى فوزٍ ساحقٍ يسترد أردوغان من خلاله المبادرة داخل حزبه، ويعزز سلطته بقاؤه.

أسباب فوز أردوغان وحزبه :

1-      إحساسُ أنصار الحزب بأن ما تعرض له أردوغان ، هو جزء من مؤامرة خارجية بأيدي الأحزاب التركية المعارضة .

2-      امتلاك حزب الحرية والعدالة لرؤيةٍ تطويرية شاملة لتركيا مبنية على الاستمرارية ، وليست مرحلية تستهدف فترة الانتخابات فقط .

3-      تصميم أردوغان وحزبه على تحقيق العدل للمواطن التركي .

خطوات الأحزاب المعارضة التركية الداخلية :

1-      محاولة الطعن بنتائج الانتخابات المحلية .

2-      ستعمل جماعة الخدمة ( غولن ) بدأب على كشف مزيد من "الأسرار" ، التي تقف وراء صعود أردوغان السياسي، والعديد من قضايا الفساد، التي صاحبت صعود تركيا الاقتصادي.

3-      ستعمل الاحزاب المعارضة على أن تبقي الأوضاع في تركيا تعاني من صراع داخلى من خلال مظاهرات وإحتجاجات مستمرة .

4-      من المحتمل أن تعمل جماعة الخدمة خلال الفترة المقبلة، بالتنسيق مع أحزاب المعارضة الرئيسية، على استغلال أخطاء أردوغان.

5-      قيام الأحزاب المعارضة بتوحيد جهودها من أجل تقديم مرشح مشترك لها لإسقاط أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة .

الأوضاع في تركيا بعد الانتخابات المحلية

أولا : خطوات أردوغان الداخلية المقبلة :

1-      ترشيح أردوغان نفسه لمنصب رئيس الجمهورية التركية .

2-      قد يتمكن حزب العدالة والتنمية من التوصل إلى تسوية مع جماعة غولن تؤدي إلى تصالح يضمن مصالح الطرفين، كما فعلا من قبل عندما إستعان أردوغان بالقضاة المحسوبين على غولن لإضعاف سطوة الجيش والكماليين المناهضين له بأجهزة الدولة.

3-      استراتيجيات "الضرب تحت الحزام" ، ستكون من القواعد القانونية في "المباراة الصفرية" بينهما، ففيما سيتجه أردوغان إلى محاولة تصفية وجود الجماعة في مؤسسات الدولة خصوصًا الشرطية والقضائية .

4-      سيكون أمام أردوغان فرصة لسن العديد من التشريعات لإحكام قبضته الأمنية، وتعزيز سلطته السياسية .

5-      استمرار النمو الاقتصادي في تركيا وبشكل أسرع عما كانت عليه في السابق .

ثانيا : سياسة أردوغان الخارجية :-

أولا : في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي :

بعد أن اعتذرت إسرائيل عما فعلته بحق السفينة التركية مرمرة ، وهو بمثابة إنتصار للسياسة الخارجية التركية ، بقيت قضية غزة غامضة في الملف التفاوضي، إذ لا يزال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يطالب بفكّ الحصار عن قطاع غزة :

مطالب أردوغان :

1-      إدخال المعدات الحديثة الخاصة بالمستشفي التركى بغزة ، والتى ولا تزال عالقة في ميناء أشدود، وتدفع تركيا تكلفة بقائها في الميناء منذ عام، إلا أن إسرائيل ترفض إدخال جميع المعدات وتقول : إنه من الممكن استعمالها "إرهابياً".

2-      فك الحصار عن القطاع غزة.

3-      دفع التعويضات لضحايا سفينة مرمرة .

الوساطة الأمريكية في الملف التركي الإسرائيلي :

تعتبر إسرائيل وتركيا الحليفين الأقوى للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط ، والدولتين الأكثر استقراراً في المنطقة ، ويعرقل التوتر بينهما المصالح الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية للولايات المتحدة، ولهذا كانت المصالحة من أهم ما حمل في أجندة الرئيس الأميركي في زيارته إلى إسرائيل، وسبقها توجّه كيري إلى أنقرة قبل الزيارة لأجل المصالحة ، لذا أتوقع أن تنتهي الأمور إلى : -

1-      أن تدفع إسرائيل مبلغ يقدر ما بين 20 -23 مليون دولار لضحايا سفينة مرمرة ، بحيث ألا تكون الأموال الممررة في الاتفاق تحت بند التعويضات ، حتى لا تكون سابقة تضطر إسرائيل بعدها إلى تعويض كل دولة تقتل فيها أحد مواطنيها، كما حدث مثلاً مع القاضي الأردني ، ولهذا تريد إسرائيل تحويل الأموال عبر صندوق كأنه صندوق لأغراض إنسانية ، وبعدها تقوم الحكومة التركية بتوزيعه للعائلات وفق الاتفاق.

2-      إدخال المعدات الخاصة بالمستشفي التركي الى قطاع غزة .

3-      أن يتوقف رئيس الوزراء التركي ( أردوغان ) عن هجومه اللاذع على إسرائيل عبر المنابر.

4-      إعادة العمل في مشروع أنابيب السلام ، والذى بموجبه تبيع تركيا الى اسرائيل 3 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنوياً.

5-      رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل شبه كامل ، تسطيع حكومة اسماعيل هنية من خلاله التنفس .

ثانيا : الملف السورى:

1-      سيبقي النظام السورى في نظر أردوغان وحزبه نظاماً يتوجب العمل على تغييره معاقبته ، مع إمكانية تدخل عسكرى تركى محدود لحماية الأراضى التركية الحدودية من أي عدوان جوى سورى ، على أن تبقي مستعدة في القيام بعمل عسكرى ضخم ضد سوريا بمشاركة حلف الناتو .

2-      تقديم الدعم للاجئين السوريين على الأراضى التركية .

3-      تقديم الدعم لقيادة الائتلاف الوطنى السورى المعارض ، و دعم لوجستي إلى الجيش الحر .

------------

النتائج :

1-      سيتجه أردوغان إلى محاولة تهميش وجود الجماعة في مؤسسات الدولة خصوصًا الشرطية والقضائية .

2-      سيكون أمام أردوغان فرصة لسن العديد من التشريعات لإحكام قبضته الأمنية، وتعزيز سلطته السياسية .

3-      ترشيح أردوغان نفسه لمنصب رئيس الجمهورية التركية .

4-      بعد نجاح أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة فى شهر أغسطس هذا العام ، سيتم رفع الحصار عن قطاع غزة أواخر عام 2014م .

5-      سيتم إغلاق ملف سفينة مرمرة نهاية عام 2014م برعاية أمريكية .

6-      ستعمل الأحزاب التركية المعارضة على أن تبقي الأوضاع في تركيا تعاني من صراع داخلى من خلال مظاهرات واحتجاجات مستمرة .

التوصيات :

1-      أن يُبقى أردوغان وحزبه البابَ مفتوحاً لإمكانية عودة العلاقة مرة أخرى مع جماعة ( غولن ) بعد معاقبة بعض المذنبين منهم قانونياً .

2-      الاستعداد لمواجهة أى تسجيلات من الممكن ، أن تظهر قريباً من الأحزاب التركية المعارضة تهدف إلى تشويه صورة "اردوغان" بشكل شخصى والمقربين جدا منه .

3-      الحضور الواعي لمواجهة بعض الاحتجاجات والمظاهرات ، التى ستعمل الأحزاب التركية المعارضة على تأجيجها قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة فى تركيا .

4-      فلسطينيا علينا إلتزام الحياد في حال قيام أردوغان بترشيح نفسه في منصب الرئاسة .

5-      أن لا تنخدع القيادات الفلسطينية بعد فك الحصار على غزة ، والاستمرار صْوب إنهاء ملف الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الفلسطينية .

 

محمد أحمد أبو سعدة

مسئول دائرة الانشطة والدراسات في معهد بيت الحكمة