تونس وربيع المتفجرات
تاريخ النشر : 2013-10-22 10:06

حين كانت الولايات المتحدة تحشد للعدوان على العراق تحت ذريعة الكذبة الكبرى “أسلحة الدمار الشامل”، كان هذا البلد لا يفارق جلسات الكبار والصغار في العالم العربي . تحضر الآن حوارية بين رجلين مسنّين في فلسطين .

قال أحدهما للثاني إنه سمع في الأخبار أن العراق لديه عشرون طناً من اليورانيوم . رد الثاني بطريقة الفلاح البسيط الذي ثقّف نفسه نسبياً وكان له نصيب من السجن لدى الاحتلال: “وحّد الله يا رجل، أنت تتحدث عن اليورانيوم بالأطنان وكأنه قمح”، ثم ذكّره أن القنبلتين اللتين ألقتهما الولايات المتحدة على اليابان، كانتا تزنان بالغرامات فحسب.

الآن نقرأ خبراً يقول “ضبط طني متفجرات في تونس”، ويكاد إيراد الخبر هكذا يشبه الحديث عن ضبط دجاجة اخترقت سياج حقل الجيران، علماً أن أغلبية الشعب في تونس، قبل أن يحرق محمد البوعزيزي جسده، كانت لا تميز بين المسدّس وكوز الذرة . كان الشعب التونسي يحتاج إلى الديمقراطية والحرية، لكنّه لم يكن يشعر بالحاجة إلى السلاح وتوابعه، لا في ظل نظام ابن علي، ولا في ظل النظام الذي كان يستوطن الحلم والأمل .

كانت كلمتا “الجيش التونسي” لا تردان في نشرات الأخبار أكثر من مرة في السنة، في سياق إحياء المناسبات الرسمية، فلا حرب مع أحد، ولا مواجهة مسلّحة في الداخل . بعد “الربيع” بنسخته الأولى في هذا البلد الأخضر، حلم كثيرون من أبناء الضاد بالتمرّغ في خضار تونس، في جبالها وسهولها المعبّدة بأشجار الزيتون . لم يكن الحالمون يعلمون أن جبال تونس ستسقط في قبضة المسلّحين.

لم يكن أي تونسي أو عربي يتخيّل، حتى لو بعد مشاهدة فيلم خيال علمي، أن يسمع في نشرات الأخبار عن قصف من المدفعية أو من سلاح الجو، أو عن عمليات تمشيط عسكري في بلد مثل تونس . لكن خبر العثور على طنين من المواد المستعملة في صنع المتفجرات، وحقائب مملوءة بالذخيرة والتجهيزات العسكرية في غير أيدي الجيش، أصبح جزءاً من ثقافة الاستماع في تونس هذه الأيام.

السلطة التونسية ردّت على مقتل جنديين بسلاح هؤلاء، بأن أعلنت الحداد في الجمهورية، ومن الطبيعي أن تستنتج بأنه لو أرادت دول أخرى من دول “الربيع”، كالعراق وسوريا، أن تعلن الحداد على الضحايا، لكان حدادها على مدار السنة، إذ إنها تلملم أشلاء عشرات الضحايا كل يوم . يأمل العربي ألا يحتاج أي بلد عربي لإعلان الحداد، أو على الأقل أن يكون الحداد موسمياً وعلى الحد الأدنى من الضحايا.

حتى يكون هذا الأمل ممكناً، ينبغي للحوار التونسي السائر في طريق متعرّج بسبب تلكؤات حزب النهضة الحاكم، أن يجلّس النتوءات التي تضعها ''النهضة'' في طريق الحوار . تونس تحتاج إلى حكومة قوية تستطيع الاضطلاع بالدور الأمني على نحو قادر على استعادة الأمان والاستقرار، باعتبارهما البيئة الشرطية للتنمية الاقتصادية، ووضع الأسس للديمقراطية الحقيقية، بديلاً عن ديمقراطية “الغفلة”، وبديلاً عن استثمار اللحظة وتوظيفها في خدمة مصالح حزبية ضيقة.

تونس بحاجة فورية لاستقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة كفاءات تحت عباءة التوافق الوطني، قادرة على وضع استراتيجية أمنية وسياسية شاملة لمواجهة الإرهاب وبيئته الحاضنة . بهذا يمكن إنقاذ تونس فقط من “ربيع المتفجرات”.