المتمرد الذى فضح العالم السرى لـ«الإخوان» ( الحلقة الثامنة )
تاريخ النشر : 2014-04-08 16:37

سألت المفكر الكبير جمال البنا، هل انقطعت علاقتك بالإخوان بعد رحيل شقيقك حسن البنا، فقال إلى حد ما ولكن رغم أن علاقتى بهم قبل رحيل شقيقى حسن لم تكن حميمة، فإن هذا لم يمنع أن يكون هناك اتصال بينى وبين بعض من تولوا منصب مرشد الإخوان، وكانت هناك رسائل متبادلة بينى وبينهم وإن كانت لم تغير من الجفاء الذى بينى وبينهم شيئا وهذا جانب منها.

 

لقد أرسلت الخطاب التالى إلى عمر التلمسانى فقلت فيه «الأخ الكريم الأستاذ عمر التلمسانى.. حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد، كنت فى جنيف خلال الفتـــرة من ١١/٦/١٩٧٩ حتى ٤/٧/١٩٧٩ لحضور اجتماعات مؤتمر العمل الدولى ولمقابلة الوفود العمالية من بعض الدول الإسلامية للدعوة لتكوين الاتحاد الإسلامى الدولى للعمل وقد استضافنى الدكتور سعيد رمضان والسيدة حرمه وهى كما تعلمون بنت شقيقى ومن الطبيعى خلال هذه الضيافة الطويلة وبعد غيبة قرابة ربع قرن أن تتطرق الأحاديث إلى تطورات الدعوة الإسلامية فى الخارج والعلاقات بمختلف الشخصيات والهيئات الإسلامية..

 

وخلال هذه المدة وصل إلى يد الدكتور سيد رمضان رد الخطاب الذى أرسله أحد الإخوان إلى الاتحاد الإسلامى العالمى للمنظمات الطلابية بالكويت والذى جاء فيه ـ والدكتور سعيد رمضان كان من الإخوان المسلمين البارزين فى مصر حتى عام ١٩٥٤ حيث تعرض الإخوان لمحنة قاسية وقاه الله منها فخرج منها خارج مصر ثم حدثت أحداث أبعدته عن الجماعة وأبعدت الجماعة عنه، نسأل الله الهداية للجميع، ولما كان الخطاب صادرا من هيئة إسلامية ومن الكويت حيث يعـد التكتل الإسلامى نفسه هناك ممثلا للإخوان المسلمين فى كل الدول، وكان الخطاب ببعد الدكتور سعيد عن الجماعة من عام ١٩٥٤ الأمر الذى لا يخفى عليكم أنه غير حقيقى فقد رأيت أن أكتب إليكم هذا الخطاب عارضا لرأى شخصى يمكن أن يسهم فى حل هذه القضية..

 

 وكما تعلمون فإننى وإن لم أعتبر نفسى عضوا رسميا فى الإخوان فى أى فترة من الفترات فإن وشائج عديدة وقوية فضلا عن المشاركة الفكرية الإسلامية قد جمعت بينى وبين الهيئة من الأربعينيات حتى الآن كما نشأت صداقات عزيزة بينى وبين عدد كبير من رجال الرعيل الأول.. وقد يكون الدكتور سعيد بحكم وشيجة المصاهرة أقرب إلى من غيره من رجالات الإخوان إلا إننى عمليا لم ألتق به بعد الحل الأول (١٩٤٨) إلا مرة واحدة فى السعودية، عندما كنت أؤدى فريضة الحج عام ١٩٦١ ثم جاءت مناسبة مؤتمر العمل الدولى فى جنيف وعلى كل حال فليس من شأن العلاقة الخاصة أن تؤثر على المواقف العامة، وهذا أمر بديهى أسلم به تسليما تاما وأعتبر نفسى مثالا حيا عليه.. كما أود أن أؤكد إننى فى كتابتى لهذا الخطاب لا أعبر عن رأى الدكتور سعيد بل إنه لا يعلم على وجه اليقين يسعى من هذا النوع، وقد يتضمن الخطاب آراء لا يوافق عليها.. بعد ملاحظة هذه الاعتبارات كلها اسمحوا لى أن أقول:

 

أولا: من الثابت أن الدكتور سعيد رمضان أوفد إلى الخارج بناء على توجيه من حسن البناــ رحمه الله ــ ثم تعاقبت الأحداث بحيث أصبحت الدعوة الإخوانية أولا والإسلامية ثانيا هى العمل الرئيسى للدكتور سعيد وخلال هذه الفترة الطويلة كان هو من أكبر الذين تصدوا لعبدالناصر وتعرض بسبب ذلك لاضطهادات عديدة وكان يمكنه أن يعمل فى خدمة إحدى الحكومات الإسلامية كما فعل الكثيرون أو أن يربط نفسه بإحدى الشخصيات الحاكمة، ولكن هذا لم يكن يوفر له حرية الحركة والعمل التى تقتضيها الدعوة الإسلامية، ومن ثم أصبحت جنيف هى قاعدة عمله.

 

ثانيا: ولكن جنيف من أغلى دول العالم والدعوة فيها بما تتطلبه من مكان وخدمات وأعوان واتصالات ومطبوعات عبء لا يمكن أن ينهض به فرد أو هيئة ما لم تدعمها أموال عامة، ومن هنا بدأت أولى صور التناقض بين ضرورة الدعم من حكومات وهيئات وترتبط بالحكومات (كرابطة العالم الإسلامى) مثلا وبين رسالة الدعوة الإسلامية الحرة التى تضيق بها بعض الحكومات الإسلامية فى كثير من الحالات وأدت هذه المفارقة إلى نوع من الضيق أو الاختلاف الذى احتفظ به تحت السطح وإن بدى فوق السطح فى بعض الحالات.

 

ثالثا: كل واحد يعمل فى المجال العام يتعرض للشائعات من بعض المغرضين أو الحاســدين أو أعــداء الدعــوة الإسلامية الذين يخربونها من الداخل وبالتفريق بين أفرادها وبالكيد لقيادتها وهم لا يعجزون عن إحكام مؤامراتهم بحيث يظهر الباطل حقا والحق باطلا وحكم الإسلام فى هذا واضح، إن الظن أكذب الحديث، وإن مثل هذه الشائعات تعد إفكا ما لم يكن هناك شهود وعدول عليها، وتحقيق مفصل فيها، ومن الخير دائما أن يظن المسلمون والمسلمات بأنفسهم خيرا، وما يهمنا بالدرجة الأولى من العاملين هو الكفاية، وأستطيع أن أقول إن المركز الإسلامى قد قام بدور فعال وفريد فى الدعوة الإسلامية فى أوروبا وأمريكا وإنه هو رائد هذه الحركات والمنظمات التى تنشط الآن فى بريطانيا وكندا وأمريكا وألمانيا وغيرها، وسلسلة الكتيبات التى أصدرها المركز بالفرنسية والإنجليزية والألمانية تعد من أحسن ما كتب ومن أفضل ما تخدم به الدعوة الإسلامية، فضلاً عن مجلة «المسلمون» التى جمعت أعلام الفكر الإسلامى من الهند وباكستان وأندونيسيا والمغرب عندما احتجبت الدعوة والصحف الإخوانية. والاعتراف بهذا للدكتور سعيد هو واجب يوجبه الإسلام الذى يقوم على العدل وعلى الإقرار لكل واحد بعمله.

 

رابعا: من هذا العرض يمكن القول إن هناك كفاحا وسابقة وعهدا إلا قديما، يتلوه اضطراب وريث ورهق، ونتيجة لتعقد الأوضاع ومن قبل رأى عمر بن الخطاب أن فى سيف خالد بن الوليـد رهقا، ولكن أبا بكر رفض أن يغمد هذا السيف على رهقه لأنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يستعمله حتى بعد أن قال ـ اللهم إنى أبرأ إليك مما فعل خالد ـ فأوضح أن الاجتهاد الخاطئ للقائد لا يذهب بصالح عمله ولا يعد مبررا لإقصائه مادام يحتفظ بكفايته.

 

فى ضوء هذا كله اقترح تحديد وضع الدكتور سعيد بالصورة الآتية:

 

«الاعتراف له بسابقته وكفاحه وما قدم من جهد ونفع فى سبيل الدعوة الإسلامية مثل ريادته لفكرة تكوين كيانات إسلامية فى الدول الأوروبية ونشرة مجلةـ المسلمون ـ والمطبوعات الأخرى وغير ذلك، وأن يوضح ذلك لكل الهيئات الإسلامية، واستبعاد الشائعات تطبيقا لأحكام الإسلام وروحه وحفاظاً على العهد وإبقاء على الروابط والوشائج وإفساحا للمزيد من خدمة الدعوة الإسلامية وتوجيه الإخوان لعدم تقبل مثل هذه الشائعات ـ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ـ وإن العمل المستمر والطويل للدكتور سعيد فى الخارج وعدم استطاعته دخول مصر قد أبعدته بالطبع عن المشاركة فى العمل الإخوانى فى الداخل وإن لم تبعده عن الهيئة أو العمل لمبادئها على أنه قد ارتؤى أن من خير العمل الإسلامى الدولى الذى يقوم به الدكتور سعيد أن يأخذ الصفة الدولية كما هو الشأن فى جميع المسؤولين عن هيئات دولية لعدم إثقال هذا العمل الدولى الإسلامى العام بخصوصية إخوانية، وتوضع الترتيبات التى تكفل استمرار وعمل المركز الإسلامى فى جنيف بصورة منهجية ومنظمة وتكفل له الموارد المعقولة اللازمة لذلك ويتم ذلك بمسعى إخوانى إن لم يكن بحكم الأخوة التى تربط الدكتور سعيد بالإخوان فباعتبار أن الإخوان هم أكبر هيئة إسلامية تسهم فى وضع هذه الترتيبات مع المنظمات الإسلامية التى يمكن أن تسهم فى الدعم المطلوب..

 

ويعد هذا بمثابة فتح صفحة جديدة وإغلاق الصفحات القديمة التى لا يثير العودة إليها إلا القيل والقال.. وستكسب الدعوة من هذا أن يكون لها منبر فى جنيف يستطيع أن يقول ما لا يمكن قوله فى ظل الحكومات التى تكمم الأفواه، ودون أن يكون بالضرورة أو من الناحية الرسمية محسوب عليهم بمعنى أن من الممكن أن يفيد الإخوان منه دون أن يحاسبوا على تصرفاته، فضلاً عما فيه من إبقاء على ضوء الأخوة والحفاظ على السابقة، والالتزام بالمثل والآداب الإسلامية.. وفقكم الله ورعاكم وجعلكم مفتاحا للخير ومغلاقا للشر ومتعكم بالصحة والعافية، ١٠ رمضان سنة ١٣٩٩هـ».

 

وفيما بعد كنت قد أهديت الأستاذ مصطفى مشهور بعد اختياره مرشدا بعض كتاباتى كعادتى مع من أعرف ممن شغل هذا المنصب كالأستاذ عمر التلمسانى، وكانت علاقتى بالأستاذ مصطفى مشهور علاقة عابرة إلى حد ما لأن هذه العلاقة لم تتوثق إلا مع المعروفين من جيل الأربعينيات وكان الأستاذ مصطفى مشهور من قيادات النظام الخاص الذين يؤثرون البعد عن الأضواء ولا يكثرون من التردد على المركز العام وكان الرجل كريما ومهذبا وأذكر أنى اتصلت به مرة أخرى لأبين له ضرورة إلمام القيادات النقابية الإخوانية التى تشغل مناصب القيادة فى النقابات المهنية لفنون التنظيم النقابى وإنى مستعد لتقديم الخبرة فى هذا بالطبع دون الانضام للجماعة، ورحب الرجل وأرسل إلى الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والأستاذ أبوالعلا ماضى فجاءا واستمعا إلى فكرتى ثم ذهبا ولم يعودا ولم يتصل بى أحد، وكنت أنتظر هذا لأنى أعلم أن فى الإخوان من لا يرحب بأى شىء يأتى من جمال البنا ولكنى كنت أريد إبراء الذمة.. وقد أرسلت إليه نسخة من كتاب «ما بعد الإخوان» وأذكر أنه أرسل ردا دبلوماسيا، أما الخطاب الذى أرسله إلى فقد ركز الحديث فيه عن بعض الملاحظات فى كتيبين هما «الإسلام وحرية الفكر.. والإسلام والحرية والعلمانية» وأهمية رده أنه يؤمن بالفكر التقليدى لحد الردة ويبنيه على الأسباب التقليدية نفسها ولكن يذكر له بالشكر استعداده للمناقشة ومن الجميل حقا أن يقول إن العلم رحم بين أهله وهذا نص الخطاب الذى أرسله إلى.

 

«السيد الفاضل الأستاذ جمال البنا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. فإنى أبارك لكم هذا الجهد فى مؤسسة الثقافة والإعلام الإسلامى وأرجو لكم التوفيق فى خدمة الإسلام والدفاع عن قضاياه، وأسأله سبحانه وتعالى أن ينتفع المسلمون ببحوثكم وجهودكم الطيبة ولقد وصلتنى باكورة عمل المؤسسة رسالة ـ إيماننا والإسلام والحرية والعلمانية ـ وقد حرصت على الاطلاع عليهما، وما فيهما من توجهات بعضها يحتاج إلى وقفات للتفاهم حولها وإنى لأرجو أن يكون قلمكم وجهدكم الوفير مركزا دائما على مواجهة العلمانيين والملحدين كاشفا عن كيدهم ضد الإسلام والمسلمين مدافعا عن دين الله وشريعته.. يقول الصحابى الجليل: حذيفة بن اليمان رضى الله عنه ـ كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى ـ والحديث رواه مسلم.. أخى الكريم جمال ما أحوجنا اليوم أن نسير على منهج هذا الصحابى الجليل فى الكشف عن الشر ومنابعه وبيان ما تموج به الساحة من أفكار ومذاهب ومناهج، خاصة فيما تحمله لنا الدعوات الهدامة التى تحمل لواءها الصهيوينة ودعاة الغزو الفكرى، الذين يحاولون القضاء على الأصالة وعلى تراثنا العظيم.. يجب كشف هذه المحاولات المغلقة بإطار يحاول أن يجعل ماضينا هو التأخر والتخلف والجمود بينما الماضى بالنسبة لنا رسالة ونبوة ونضال وكفاح وجهاد وعزة وإباء وقرآن وسـنة، لا يمكن أبدا أن يحكم عليه من كلام مرسل تافه لا دليل عليه إن معاول الهدامين قد تحطمت وإن كيدهم قد باء بالفشل، وإن تراثنا لا يمكن أن يوصف كله بالجمود، وليس كل الماضى تخلفا، وليس كل جديد تقدما وليست هناك أمة تحترم نفسها وتؤمن بكيانها ووجودها، تستطيع أبدا أن تتجاوز ماضيها وتضع بينها وبينه هذه الحواجز والسدود.. يا أخى: تستطيع إن شاء الله من خلال غيرتك على إسلامك ودينك أن تقف صامدا معنا فى مواجهة صيحات المضللين الذين يدعون المسلمين إلى أن يتخلصوا من كل ماضيهم وتراثهم وقيمهم، وأن تـلقى من خلال كتاباتك القيمة وبحوثك الضوء الكاشف على طريق الإسلام، خاصة وأنتم ترون الصحوة الإسلامية الراشدة، قد عزمت جادة على التماس الطريق المستقيم صراط الله ـ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ـ وليس بعد الحق إلا الضلال.. وإن أملى لكبير أن تؤدى جانبا من هذا الدور وأن تكون مؤسسة الثقافة مصدر خير وعطاء فإن طريق الحق وحده هو الطريق المعبد المذلل المضمون، أما طريق الباطل فهى مملوءة بالصخور والأهواء والضلال والمسلمون اليوم بكل المقاييس هم المؤهلون لدور الريادة،

 

ولقد انتهت حضارة الغرب والشرق وأفلست تماما وجاء دور المسلمين ليحملوا مرة أخرى أمانة الحضارة الحقة التى تنصف الإنسان وتحفظ حقوقه وكرامته ؛ لأنها حضارة ربانية رسمها القرآن وجاء بها الإسلام، حضارة نظيفة تكرم الإنسان تكرم الإنسان وترفع من شأنه وتحفظ خصائصه، ونحن نؤمن بأن الإسلام بأصالته وربانيته قد شكل نفسية ومزاج وعقل وذاتية هذه الأمة تشكيلا لم يعد فى إمكان بشر مخلوق أن يخرجها منه، وصدق الله العظيم إذ يقول ـ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ـ إن المدارس والفلسفات والمذاهب البشرية كلها تحاول أن تقيم قوميات وتضع حواجز فى كل البلاد العربية والإسلامية، وتحاول أن تحيى تواريخها القديمة السابقة للإسلام، ولقد سادت هذه الدعوات بقوة النفوذ الأجنبى، ولكنها عجزت أن تحقق شيئاً وهى محاولة لرد العرب والمسلمين إلى ماضيهم قبل الإسلام وحصر هذا الماضى فى دائرة الأثريات والمتاحف والمقابر وكل هذا ذهب أدراج الرياح ويبقى الدين الخاتم يعمل فى دفع الإنسان إلى الخير والحق وينبه على الخلق والنبل والصدق.. وهناك عدة حقائق نتذكرها سويا منها قولكم فى رسالة إيماننا ص ٧ ـ ونحن نرفض تماما دعاوى التكفير والردة ونكلها كلها إلى الله تعالى يفصل فيها يوم القيامة كما قرر القرآن وطبقته ممارسات الرسول ـ هذه القضية تحتاج إلى توضيح وبيان والإخوان هم الذين أعلنوا أنهم ـ دعاة وليسوا قضاة ـ والإمام الشهيد حسن البنا عليه الرضوان وضع القاعدة الدقيقة فى هذا الأمر فقال ـ لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض برأى أو معصية إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة أو كذب صريح القرآن أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر ـ (رسالة التعاليم).

 

إن الحركة الإسلامية تدرك تماما أن أعداء الإسلام استطاعوا أن يصرفوا المسلمين عن لباب دينهم ويلهوهم بالقشور الفارغة، وأن يدفعوهم مرة بعد الأخرى إلى البعد عن دينهم ورسالتهم واستطاعوا أن يوجدوا مجتمعات خالية من فضائل العقيدة وروابطها، والأمر يحتاج إلى جهد وإخلاص وتفـان فى خدمة أمتنا، وهذا ما دعانا الله إليه وصدق الله العظيم إذ يقول ـ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ـ حدة الردة: لا يخفى عليكم أن الردة تعنى الخروج عن الإسلام إلى الكفر قال الله تعالى ـ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ـ (البقرة: ٢١٧)،، وفى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى وأصحاب السـنن أن رسول الله قال ـ من بدّل دينه فاقتلوه ـ والردة جريمة فى حق الله ورسوله والمسلمين فإن الإنسان حين ينطق بالشهادتين معلنا إسلامه لرب العالمين يكون قد أقام مع الله سبحانه وتعالى عهدا وميثاق وعقد مع ربه عقدا وهذا العقد لم يجبره أحد عليه بل هو الذى ينشئه باختياره لأن قضية العقيدة فى الإسلام قضية اقتناع بعد البيان وليست قضية غصب أو إكراه، فإذا اختار الإنسان بكامل حريته عقد الإيمان وعهد الإسلام فهل يجوز له أن ينقض ذلك العقد؟ أو يخون العهد الذى عاهد الله سبحانه؟ وهل نجيز له التلاعب بالإسلام تحت حجة حرية الفكر أو إعمال العقل أو مراجعة النفس؟ أليس غريبا أن نضفى من القداسة والاحترام ونؤكد وجوب الوفاء والالتزام بعقد أو عهد مع بشر حرا مختارا، دونما أى إكراه؟.

 

إن حالة المرتد عن الإسلام من شأنها أن تحدث خللا فى المجتمع وهى طريق ماكر لئيم حذرنا الحق تبارك وتعالى منها فقال ـ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِى أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ـ (آل عمران: ٧٢).

 

أخى الفاضل: أما الرسالة الثانية «الإسلام والحرية والعلمانية» فحولها أيضا وقفات تحتاج إلى مراجعة، وإنى أرحب بلقاء نتدارس فيه هذه الجوانب فالعلم رحم بين أهله.. وفقنا ووفقكم الله لخدمة الإسلام والمسلمين.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مصطفى مشهور.