إسرائيل بانتظار الرئيس الأميركي المقبل
تاريخ النشر : 2014-04-08 12:15

المأزق أميركي - إسرائيلي لكن الفلسطينيين هم الذين يعانون منه، أما طرفاه فيتعاملان معه باعتباره خلافاً سطحياً بينهما. مرّ هذا المأزق بمراحل توتر بلغت ببنيامين نتنياهو حدّ تحدي أوباما وتهديده بـ"اللوبي اليهودي" والتأييد العلني لمنافسه في الانتخابات الرئاسية. وفي الشهور الأخيرة ترك نتنياهو لوزرائه مهمة مغالطة جون كيري وإهانته لثنيه عن متابعة مساعيه والاهتمام بشؤون أخرى، ما عنى بوضوح أن لا استعداد ولا إرادة لدى إسرائيل للنظر جدياً في أي اقتراحات للتسوية، لا تكون نسخة طبق الأصل عن الأفكار التي يطرحونها ويتوقعون من الجانب الأميركي أن يتبنّاها ويروّج لها.
نقل نتنياهو السياسة الإسرائيلية إلى الحلقة المتوقعة، أياً يكون الرئيس في البيت الأبيض، وهي مواجهة ضغط الحليف الأكبر للحصول على "سلام" في الشرق الأوسط. بل عطّل دبلوماسية واشنطن حين تبلور لديها اقتناع بأن ثمة حاجة إلى هذا السلام، حتى العداء المعلن لإيران، التي تعتبرها إسرائيل الخطر الأول عليها، لا يدفعها إلى قبول المنطق الأميركي بأن إنهاء التأزيم مع العرب يساعد في الضغط على إيران، إذ إن ائتلاف المتطرفين في حكومة إسرائيل يعتبر أنه بمشاركة فعلية للولايات المتحدة يمكن الانتصار على الاثنين معاً، العرب وإيران. وهذا ممكن نظرياً، وباحتساب القوة النارية فحسب، لكنه يقترح سيناريو ينتمي بلغة السياسة والاستراتيجية إلى عصر غابر، مثلما يقال الآن عن محاولة روسيا ابتلاع أوكرانيا بأنها نتاج عقلية من القرون الوسطى.
في مقابل المآخذ الراهنة على أوباما بأن ضعفه وتردده ونهجه غير التقليدي (غير العسكري) في السياسة الأميركية أعاد الدبّ الروسي إلى بدائيته وأدّى إلى إطالة المآسي في سوريا والعراق، وقد تعيد أفغانستان إلى كنف "طالبان"، فإنه لدى الإسرائيليين المآخذ نفسها عليه لأنه يعوّق في ظنّهم ضرب إيران ويدير تراجعاً لمكانة أميركا وصورتها، ومع ذلك يريد تغطية هذا التراجع بتحقيق "انتصار" دبلوماسي في قضية الشرق الأوسط. وإذ يؤكد كل التحليلات في تقييمها للتحالف الأميركي - الإسرائيلي أنه لم يتغيّر ولا يزال فاعلاً في مختلف مجالاته العسكرية والأمنية والسياسية، إلا أنها تشير إلى خلاف بشأن إيران رغم أن أزمة البرنامج النووي تُعالج في إطار دولي واسع. أما لماذا تتعمّد هذه التحليلات التقليل من التعارض حول فلسطين أو تتجاهله، رغم أنه بات عنوان الفشل الأكبر لإدارة أوباما، فله تفسير واحد: لا خلاف استراتيجياً حول قضية فقدت أميركياً وإسرائيلياً أولويتها الاستراتيجية.
يشير الإصرار الأميركي على الشروع في حل للصراع إلى أن واشنطن تريد استكمال خطوات تخفّفها من ملفات المنطقة، قبل أن تبدأ تركيز سياساتها على الشرق الأقصى. وإذ تتطلع إسرائيل إلى الاستفادة أيضاً من هذا التوجه الأميركي إلا أنها تمانع في إنهاء الصراع مع الفلسطينيين والعرب "على حسابها"، فلا تعترف بحلول متوازنة ولا بتفكيك للاحتلال، ولا بحقوق للشعب الفلسطيني وإنما تنظر فيما تستطيع "تقديمه" من دون أن تتنازل عن أي شيء. ما يساعدها في ذلك أن الانقسام الفلسطيني يزداد كل يوم تعقيداً ويعصى أكثر فأكثر على مشاريع المصالحات، وأن العرب خرجوا تلقائياً من معادلة الصراع وسينشغلون بتحوّلات كبرى لعشرين سنة آتية، وأنها في غضون ذلك ستكون قد تعمّقت في اختراقهم وتطويع أوضاعهم. ولذلك فلا داعي إلى استعجال أي حلٍّ الآن، وإذا أرادت أميركا أن تساعد فما عليها سوى أن تضغط على الفلسطينيين والعرب لينسوا "حلّ الدولتين" ويأخذوا بتسوية قوامها "مناطق إدارة ذاتية" تتحكّم إسرائيل نفسها بنموها وتطوّر الحياة فيها، أي مجرد تثبيت للوضع الراهن مع تطبيق لاقتراح "السلام الاقتصادي" الذي يعتبره نتنياهو حلّه "السحري".
لم يعد العرب يراهنون على إدارة أوباما ولم يعملوا لإيجاد خيارات أخرى، كما لم يعوّضوا تخلّيهم عن خيار الحرب بـ "حرب دبلوماسية" فاعلة دعماً للفلسطينيين. أما إسرائيل فتبدّد مساعي كيري وتنتظر الرئيس الأميركي المقبل علّه يكون "أكثر جرأة" في تخطّي ما يسمى "عملية السلام" وشروطها طالما أنها فعلت كل ما يلزم لقتلها، لتفتح عندئذ صفحة الحلول الجراحية المبتكرة لتصفية نهائية للقضية الفلسطينية.
عن الاتحاد الاماراتية