الربيع العربي يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط
تاريخ النشر : 2014-04-08 02:31

في ظل ما تشهده المنطقة العربية من حراك وتحولات وتغيرات في المشهد والواقع العربي، هي مقدمة للفوضى الخلاقة وجاءت باسم « الربيع العربي » تبنتها الإدارة الأمريكية ضمن سياق مخططات أمريكية تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، والعمل على تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد فكانت الثورات العربية أو الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت عدداً من البلدان العربية خلال السنوات القليلة الماضية ، والتي اصطلح على تسميتها إعلامياً بالربيع العربي كانت بمثابة هزة عنيفة زعزعت كيانات الأنظمة السياسية في المنطقة، حيث تدحرجت كرة اللهب من بلد إلى أخر رافضة حالة الاحتقان والتهميش لعدة عقود من الزمن فبدأتها بثورة الياسمين في تونس وانتشرت إلى البلدان الأخرى لتدخل هذه الكرة الملتهبة إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين وصولاً إلى سوريا حيث أن الحراك الشعبي يحمل في طياته الكثير من الفوضى وعدم وجود هدف لهذا الحراك الذي كان محوره يدور فقط على إسقاط رأس النظام الذي استمر بالحكم لعقود طويلة وتفكيك عدد من المؤسسات المرتبطة به , استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الحالة الدائرة في الشرق الأوسط وكانت تعمل بازدواجية لحماية مصالحها في المنطقة وضمان تدفق مصالحها البترو دولاريه في المنطقة وبدأت بتوظيف مشروعها التي أعلن عنه إدارة بوش الابن في 2004 م وصرحت فيه رسميا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس عقب حرب لبنان 2006 م ببداية شرق أوسط جديد في المنطقة لتغير ورسم خريطة جديدة للشرق الأوسط التي جاءت منسجمة ومتوافقة إلى حد كبير مع هذا الربيع الذي يهدف إلى تحويل المنطقة العربية وتقسيمها وتفتيتها إلى دويلات وكانتونات حسب الطائفة والعرق والدين والمذهب وذكر تقرير أمريكي جاء بعنوان ( خريطة الدم ) الذي حدد ملامح جديدة لخريطة شرق أوسط جديد، مفترضا أن الحدود بين الدول غير مكتملة وغير نهائية، خصوصا في الشرق الأوسط الملتهب والمتوتر منذ عقود، وهى الحدود التي شكلها الفرنسيون والبريطانيون باتفاقية سايكس بيكو 1916م في أوائل القرن العشرين، إذن الرؤية الجديدة لإعادة ترسيم بلدان الشرق الأوسط لا تقوم على أساس خرائط معدة مسبقا بل أعدت على أساس وقائع ديموجرافية كالدين والقومية والمذهبية لكي يسهل تفتيت بلدان الشرق الأوسط لتكون البلدان الجديدة متجانسة في الداخل على المستوى العرقي والديني والمذهبي، ويسهل إشعال فتيل الاختلاف والتناحر المذهبي والطائفي بينها وبين جيرانها لأقل الأسباب , الأمر الذي سيضمن الحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة، والحيلولة دون قيام كيان كبير وقوى في المنطقة يهدد أمن ووجود إسرائيل. فكان الربيع العربي ضالتهم لتنفيذ مخططاتهم التي أصبحت نقطة بداية جديدة تؤرخ لزمن جديد في منطقة الشرق الأوسط حيث بدأ الربيع العربي بحلم الديمقراطية والتنمية إلا أن البوصلة قد انحرفت وتحولت إلى خريف التطرف والإقصاء وبأدوات جديدة أمريكية هدفها تركيع الأنظمة وتوظيف الخلافات الحدودية والتباينات الطبقية والمذهبية في المجتمع لتصل إلى حالة انشقاقات سياسية ذات آلية مدمرة تتيح للقوى الاستعمارية فرصة التدخل وإدارة الصراع وبث الفوضى كخيار بديل للاستقرار بما يخدم مصالحها الخاصة والذي أكده ( مايكل ليدن ) احد أعلام المحافظين الجدد قوله " إن التدمير هو وصفتنا المركزية، وإن الوقت قد حان لكي يتم تصدير الثورة الاجتماعية من أجل صوغ شرق أوسط جديد عبر تغيير ليس النظم فقط بل الجغرافيا السياسية. ومن النظريات والدلائل الأخرى التي يسعى الغرب إلى رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وهي النظرية التي استخدمها جورج بوش الابن " نظرية الفوضى البناءة " والتي تنص : - تفكيك النظام الإقليمي العربي من خلال سياسة المحاور مع أمريكا أو ضده . - وضع النظم في حالة قلق مستمر وتهديدها بالتغيير .

ان الولايات المتحدة والدول المستعمرة لها دور ومؤثر في تحريك الشارع العربي وإحداث تغييرات فيه والدليل على دلك أيضا ما ذكره موقع ويكليكس " أن الولايات المتحدة الأمريكية دفعت ملايين الدولارات إلى منظمات تدعم الديمقراطية في مصر وتعليم وتدريب الشباب المصري على الديمقراطية والتنظيم السياسي " كل هذه الوثائق كانت خير برهان لإدانة الولايات المتحدة ومحاولتها لرسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط .

إن ما نراه على ارض الواقع من حيثيات ومآلات للثورات الربيع العربي إنما هو مخطط له علما أن بداية الثورة لم يكن احد يتوقع قيام هذه الثورات التي كانت بمنأى عن حدوثها وانهيار أنظمتها ولكن الواضح إن الأحداث التي بدأت في الربيع العربي خرجت عن مطالبها الرئيسية المتمثلة بتحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق المساواة الاجتماعية والقضاء على الفساد ووجود أيديولوجية جديدة تخدم الوطن والمواطن وتحقيق دولة ديمقراطية منشودة حسب الأسس الصحيحة . كل هذه المطالب تبعثرت وانهارت وتلاشت بفعل الصد الغربي وهشاشة الثورات التي لم تقدم شيئا ملموس على ارض الواقع .

إن البلدان التي حدثت فيها الانتفاضات والحراك الشعبي لم تولد سوى مناكفات وصراعات على السلطة ومخطط لتقسيمها لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط ونذكر منها : - العراق وهو النموذج الأعلى للفوضى والذي يحكمه حكم طائفي ومحاصصة سياسية ستنتهي إلى فدرالية تحتوي على دويلات ( سنية , شيعية , كردية ) .

- تونس التي سقط فيها حكم زين العابدين وعرفت ثورتهم بثورة الياسمين حيث تعيش في حالة من التناقض الصارخ بين نظام حكم يؤسس لحكم " إسلامي " في مجتمع يتميز عن غيره من المجتمعات العربية بأنه أكثر انفتاحاً وحداثة .

- مصر التي أسقطت رأس النظام حسني مبارك في يناير 2011 م وحيث أدت ثورة مصر إلى إسقاط ثلاث أنظمة متتالية منذ بداية الحراك الشعبي ومن بعدها تحولت مصر إلى ساحة صراع بين الليبراليين والإسلاميين وبين المسلمين والأقباط والتي تهدد مصر إلى انقسامات داخلية ونزاعات طائفية التي كشف عنها المجلس العسكري بتعرض البلاد إلى تقسيم مصر ثلاث دويلات على النحو التالي ( دولة النوبة , دولة قبطية , دولة إسلامية ) وكان هذا مخطط لرسم خريطة الشرق الأوسط من جديد عن طريق الوقيعة بين الشعب والجيش لإغراق البلاد في فوضى خلاقة والتأثير على الحالة الاقتصادية والاجتماعية , والوقيعة أيضا بين الأقباط والمسلمين لزعزعة استقرار البلاد كل هذه الأهداف كانت مخطط لها لتقسيم مصر إلى دويلات

- ليبيا والتي سقط فيها حكم العقيد معمر القدافي بمساعدة حلف الناتو الذي ضرب ليبيا بالقوة وسلح المعارضة لإسقاط معمر القذافي الذي أراح الشعب منه , لم يكن هدف الغرب هو إسقاط النظام بصوره أساسية بل تدخلهم الأساسي كان لنهب خيرات ليبيا النفطية وإدخال الشعب الليبي في آتون حروب أهلية بين المؤدين للنظام السابق والمعارضين له وفي النهاية تجزئة ليبيا وتقسيماها وتحويلها إلى دولة مليشيات مسلحة منقسمة على نفسها .

- سوريا وهي الدولة التي لم تسقط حتى هذه اللحظة منذ بداية الحراك الشعبي فهي ستحدد مستقبل المنطقة برمتها بسبب موقعها الاستراتيجي كحلقة وصل بين الدول المنتجة للنفط والغاز وموانئ تصديرها على البحر المتوسط يجعلها لتكون قاعدة لتهديد هذه الدول أو تكون خط دفاعي عنها مما يجبر مالكي النفط وحلفائهم وخصومهم على الصراع لسيطرة على سوريا لتخدم استراتيجيات خاصة بهم وهذا ما يفسره الصراع والحرب الأهلية الدائرة والمستمرة بين النظام المتمثل في الأسد والمعارضين والأحزاب الإسلامية المتطرفة التي أوجدتها دول إقليمية ودولية لإضعاف وإسقاط نظام الأسد وهذا ليس الهدف الرئيسي كما أسلفنا وإنما هو إحداث دويلات أخرى داخل سوريا واستقطاع أجزاء منها لصالح دول أخرى والسيطرة عليها , و التقسيم المخطط لسوريا معد على النحو التالي( دويلة علوية في منطقة الساحل ودويلة حلب السنية ودمشق السنية ثم دويلة درزية في الجنوب ) .

إلا أن القضية السورية شائكة بسبب وجود معسكرين الأول يمثله كل من إيران والصين وروسيا المتعاطف مع النظام السوري " الرئيس بشار الأسد " المعسكر الثاني يمثله كل من تركيا والدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة والمتعاطف مع الشعب السوري .

إلا أن الوضع في سوريا أثبت للعالم أنها ذات وزن سياسي بفضل التحالف المذكور ووجود روسيا في الشرق الأوسط غير المعادلة في المنطقة برمتها من حيث النفوذ الروسي الذي ترك بصمة على خريطة الشرق الأوسط .

إذن نستنتج أن ثورات الربيع العربي ساعدت على رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد بالأتي : - وجود خريطة ومشروع طريق عسكرية بريطانية – أمريكية – إسرائيلية , في الشرق الأوسط لخلق نوع من عدم الاستقرار والفوضى والعنف يمتد من لبنان إلى فلسطين وسوريا والعراق والخليج العربي وإيران وصولا إلى حدود أفغانستان الشرقية والشمالية , مرورا بدول شمال أفريقيا بإصدار سايكس بيكو 2 المعدلة على الاتفاقية الأولى بما يتناسب مع المصالح الأمريكية الصهيونية. - تكريس واقع التحالفات والولاءات التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط التي من شأنها إحداث تغيرات على خريطة الشرق الأوسط كتحالفات عربية عربية مثل ( مصر والإمارات والسعودية والبحرين ) كحلف موحد, وأيضا خلقت أحلاف دولية وإقليمية مثل ( سوريا وروسيا وإيران ) ووجود حلف إقليمي مضاد لهده الأحلاف المتمثلة ( قطر وتركيا ) ومن شأن هذه الأحلاف خلق تكتلات في الشرق الأوسط وانقسامات داخلية تقود على رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد .

- بروز الأطماع السياسية الإيرانية والتركية والممنهجة التي تسعى للسيطرة على المنطقة العربية ولعب دور مركزي في مختلف القضايا وتوسيع نفوذ سيطرتهما وحلمهم بقيادة الشرق الأوسط .