صعود ثلاثية الشعب و الدولة و الإحزاب
تاريخ النشر : 2014-04-07 16:31

في عالمنا العربي على الاقل ينقسم قادة الاحزاب و التيارات الفكرية الى قسمين رئيسيين لا ثالث لهما احدهما مستثمر مالي يسعى الى تعزيز نفوذه و سلطته في الوطن الذي يمثل له مجرد اقليم و بيئة مستهدفة لزيادة ارباحه التي سيكون من الاسهل مضاعفتها لو زادت سيطرة هذا الفرد سياسيا مما يسمح له التفرد و التكسب بمشاريع هذا الاقليم و فرض اسعاره الخيالية المبالغ بها بسرقة ملتفة و ملتوية. أما الجزء الاخر من قادة الاحزاب فهم المثقفون و الحالمون و الذين يعتقدون "اعتقادا" انهم يحملون مشاريع و هموم كبيرة و بالنهايه يندمج هذان القسمان ليشكلان وجها واحدا يتطابق بالاسلوب و الطرق العمليه المنفعية. لأن كلا من الطرفين سيتبعون سياسة التفرد و يتخذون من الشعارات الكبيرة وسيلة للوصول الى قلوب الجماهير و سيتخذون اي وسيلة اخرى سواء بدفع الاموال او الحملات الدعائية. ولا نستطيع القول ان هذين الطرفين يختلفان في المبدأ بقدر اختلافهما في أصول التكوين. فالمثقف الحالم لوثت اكاديميته بخليط من اليأس من الواقع و عدم الثقة بالمحيط و عدم وجود أي برنامج حزبي عملي ابداعي يعالج و يحقق الاحلام التي يسعى اليها بالاضافة الى استبداله هذه البرامج الضرورية بخبرات اجتماعية للتعامل مع الشارع بتعقيداته و بطرق غير اخلاقية لتمرير طموحه الذي يزيد من مكانته السياسية دون اعتبار أصول المباديء التي أرادها بالبداية و دون وجود حلول عمليه للمجتمع ليصبح غرضه بالنهاية متطابقا مع اصحاب الاستثمارات و الباحثين عن الربح الضخم من خلال السيطرة و القوة السياسية.

لهذا تنتشر منظومة اليأس ليس فقط داخل الاحزاب بل الى أفراد الشعب كافة كما هو حاصل في أوطاننا في كل مكان ليترافق معها السعي الحثيث نحو المنفعة السريعة المادية و اللامبدئية المجتمعية وتقزز ابناء الاحزاب بسبب سطحيتهم من الشعوب و ممارساتها مقابل تقزز و استسخاف الشعوب للاحزاب و هياكلها و ابنائها بسبب نفس منظومة اليأس المجتمعي في معادلة صعبة يصبح عندها بناء حزب قوي فعال امرا صعبا جدا بتداخل اخطاء طرفي المعادلة من قيادة الاحزاب من جهة و من الشعب من جهة اخرى لينتج بالنهاية مخلوق مشوه خالطته الاشعاعات سمته الراديكالية و الشعارات الكاذبة من قبل قيادة الاحزاب و المنفعة و الترزق المادي السريع من قبل أفراد الشعب او الذين وافقو على التبعية لهذا الحزب و بين الطرفين ينتشر الكسل و الاكتفاء بهذه الشعارات لتصبح السيطرة من قبل القيادة هدفا بحد ذاته دون الحاجة الى البحث عن حلول تطبيقية لمشاكل المجتمع من ناحية. و من ناحية الشعب يصبح الكسل منهجا يعزز و يزيد من حجم التشوهات في المخلوق الجديد فيصبح الكسل حافزا للشعب لعدم مناقشة البرامج الحزبية و الاكتفاء بشعارات هذه البرامج و الرضى عنها و اعتبار اطلاق الشعارات بحد ذاتها فعلا وطنيا او دينيا مشرفا او وقفة حق تميز هذه الحزب عن غيره بوقفة راديكالية كاذبة تبهج النفوس و تعزز هذا الكسل ليتطور هذا التشوه الى الامل الكاذب و القبول بالمظاهر الى الحدية في التفريق بين الحزب و بقية الشعب في نظرة استعلائية بنيت على هذه المنظومة المنفعية الشعاراتية الكاذبة.

ان التداخل و التفاعل بين هذه الاطراف الثلاثة اضف الى ذلك توائم هذه الاطراف و توائم هذه الاهداف و لكن على المستويات الاكثر نفوذا سواء بين الاطراف الدولية و\أو اجهزة الدولة نفسها و لنفس الغايات المنفعية و الشخصية يزيد تعقيد هذه المعادلات ليصبح هناك مجموعات حزبية مقبولة و مرحب بها من قبل اجهزة الدولة او الدول المؤثرة الطامعه وأحزاب اخرى غير مقبولة ولا يستحسن بقاؤها و كنيجة الذي تنشأ جسور من الدعم المالي و السياسي للاحزاب المقبولة سواء بشكل علني او بشكل سري. و حيث أن الاساس الذي اسست عليه هذه الاحزاب خاطيء و غير انساني ولا اخلاقي و يعتمد على واقعية مجردة من اي اهداف او مباديء غير المنفعة المادية و السلطة فإن الاطراف الكبيرة المسيطرة سواء من اجهزة دولة او دول بعينها يسهل عليها التحكم و التلاعب بهذه الاحزاب و استخدامها و اضعافها بل و ضربها ببعضها و تقويتها و اضعافها في أي وقت و اظهارها معارضة فدائية مخلصو أمام الشعب أو اظهارها عميلة غير نظيفة و طمس معالمها و معالم افرادها و بمهمة سهلة أمام الشعوب التي تمر بنفس حالة الاحزاب من اليأس كحالة و التنفع كوسيلة و غاية و الكسل و الفقر و تقازم الاحلام كنتيجة.

قد يكون هذا الواقع الاسود جميلا و مثاليا لقادة الاحزاب او المجموعات السياسية و للدولة الرسمية و اجهزتها و قيادتها و ايضا للدول الكبيرة الاستعمارية المسيطرة. ولكن الاستمرارية في هذا الانحدار سيكون له نتيجة عكسية بالنهاية على المصالح الخاصة لهذه المجموعات. فهذه المصالح تتقزم أمام رغبات الدول الكبيرة و التي لا تتضمن خدمة الاجندات الشخصية لقيادات الدول المتوسطة و الصغيرة ولا لقادة الاحزاب. فتحولهم الى اداة يبشر منذ البداية الى امكانية استبدالهم في اية لحظة تغير الدول الكبرى مخططها و مثال على هذا النظام المصري او الليبي او التونسي. من ناحية اخرى فان الحتمية تقود بطياتها و كنتيجة للتطور العلمي المتسارع تحديات كبيرة و تعزز مواقع افراد الشعب ان كان اعلاميا او توعويا او ثقافيا مما يعرض مواقع الافراد المسيطرين محليا و اقليميا للاهتزاز و على غير ما يحبون لتزداد مطالب الشعب بافراده و تزداد حالات التميز و التمايز و لتزداد ادارة المجتمع او الدولة صعوبة كما تتحجم سيطرة قيادات الاحزاب على افرادهم و هي ظاهرة مستحدثة نسبيا يفرضها التقدم العلمي و الانفتاح الفكري الاجباري و تختلف عن مناهج الفلسفة و السيطرة القديمة الامر الذي يستوجب استحداث حلول اكثر عدلا و اقل شخصنة لمصلحة انحسار التمايزات الشخصية ذات الطابع النفعي و الغايات الفردية الخالصة الى نوع من المشاركة سواء كان استرضاء او قبولا على مضض للواقع من قبل كل مجموعات السيطرة انفة الذكر.

ان الصيغة التهدمية التي تسير اليها مجتمعاتنا العربية و التي تظهر لنا بشكل ثورات او قبائليه و عرقية و عنصرية و انحلال لمفهوم المجتمع المدني و الاحتراب الدموي ما هي الا نتائج الاستمرار على النهج نفسه دون التوصل الى حلول تضمن استمرارا آمنا لأي نظام سيطرة،و نستطيع ان نستثني اللاعبين الاستعماريين الكبار الذين قد يروق لهم تفتيت المجتمعات المستهدفة و اضعافها بهدف ضرب الداخل بالداخل و الحصول على الثروات بشكل مجاني او لتمرير اتفاقيات التجارة الخاسرة. اما بالنسبة للاعبين المحليين سواء كانو اجهزة الدولة او شخوص الاحزاب او قيادات مجتمعية فإن مراكزها بالمجمل تتعرض للتهديد الطبيعي نتيجة هذا التطور و يصبح الجميع خاسرا في المجتمع بكافة أطيافه كما يحدث في سوريا حاليا ...و التي على عكس ما يعتقد البعض فيها مجتمع مدني متجانس اكثر بكثير من المجتمعات المحيطة و التي لم يدفعها بعد التدهور الطبيعي الى نفس الحالة او حتى اسوأ.

لهذا فإن استباق هذا التطور بخطوات بطيئة و غير ذات صلة بنفس الوقت سيكون له تأثير سلبي على هذا التدهور و إن بدا في البداية أنه يعمل عمله الايجابي. إن ترافق اللافعالية و بطيء الاجراءات يؤدي بشكل مؤقت الى حالة التخدير قصير الأمد و ان الوصول الى حلول مجتزئة تقوم على التصالح مع أفراد ممن الاحزاب نفسها ذات نفس القيم التي تدور حول ثروة و شخص و سلطة قائدها مترافقة مع عدم وجود أي حلول أخرى سيؤدي إلى امتلاء فترة التخدير هذه بعمليات الشحن البطيئة و التهيئة لأجواء التعصب الشديد على اليمين و على اليسار و بين القاعدة الشعبية و قيادة الهرم سواء بين قيادة الحزب و قاعدته أو قيادة الدولة و الشعب. ان أجواء التخدير التي لا توجد بها حلول جذرية ستؤدي إلى خلق الوعي الملتوي المؤدي بنتيجة عامة الى السير في الطريق الانقراضي بما يحمله من تشددات طائفية حزبية او تشدد بين اجهزة الدولة و الاحزاب و الشعب و يزيد من تنامي الكره و تفتت المجتمع الامر الذي يؤدي بالنهاية الى كوارث انسانية قد تكون مكلفة حتى للدول الاستعمارية الكبيرة التي قد لا توافق على هذا الانحدار إلاً أذا كان لديها رغبة مكتومة في تخفيض عدد السكان، لأنه و بعد التفتت والاحتراب يصبح تفتت مجتمع الدولة الصغيرة او المتوسطة مكلفا اقتصاديا و امنيا حتى للدول الاستعمارية الكبيرة.

لهذا يجب البدء بالتفكير على النطاق المحلي لطرح الحلول للمعضلة الاجتماعية القادمة و التي سببها الانحدار الانساني لدينا بقصد او دون قصد و يبدو ان الحلول المحلية هي فاتحة البداية فالدول الاستعمارية الكبيرة لن تقبل على الاغلب ان تنصاع لمخطط اجتماعي محلي دون تخطيط و ادارة مسبقة من طرفها لكي يكون متوافقا منذ البداية مع مطامحها في سرقة الموارد و اخذ الثروات باسعار اقل و بمعدل ربحية كبير.

ان التداخل بين الفردية او الحرية الفردية مع الطموح الفردي المنفعي و انعكاساته على الاحزاب او الاجهزة التي تبنى من اجل فرد بعينه هو عين الكارثة. و ان انحدارنا او سقوطنا القادم يتطلب من المثقف استعلائية أقل و بحثا أقل كسلا عن الحلول و من صاحب المنفعة او المال و يقود الحزب أن يكون أكثر صبرا على استثمارته و يدع الفرصة لحلول اكثر كلفة من ناحية الوقت و المال ليصل الى نتيجة افضل من الخط المستقيم الكارثي الذي يسير نحوه و بنفس الوقت فان أجهزة الدولة يجب أن تكون اكثر حكمة و ذكاء و تضع خلفها الاستراتيجيات القديمة من ضرب الاحزاب بالاحزاب و التحكم بمأكل و مشرب و منام أفراد المجتمع بعمومه و أعيانه من مفكرين و منتفعين.

يجب الدفع و بشكل طبيعي إلى تعزيز الحرية الفردية و بدل المحاولات الفاشلة لتشتيت الوعي الشعبي او ابطائه او تحويره الى تعصبات يجب تعزيز الدفع نحو التنوع الذي لا يتم سوى بفتح الحرية الفكرية كامله كتمهيد لخطوات متلاحقة. من ناحية أخرى فإن الاحزاب لها القدرة على البدء بقواعدها لاجتماعية و التوافق على برنامج تقدمي يخدم مجمل المجتمع و يمنعه من الانحدار الاحترابي بوضع برنامج تشترك فيه الدولة نفسها يكون اساسه تعزيز الابداع الفردي الي بالامكان استنهاضه عن طريق الغاء مبدأ القيادة الفردي و عن طريق التدوير المتكرر للقيادة بين الافراد و الاعمار المترافق انشاء نظام رقابي لكل حزب يكون شفافا و الذي لا يمكن السيطرة عليه من قبل شخص بعينه نتيجة التدوير المستمر للقيادة. ان البدء باجراء كهذا يكون مقدمة و توطئة لاستيعاب الوعي المجتمعي و تشكيله في البرامج الايجابية بدل التحشيد القبلي او الطائفي و بنفس الوقت يشكل اشتراك اجهزة الدولة بشكل علني و دون خيوط تحكم خفية رسائل تلاحمية واقعية بعيدة عن الشعارات الراديكالية .

بمجمل القضية فأن هناك فوارق بين المسؤولية و القدرة من ناحية و بين صناعة القرار و صناعة الحدث، فالتطور المجتمعي الطبيعي و الذي هو بشكله الحالي متدهور يسرق و سيسرق صناعة القرار من مسؤولي الاحزاب الافراد او من اجهزة الدولة و ان ارضاء الاطراف او الافراد التي على رؤوس الاهرام او تغييبها او ضربها ببعضها لن يوقف او يغير هذا التوجه. من ناحية أخرى فإن المسؤولية كانت و ستبقى متلازمة "لمسؤوول" الحزب أو صاحب الاستثمار الاقتصادي أو أجهزة الدولة لأنها لديهم في الوقت الحالي القدرة المؤقتة على تغيير المسار و ايقاف سرقة القرار من اللاأحد الفوضوي الدموي القادم. لهذا يجب أن تكون الحلول المطبقة أكثر واقعية و أبعد نظرا و جذرية تغير بناء المجتمع المتهالك و المتراكم. و يجب في كل الاحوال بناء هياكل مجتمعية ووحدات سياسية اقتصادية تستطيع ان تعزز ابداعية الحلول من مصادرها الفردية دون استبداد المطلق الفردي على رأس الهرم، و بلغة تصالحية بين المثقف المتقزز و المتنفع الانتهازي أو الواقعي الحزبي و بين اجهزة الدولة و نظام سيطرتها من ناحية و بين الشعب و المجتمع باليد الاخرى.