في كل ربع قرن مرحلة جديدة
تاريخ النشر : 2014-04-05 00:38

يمثل توقيع الرئيس محمود عباس على خمسة عشر اتفاقية دولية الخطوة الأولى لتجسيم "الاعتراف الدولي الضمني" بدولة فلسطين، وهي خطوة هامة على طريق تحويل قواعد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من نزاع على اراضي الى انهاء الاحتلال لأرضي دولة مما يغير بالضرورة من قواعد أية مفاوضات مستقبلية.
هذه الخطوة، على صغرها، تحتاج لثلاث خطوات أخرى لتكون ذات جدوى أو لتأسيس قواعد اللعبة في المرحلة الجديد هي، أولا: دعوة الحكومة السويسرية لمؤتمر الدول الضامنة لاتفاقيات جنيف الاربعة لإقرار انطباقها على الارضي الفلسطينية ما يجسد بذلك القرار الفلسطيني بالتوقيع عليها. وثانيا: وجود استراتيجية فلسطينية واضحة المعالم لعملية الانضمام لمؤسسات الأمم المتحدة واتفاقياتها بشكل متدرج ومتصاعد وفقا لأوليات العمل الوطني والقدرة على الايفاء بمتطلبات والتزامات تلك الاتفاقيات والمعاهدات والمؤسسات الدولية. وثالثا: وضع استراتيجية اعلامية لمخاطبة الجمهور الغربي والأمريكي بلغةٍ ومنطقٍ يفهمها قادرة على ايصال الرؤية الفلسطينية بعناية لمواجهة الرواية الاسرائيلية في تحميل مسؤولية الفشل.
دون ذلك تبقى الخطوة الفلسطينية الأخيرة قفزة في الهواء قابلة للتراجع عنها، أو الانقضاض عليها، أو إفقادها أهميتها، أو خسارة الفائدة منها، وتكون دون جدوى في المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي خاصة ان الاحتلال الاسرائيلي قادر على تكريس وجوده في الاراضي الفلسطينية بالقوة العسكرية من ناحية وقادر على تدليس الرواية وتحميل المسؤولية للجانب الفلسطينية. وهي لديها أدوات كبيرة للضغط على الجانب الفلسطيني قد تشهرها جميعها أو بعضها في معاقبة السلطة الفلسطينية سواء بوقف تحويل اموال "المقاصة"، أو تعطيل الحركة التجارية، أو محاصرة مناطق السلطة الفلسطينية، وزيادة وتيرة الاستيطان، وتغولها في مدينة القدس لاستكمال التهويد، ناهيك عن الاقتحامات والاعتقالات والقتل وزيادة العنف ضد الشعب الفلسطيني وأرضيه.
فالحق وحده غير كاف لكسب التأييد الدولي انما يحتاج الى الفعل والقوة والقدرة على الاقناع بأدوات فاعلة وذات مصداقية. فكل مرحلة تحتاج لرجالها ونسائها دون التقليل من السابقين أو القادرين على اعادة التدوير، ولكل مرحلة أدواتها النضالية وأشكالها ومساراتها لكن المرحلة المقبلة بحاجة الى تناغم العمل والمسارات ضمن اتفاق وطني وبرنامج وطني يعظم مكان القوة ويقلل من الخسائر المفترضة.

فالتناغم هنا ما بين مسارات الفعل النضالي المختلفة المتمثلة بتكريس أمر واقع على المستوى الدولي بالانضمام الى المعاهدات الدولية والمؤسسات الدولية، وتفعيل المقاومة الشعبية بما فيها أو على رأسها المقاطعة الشاملة للاقتصاد الاسرائيلي، وتعزيز حركة المقاطعة الدولية للحكومة الاسرائيلية ومستوطناتها، اختراق "التواصل" المجتمع الاسرائيلي لتعظيم الحركة الاسرائيلية المناهضة للاحتلال، واستثمار قدرة أو حالة "الردع" لصواريخ قطاع غزة، باعتبارها مكامن قوة يمكن الارتكاز اليها في أي عملية تفاوضية مستقبلية مع الاحتلال الاسرائيلي لكن دون التخيلي عنها بل هي تسير بشكل متوازي لخلق تكاملية في الفعل والأداء.
فقد قضى الفلسطينيون ربع قرن بشعار الكفاح المسلح أسلوبا، وربع قرن آخر بالمفاوضات طريقا، ونحن الآن على أعتاب خوض مرحلة جديدة صعبة تحتاج إلى مفاعيل وقوى وأدوات متعددة في مسارات مختلفة لكنها متناغمة، وقادرة على مجابهة الاحتلال ووسائله وصلفه وإنهائه.
تنويه: في الذكرى السنوية الرابعة لرحيل الشهيد القائد عبد الله داود، التي اقامها الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين بالتعاون مع حملة عودة مبعدي كنسية المهد "أحياء"، اعادنا المتحدثون والمتدخلون الى الزمن النظيف بنضاله وتضحياته دون منافع أو حصاد شخصي سوى ضريبة الاعتقال والإقامة الجبرية، وخلتهم عائدون لذلك الزمن بأشخاصهم ومنطوقهم، وعائدون الى الحركة الطلابية في بدايات الثمانينات ومنتصفه. وأعتقد انهم لم يتجمعوا منذ تلك الحقبة، فيما جَمَعَهُمْ من أرجاء الضفة ومدنها وقراها ومخيماتها الحاضر فينا في سيرة مناضل عبد الله داود.