هل تصمد السلطة في وجه الضغوط والغضب الأميركيّ؟
تاريخ النشر : 2014-04-03 20:25

منذ تولّى الأميركي، وبموافقة فلسطينية، ملف المفاوضات كراعٍ حصري وحيد بين الجانبين «الإسرائيلي» والفلسطيني وكبديل من الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها، ومن الرباعية الدولية التي جعل منها الأميركي حصان طروادة وحقل التجارب في تسويق أفكاره في شخص رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير الذي لطالما استخدمته الإدارة الأميركية في إقناع الفلسطينيين للقبول بها، والجميع يذكر خطة الإنعاش الاقتصادي للسلطة الفلسطينية كبديل من التسوية السياسية. هذا الأميركي يمارس منذ جورج بوش الابن سياسة الجزرة والعصا في تعامله مع رئاسة السلطة ومفاوضيها لأجل الإذعان والقبول بالرؤى الأميركية لحل الصراع الذي بات يحلو للبعض تسميته النزاع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي». ومنذ فوز الرئيس الأميركي أوباما بولايته الثانية، رفعت هذه الإدارة وتيرة ضغطها على الفلسطينيين، ترغيباً عبر خطة طوني بلير الاقتصادية والمليارات الأربعة الموعودة في عمليات الإنعاش الاقتصادي، أو تهديداً، وهنا حدّث ولا حرج. فلا يستطيع أحد أن يكوي الذاكرة الفلسطينية حول المرات العديدة التي فرض فيها الحصار المالي، عندما حجبت وجمدت العائدات المستحقة لمصلحة السلطة، والمحتجزة في البنوك «الإسرائيلية» بغية فرض القبول الفلسطيني على رؤية الحل الانتقالي وفق خطة الوزير الأميركي كيري، الذي لا يكاد يغادر المنطقة إلا يعود إليها مطالباً السلطة الفلسطينية بضرورة الأخذ بخطته، وفي أسوأ الأحوال التمديد للمفاوضات التي تنتهي أواخر نيسان الجاري، حتى نهاية 2014. وبدأ كيري، في توافق أميركي «إسرائيلي»، ابتزازاً واضحاً لرئيس السلطة السيد أبو مازن من خلال رفض حكومة نتنياهو الإفراج عن الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو. والهدف الوصول إلى تمديد المفاوضات، علّ السلطة الفلسطينية تخضع في نهاية المطاف لهذا الابتزاز وتمدد المفاوضات. وإن كنا لا نتمنى أن تستجيب السلطة لهذا المطلب. لكن التجارب، البعيدة منها والقريبة، دلّت دوماً على الرضوخ للمشيئة والرغبة الأميركيتين. وآخر هذه التجارب الموافقة على استئناف المفاوضات من دون العودة إلى قرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية القاضية بعدم التوجه إلى المفاوضات قبل تجميد الاستيطان والإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو. غير أن الاستيطان لم يتوقف، ولم يجمد، بل على العكس تسارعت وتيرته منذ منتصف آب الماضي، تاريخ استئناف المفاوضات، لتصل نسبته إلى 104 في المئة. والأسرى لم يفرج عنهم إلا عبر صفقة التزمت فيها السلطة بعدم التوجه إلى المنظمات والهيئات الدولية والمشاركة فيها، فحرمت هذه الصفقة الشعب الفلسطيني من ورقة الاستقواء بتلك المنظمات والهيئات والبالغة عددها 63 منظمة وهيئة، بحسب اعتراف صائب عريقات.

اليوم عاد الوزير الأميركي مجدداً إلى فلسطين المحتلة للاجتماع بكل من نتنياهو ورئيس السلطة السيد أبو مازن الذي التقاه في عمان غداة انتهاء قمة الكويت، من دون التوصل إلى حل للمأزق الذي بلغته المفاوضات.

 لكن سرب أن الوزير كيري أبلغ أبو مازن بالقرار «الإسرائيلي» ورفضه الإفراج عن الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو. وتندرج الزيارة المفاجئة تحت عنوان «بذل الجهود لإنقاذ المفاوضات». وعلى وقع هذه الزيارة المشبوهة للوزير كيري تصاعدت الشروط «الإسرائيلية» وممارسة الابتزاز المكشوف من قبل حكومة نتنياهو ومكوّنات ائتلافه، ضغطاً على الإدارة الأميركية للإفراج عن الجاسوس الصهيوني «بولارد» الموقوف لدى الولايات المتحدة بتهمة التجسس، وبالتالي موافقتها الإفراج عن الأسرى مقابل تمديد المفاوضات حتى نهاية العام، وبذلك، وحتى انتهائها يكون كيان الاحتلال الصهيوني حقق المزيد من فرض وقائعه الميدانية في التهويد والاستيطان وارتكاب المزيد من الجرائم في حق الفلسطينيين. أما السلطة فتحاول مقابل التمديد تحسين شروطها، كما تعتقد، لجهة تجميد الاستيطان والإفراج عن قادة الأسرى قبل أوسلو وبعدها، والمرضى منهم والأطفال والنساء. وبين هؤلاء الأسرى القياديان البارزان المناضلان أحمد سعدات ومروان البرغوثي.

على وقع العودة السريعة والمفاجئة للوزير كيري، تطرح الأسئلة حول الأسباب والدوافع، خاصة أن مارتن أنديك المبعوث الأميركي للإشراف على المفاوضات نشط أخيراً في جولات مكوكية بين مفاوضي الجانبين الفلسطيني و»الإسرائيلي»، مقدماً أفكاراً جديدة لهما تتمحور حول تقليص أعمال الاستيطان لا تجميده مقابل التمديد. وهل يحمل كيري في زيارته هذه أفكاراً أو حلولاً سحرية لإنقاذ عمليته السياسية والتي تتوقف على فشلها ونجاحها أمور كثيرة، إما مستقبل سياسي مزدهر لكيري وحزبه من خلفه، أو أفول لمستقبله وطموحه السياسي في الوصول إلى البيت الأبيض. وهل سيقبل الوزير كيري ومن ورائه الرئيس أوباما هذه الهزيمة السياسية المدوية المتمثلة في فشل المفاوضات وتوقفها؟ وهل تصمد السلطة ومفاوضوها ورئيسها في وجه الضغوط والغضب الأميركي، في حين أنها تتلافى على الدوام إغضاب هذا الراعي الأميركي؟