أحيانا للراديكالية مكان في التاريخ.
تاريخ النشر : 2014-04-03 16:27

رغم عنوان المقالة فما أطرحه هنا يقلل و يحاصر مكانة الراديكالية في التاريخ الانساني و يجعلها وسيلة سيئة أكثر منها جيدة و بعيدة كل البعد عن الطهارة التاريخية.

إن الحاجة للراديكالية في الطرح السياسي نشأت من عدم التوافق الكلي بين رغبات و احلام الجماهير و بين القادة و رغبتهم بالسيطرة المطلقة.

إن الجماهير و الشعوب بمطلقها تتدرج مطالبها ضمن المستحيل في الواقع الذين يكون في العادة مأساويا فيكون الفقر و الفساد أساسا خصبا لنشوء الأحلام الوهمية من الغنى و الرخاء لتتطور هذه المطالب الى التحرر من الاستعباد الذي يقف خلف هذا الفقر الى تحقيق مطالب ايدولوجية دينية أو مجتمعية حاسمة مثل الانتصار الكبيرالالهي، إلى مفهوم محور و غير سليم عن ديانة ما .أو صعود أبناء عرقية واحدة على باقي الامم لإزالة الظلم الذي مورس ضدها أو لتحقيق أبناء هذا العرق أحلامهم بتفوقهم على بقية البشر.

من هنا و من أحلام الشعوب تبدأ الراديكالية بالتخلق ..فالشعوب بمجملها محاصرة بالعمر الزمني القصير للانسان .و رغم أن هذه الاحلام للمجتمعات البشرية قد تتحقق ولو بشكلها المؤقت في فترة زمنية ما ..فإن الشعوب تحلم بأن تعمر أو تعايش هذه الفترة لترضى و تقتنع بالواقع.

يفهم قادة الدول و المجتمعات بأغلبيتهم الاستبدادية سواء على شكل استبداد علني او استبداد مبطن أن انتشار الوعي و التعلم في المجتمع يقلل هذه المطالب المستحيلة و يجعل الشعوب أكثر واقعية..ولكن انتشار الوعي بحد ذاته هو عائق كبير للمستبدين يمنعهم من فرض سيطرتهم و تفردهم و استغناءهم مالا و سلطة على ظهر الشعوب

لهذا فإن الخيار الاخر هو ابقاء جهالة الشعب و تعزيزها و ايهام الشعوب بقدرة القائد على تحقيق الوعود الجميلة التي يحلم الشعب بها. فيكون قائد ما راديكالي بإدعائه مثلا أن يجعل كل الشعب غنيا و أن يعيش في رفاهية في منطقة شديدة الفقر و قليلة الموارد أو مسروقة الموارد من دولة كبيرة و لا تملك الدفاع عن نفسها..و مثال أخر ان يقوم مستبد اخر بوعد شعبه بان يتحرر و يحكم العالم و يعدهم بانتصارات عسكرية كبيرة في الوقت الذي يكون فيه لا يملك قوة تنافس الاعداء و لا يملك من الاوراق الحقيقية شيئا سوى دعم الشعب له و لاستبداديته نتيجة للوعود الكاذبة التي تضمن و تبرر استبداديته و تبرر ارتفاع ارصدته البنكية و بذخ عيشه الذي يكون واضحا حتى امام ههذه الجماهير التي تغض الطرف عن كل هذا أملا في تحقيق هذه الوعود.

إن الأساس في الراديكالية هو الكذب والوعد المستحيل غير المبني على اسس علمية و المبني على اشباع عواطف الجمهور لاستغلال عاطفتهم. و الدلائل على راديكالية شخص ما هو التباين الكبير بين الواقع و هذه الوعود مع افتقار هذه الوعود لأي برنامج عملي يمهد الطريق لتحقيقها ..مثل الشعارات الكبيرة لانهاء البطالة او لمحاربة الفقر او لمجابهة الامبريالية الاستعمارية و الانتصار عليها او الانتصار بدعم المهدي لقيادته او اقامة الخلافة او الادعاء بانتصار في معركة لتحقيق المكاسب الحزبية في الوقت الذي يكون العدو قد انتهك قلب البيوت . كل هذا في الوقت الذي يكون اصحاب الشعارات متوزعين بين مستبدين او اباء احزاب مبرمجين مطلقين للشعارات و بين منظومة اخلاقية متناقضه تماما مع الطرح الاخلاقي على في الواقع وانحسار البرامج العمليه او تغييبها و اخفائها لعجزها و عدم قدرتها على تحقيق اي شيء سوى مكاسب مالية او سياسية صغيرة مقارنة مع ضخامة الطرح .

ان التوظيف الراديكالي بمجمله غير نزيه و هو كاستخفاف فرعون لقومه ليطيعوه و هو سمة الكثير من التيارات الحزبية في أوطاننا التي تبنت فكرا مجتمعيا او دينيا ولم تستخرج منه اي برنامج عملي واكتفت بشعاراته و مراهنتها على أن هذه الشعارات سوف تحقق لها القوة المجتمعية و السياسية و الدولية ..على أن يتم عند الوصول للسلطة محاولة استحداث افكار تخدم أولا بقاء هذا الحزب بالسلطة و ثانيا تحقيق ولو بأشكال بسيطة جزء من هذه الشعارات..و هذا الترحيل للبحث عن الحلول لحين الوصول للسلطة ليس الا ضمانة اكبر على عدم نجاح او بقاء هذا الفكر او التيار الحزبي ..و هذا كله لو افترضنا حسن النية طبعا و اقتناع ابناء الحزب بمشروعية الراديكالية لتحقيق الاهداف مؤقتا لحين التمكن و القدرة ..ولكن من ناحية يجب القول انه دون نشوء برنامج عملي قبل حتى تكوين الحزب يقوم برسم خطوات واضحة تطبيقية لتحقيق نظرية مجتمعية سياسية اقتصادية فان البرنامج الحزبي هذا مكتوب عليه بالفشل منذ انطلاقه..و من ناحية أخرى فإن هذا الافتراض بحسن النية أو القول أن تم التبني الفعلي لبرنامج راديكالي لتكون برنامجا فاشلا كله غير حقيقي لأن الأصل هو أن الشعارات الراديكالية الرنانه تأتي من الاطراف التي لها مطامح شخصية بحتة بالمال و السيطرة و الاستحواذ و قمع الشعوب لمصلحة فردية و ليس من الأطراف حسنة النية. لأن حسن النية مع برنامج عملي ضعيف لا يؤدي نهائيا الى النجاح، و بنفس الوقت فإن حسن النية لا يترافق بأصله مع الراديكالية لأنها تتضمن الكذب و الذي يتوهم أنه سيجد الحلول عندما يكذب و ينجح سوف يكتشف لاحقا أنه أمام شيزوفينيته التي تجعل من استبداده و سيطرته على رقاب البشر تصور له أنها حلم البشرية. في الوقت الذي يكون فيه مجرد دكتاتور جديد.

لهذا يجب الصدق دائما مع الشعوب و ايضاح الصعوبات و المراهنة على الخطوات و البرامج العملية التي لا تأثير على أرض الواقع و التي لها نتيجة ..و لنفرق جيدا بين الراديكالية و بين طلب الدعم الشعبي في برنامج عملي ..فمخاطبة الشعب بصدق و دون أوهام الانتصارات أنه قيادته تحتاج مساندته لاتخاذ ذلك القرار العملي الذي يحتاج الى تعزيز و دعم مجتمعي لكي يتم حماية هذا القرار و انجاح تطبيقه بدعم سياسي شعبي على أن يكون المنادي و المخاطب لمجتمعه صادقا باحتمالات النتائج و بامكانية الفشل و بامكانية النصر او الهزيمة دون التخلي عن دعوة الامل و التمنيات المدعومة بالتعقل و التوكل.

نعم للراديكالية مكانها الصغير المتحجم بالتاريخ اذا ميزناها عن الاتكاء الحقيقي و الصريح على الشعوب ببرنامج مشترك بين القيادة و الشعب باخطاء و انجازات و محاسبات قبل كل شيء