مساجد قطاع خاص !
تاريخ النشر : 2014-04-03 12:46

يعلم أهل غزة أن منابر المساجد لدينا لا تترد يومياً في إذاعة المنشورات الحزبية والفئوية ونسمعها كثيراً وهي تصدح بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (سورة الأنفال : آية " 24 " ) وهذه الآية ذات المعاني الجليلة ، ربما هي من أكثر الآيات التي نسمعها تترد عبر المآذن التي تعلو مساجد غزة ، ولمن فاته معناها فليعلم ان الله سبحانه وتعالى يعدنا بحياة طيبة إذا استجبنا لأمره ،ولا أدري لماذا يفهم البعض معناها بشكل مغاير وان الهدف من نزولها كان فقط لضمان الطاعة العمياء للشعب في الخروج لمسيرات وحشود لإظهار تأييد هذا الحزب أو تلك الحركة ، والسؤال الأخر ، وربما الأهم لماذا لا تنادي المآذن بالآية الكريمة (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ )آل عمران103 ، أما ان بعضنا يفضل آيات عن آيات أخرى لا تخدم مصالحه الفئوية ؟!

فلقد مضت سنوات عدة ونحن نعيش تلك الفرقة الغريبة والتشرذم الوطني ،هذا السلوك الشاذ الذي نهتنا عنه شريعتنا وحثنا بالابتعاد عنه ديننا الحنيف ، فلماذا لم نشهد دعوة واحدة مغلفة بالصدق والنوايا الطيبة من فوق ذات المنابر ، تناشد القوم للخروج في مسيرة حاشدة لتحقيق الوحدة الوطنية وحقن دماء المسلمين ، علماً إن الآية الكريمة التي بدأنا بها استهلال مقالنا ، مازلت موجودة بكل نسخ القران المتداولة في قطاع غزة والعالم بآسره ويحفظها كل أصحاب العمائم الإجلاء وتستطيع مآذننا المنادة بها حتى لو كانت الكهرباء مقطوعة ؟!

ربما هذا الأمر تتشابه فيه غالبية مساجد الوطن العربي وليست غزة هي الوحيدة في هذا النهج أو الفريدة في الأمر ، فالواضح للجميع ان مآذننا اليوم قد تم برمجتها مسبقاً لتكون أبواق خاصة تخدم قوم محددين ، فالمعطيات كلها على الأرض تفيدنا أنه وحتى على مستوى ذكرى الشهداء فهي لا تصيح بذكرى أو رثاء ، إلا شهداء فصيل أو حزب إسلامي معين دون باقي الفصائل ، وهذا يثبت من جهة أخرى ان البرمجة أيضا قد طالت حتى الشهداء في قبورهم وتم تصنيفهم بعناية !

أن الجميع يدرك ان المساجد في بداية تأسيسها قد وجدت لخدمة شؤون المسلمين وهذا ما دلت عليه السنة النبوية حيث قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله له بيتا في الجنة. رواه مسلم.

وكان من أهداف تواجدها كذلك ترغيب البشر في العبادة وجعلها محراب للعلم ويتضح هذا في قوله صلى الله عليه وسلم أيضا : وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده. رواه مسلم.

ولكن أين هذه الوصايا النبوية والأهداف النبيلة من حال مساجدنا الحالية في الوطن العربي ؟! فالفارق بات كبير في الشكل والمضمون ، فقد تطور بناء المساجد وتزينت أرضياتها بالسجاد التركي والإيراني غالي الثمن وبالنجف الجميل كثير الأضواء ، وكثرت فيها أعداد المصاحف ، وهذا لا عيب فيه وعلينا أن نزينها أكثر فأكثر ، ولكن العيب بل والجريمة أنها باتت مسجلة ملكية خاصة لأهداف دنيوية وحزبية وفئوية ضيقة ، بعيدة كل البعد عن إسلامنا المعتدل بل وبات الكثير منها يصدر للشعوب قنابل موقوتة تصدر عنها شظايا فكرية غريبة المصدر !

ختاماً نوصي القائمين على هذه المساجد أن يتقوا الله فيما يفعلون ويقولون ، فلا يجوز إنشاد الضالة في المساجد ، أو تعريفها، فيه ؛ لأن المساجد لم تشيد لذلك ، إنما شيدت لإقامة ذكر الله ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ : لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ) .