هدنة "التأزيم التصالحي" ..فرصة لتصويب ما فات!
تاريخ النشر : 2017-11-30 09:37

كتب حسن عصفور/ أكدت مصر الشقيقة الكبرى، من خلال وفدها الأمني في قطاع غزة، ان لديها من أوراق القوة - الضغط، ما يمكنها من حماية المسار التصالحي على طريق إنهاء الانقسام الوطني الفلسطيني، عندما تتعامل مع المسألة بعيدا عن "الترضيات"، خاصة وأنها تجسد مركز ثقل في الحركة السياسية الإقليمية، وما يعد لها من "صفقة تسوية شاملة" ومنها القضية الفلسطينية..

مصر، عبر وفدها الأمني، حاصرت محاولات البعض لإشاعة جو  من الفتنة والفوضى في طريق المصالحة، وإحداث حالة من الإحباط العام لدى الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، الأكثر دفعا لثمن الانقسام، سياسيا وإنسانيا واقتصاديا، الى جانب غياب حركة العمل الحكومي العام..

مصر تمكنت من لجم قرار متسرع أعلنته حكومة الرئيس محمود عباس بخصوص عودة موظفي السلطة الوطنية، الذين أجبروا بالاكراه والأمر الفصائلي أن لا يعملوا، في سابقة لا مثيل لها، فكانت "هدية عباسية تاريخية" لحركة حماس، لتستغلها  في تعئبة الفراغ من خلال تنظيمها..

مصر تمكنت أن تضع حدا لفوضى الكلام قدر الممكن، عندما استجاب الرئيس عباس لطلبها بوقف أعضاء حركته بالكف عن الكلام في مسألة المصالحة، بعد أن كادت تصريحات بعضهم أن تهدم أركان المتفق عليه، ما كان سيدفع مصر الى تقرير ما قد لا يرضي البعض المأزوم من التصالح مسارا وهدفا..

مصر تمكنت أن تؤجل لقاء الثاني من ديسمبر الى العاشر منه، لتفتح الباب أمام "اطراف اتفاق القاهرة 2" التكفير بشكل عملي في كيفية تطويق "ثغرات الاتفاق"، بما يشكل شكلا من أشكال "الحماية" ويقطع الطريق على هروب هذا الطرف أو ذاك باسماء مستعارة لفعل التخريب..

التأجيل ليس بهدف إطفاء نيران الفوضى التي انتشرت ما بعد التوقيع، مع أهميتها، لكنه يجب أن يكون فرصة جادة للبحث في استكمال حوار القاهرة، الذي لم يكن بقدر كاف لتحديد رؤية عملية كي لا يستغل طرفا ثغرات النص وغياب البعد التنفيذي وآلية الرقابة عن المتفق عليه، ما فتح الباب لـ"السياحة الكلامية" حول الاتفاق..

"هدنة التأزيم" يجب أن تتحول الى "زمن الاستكمال" لتحديد ترتيبات الحماية الوقائية للاتفاق، والاقلاع عن لغة التعميم التي قد يكون فرضها ضرف أو زمن، فهناك الآن زمن هام، لإستكمال "نواقص الاتفاق"..

بالإمكان خلال الأيام القادمة، وعبر لجنة مصغرة وضع آلية تنفيذية بتواريخ محددة للقضايا المتفق عليها..وأن ترتبط القضايا بشكل جمعي كي لا تبقى اسيرة التفسير الفردي الفصائلي، فالحديث عن تسليم كل ما للحكومة من حقوق يرتبط بزمن وأيضا بملاحظات، حول قضايا أنتجها الوضع الانتقالي، خاصة الوظيفي، فليس من حق حركة فتح أن تحاسب الآن حماس على توظيف من وظفت، وهي من دعا الموظفين الى عدم الذهاب الى العمل..خطيئة سياسية يجب أن تدفع ثمنها قيادة القرار، وليس من حاول منع وجود فراغ..

ولأن المسألة هذه لها حساسية خاصة، فكل ما تنطق به قيادات فتح يمثل استفزازا كبيرا، لأن المسؤولية اساسا تقع عليهم، فلو واصل موظفو السلطة عملهم وقامت حماس لاحقا بطردهم أوإستبدالهم تحت نظرية "التمكين"، لبات من حق فتح أن تقول أنها لن تتعامل مع موظفين "حزبيين"..لكن ما حدث غير ذلك تماما، وهي وليس حماس من يجب أن يتحمل نتائج الخطيئة الكبرى تلك..

الفرصة قائمة الآن، لوضع جدول زمني واضح محدد للإنتخابات المختلفة، مع ضرورة التفكير الجدي بتحديد طبيعتها، وأن لا يتم ترداد الكلمات دون تدقيق..والمقصود هنا، عن اي انتخابات تتحثون، أهي لسلطة تحت الاحتلال بما يعني الخنوع للأمر الإحتلالي أم انتخابات لدولة فلسطين..ثم أنتخابات الرئاسات المختلفة..التحديد السياسي والزمني واجب كي لا تبقى القضايا غائمة وعائمة، ما يفتح في كل قضية نار الفتنة السياسية..

وبالتأكيد، لا بد من الاتفاق على عمل المجلس التشريعي متى يعود، وهل بالامكان اعادة تشكيل رئاسة المجلس بانتخاب رئيس مستقل، ونائبين من فتح وحماس، مع الاعتراف ان ذلك سيكون "تنازل سياسي هام" من حركة حماس لصالح الاتفاق التصالحي..ما يمكن تعويضه أن يكون لها دور أساسي في تسمية رئيس الحكومة الانتقالية، والذي بالتأكيد لن يكون رامي الحمدالله، ومن معه، بل حكومة جديدة تبتعد أن تكون طرفا، بل جهة تنفيذية لرسم ما يتفق عليه..

ويبقى الملف الأمني المعقد، وهو ما يحتاج الى ابتداع صيغ للحل وليس البحث عن صيغ للتعطيل..فما لحماس من أجهزة أمنية لا يمكن القفز عنه، كونه نتاج ذات الخطيئة السياسية الكبرى بدعوة أعضاء الأجهزة عدم العمل، مسألة تستحق التفكير الابداعي، ورهن الحل الابداعي بمسألة مالية قضية معيبة، ولو كانت تلك يمكن إيجاد صيغة مالية بين العاملين جميعهم..

ويرتبط ذلك بملف سلاح الأجنحة العسكرية، الملف الأكثر حساسية وتعقيدا..وحله رغم كل ما يبدو من "صعوبة" قد يكون اسهل كثيرا من "حجم المسمى"..السؤال ماذا يريد الرئيس عباس تحديدا..عليه تحديد موقفه بشكل صريح ويجب أن يكون ذلك من الاتفاق..سلاح الأجنحة العسكرية يجب نقاشة بعيدا عن حسابات أمريكية واسرائيلية..وهناك عشرات الأفكار التي قدمت في هذا المجال..

هل تستغل فرضة تأجيل التأزيم لسعد الثغرات، وإنتاج تكملة اتفاق القاهرة 1، أي الاتفاق على ملحق يتضمن كل ما هو غائب..

وبالقطع يجب وضع آلية رقابة وليس تنفيذ فقط، ومعها قوة المحاسبة لمن يخرج عن النص المتفق عليه..بهذا يمكن اعادة الاعتبار للأمل الوطني بأن المصالحة حقيقة سياسية حتى لو اصيبت بوعكات طارئة!

ملاحظة: عدم اعلان الرئاسة الفلسطينية وملحقاتها "شروط" أمريكا لبقاء مكتب منظمة التحرير مفتوحا، يفتح باب الشكوك السياسية..وبالتأكيد لن تكون في صالح الرئيس والرئاسة..إعلنوها خيرا حتى لوكانت مذلة!

تنويه خاص:  حماس في غزة فتحت باب علاقاتها مع فصائل العمل الوطني..فتح في غزة بلا حضور رغم "المهرجان الكبير"..غياب مرتهن بالسلوك والممارسة من قيادة الفصيل..مفارقة لا أكثر لمن يحب المفارقات!