زينة وهدى ودموع التماسيح
تاريخ النشر : 2014-04-02 10:44

القضايا الاجتماعية والاخلاقية لا تنفصل عن القضايا السياسية الكبرى مثل الانتخابات الرئاسية، ينتفض المجتمع المصرى
لسماع أخبار اغتصاب البنات الأطفال، وأشهرهن زينة وهدى.
يتغذى الاعلام التجارى بهذه الجرائم الشهية، لإثارة الخيال الذكورى فى المراهقة الأولى قبل التاسعة عشرة، والمراهقة الثانية بعد التسعين، تقوم التربية والثقافة، على فكرة أن الرجولة أو الذكورة هى غزو البنات، وتلعب الأسرة والمدرسة والأديان والإعلام دورا فى هذه الثقافة، تغرس الأم والأب، وإن حصلا على أعلى الشهادات، هذه المفاهيم فى عقل طفلهما ليصبح «دكرا»، يرتدى (من الطفولة ) بدلة بوليسية أو عسكرية ويمسك مسدسا، يفرحون به حين يصبح رجلا (مثل أبيه وجده) ويغزو قلوب العذارى .
رغم الثورة الأولى (2011) والثانية (2013) وسقوط الحكم الاخوانى، فإن النعرات الذكورية اشتدت مع تصاعد التيارات السلفية وأفكارها المتعارضة مع العدل والأخلاق، منها زواج القاصرات، يبيحون لرجل فى التسعين الزواج بطفلة فى التاسعة، يقولون هذا مباح شرعا، وتفرض جرائم متعددة على الطفلة أن تكون أداة للجنس قبل أن تعرف ما هو الجنس، وأن يكون وجهها عورة يفرض عليها النقاب وهى فى السادسة من العمر.واستئصال عضو من جسدها بالمشرط تحت اسم العفة؟ هذه العمليات الجراحية أو جرائم الختان، التى يغيرون بها ما خلقه الله فى جسم المرأة، ورغم تشدقهم بأن الله كامل لا يخلق إلا الكامل، ثم يمنعون المرأة من إزالة الشعرات فى حاجبيها، حرصا على عدم تغيير ما خلقه الله؟
منذ عصر السادات وإطلاق العنان للإخوان المسلمين واتباعهم، غرق مجتمعنا فى التجارة بالدين، والانشغال، عن القضايا الملحة، بالجدل حول الحجاب واللحية والسواك، وزادت جرائم التحرش واغتصاب الأطفال البنات، ثم تضاعفت معدلاتها أخيرا بعد تصاعد السلفيين فى مواجهة الإخوان ويذرف المجتمع دموع التماسيح، يركزون غضبهم على الصبى المراهق الذى اغتصب، يطالبون بشنقه فى ميدان عام، ولا يسألون لماذا تحدث هذه الجرائم؟ ومن يشكل عقلية الولد حتى يغتصب البنت؟
لا يرى المجتمع الجريمة على حقيقتها، لأنه يشارك فيها سرا أو علنا، بالوعى أو باللاوعى، ليس مراهق واحد أو قلة منحرفة، بل الأغلبية تشارك فى الفساد، داخل البيوت وخارجها، لا يحاسبهم القانون أو العرف أو الشرع أو الثقافة أو السياسة، بل يزهو الرجال. الكبار والصغارـ بغزواتهم النسائية كدليل الرجولة .أتذكرون المدرس الذى اغتصب سبع بنات (فى فصله) ولم يعاقبه القانون بل تم نقله من مدرسة البنات الى مدرسة البنين؟ والمدرس الآخر الذى نقل الى عمل إدارى بعيدا عن مدارس البنات؟ وأخرين كثيرين، منهم العم والخال والأخ، الأب ذاته، الذى اعتدى على الطفلة داخل البيت ولم يعاقبه القانون؟ والأستاذ الكبير، أو الأكاديمى العجوز، الذى بلغ السادسة والثمانين واقترن بطفلة فى السادسة عشرة، ثم قالوا إنه رجل، يمارس حقه الشرعي، وانبروا يلومون زوجته المنهكة القوي، التى أفنت عمرها فى خدمته وأولاده وأحفاده، نقرأ عن هذه الجرائم كل يوم، دون محاولة حقيقية لاقتلاع أسبابها من جذورها، بداية من سوء التربية فى البيوت وتردى التعليم فى المدارس، وتدهور الثقافة والإعلام. ويظل الجدل محدودا بالمجال القانوني، والغضب على المراهق الصغير أو الكبير، لا يخرج الى الرؤية الشاملة الكاشفة لفساد الثقافة والقيم الذكورية السائدة فى بلادنا.
ومن الضرورى بالطبع إصدار قانون جديد يردع الكبار قبل المراهقين، فالقانون الحالى لا يشمل تعريفا بأنواع ودرجات الاغتصاب المختلفة فى المجتمع والأسرة، وبعضها يحدث للأطفال الذكور وليس البنات فقط، ولا توجد نصوص قانونية تحدد معنى الاعتداء الجنسى خارج البيت وداخله، رغم أن اغلب جرائم الاغتصاب تحدث داخل الزواج فى الأسرة، أليست جريمة أن يعتدى الأب على ابنته أو المدرس على تلميذه؟ أليست جريمة تزويج الطفلة برجل أكبر من جدها؟
وهذه الأفلام والروايات التى تهبط بالخيال والوجدان، وأساطير الفن، من نوع الدون جوان، يتباهون بغزو قلوب البنات على الشاشات، والترويج العلنى لمكافأة الرجال الصالحين بالجميلات العذراوات.
عن الاهرام