الارض محور الصراع والوجود
تاريخ النشر : 2014-03-31 13:57

لطالما كانت الارض بكل عناصرها مصدرا للحياة، فهي أيضا مركزا للصراع من اجل البقاء، ولعل الصراعات التي شهدتها هذه البسيطة منذ وجود البشرية كان بداية بين أفراد المجتمع حول ثروات بدائية قبل أن تتطور التشكيلات الاجتماعية إلى قبائل شكلت النواة لبناء الشعوب والامم التي تخوض صراعا للإستحواذ على الثروات في ظل تطور المجتمعات الصناعية.

في مرحلة التطور الصناعي في اوروبا أخذ الصراع شكلا آخر نستطيع أن نطلق عليه "العابر للحدود المكاني" إلى القارات لتحقيق مصالح أمم في موطن آخر، وربما في المراحل المقبلة من الحداثة قد يصل الصراع بين الدول حول مصالح كل منها إلى كواكب الفضاء الخارجي للأرض.

لذلك بعض البقع الجغرافية في العالم بحكم الخلق كان لها أهمية استراتيجية أثارت غرائز الدول الغربية منذ عدة قرون عبرت عنها بغزوات استعمارية أسست مؤخرا في القرن التاسع عشر لأحداث مفصلية منها الحربان العالمية الاولى والثانية بهدف إعادة صياغة العالم وفق مصالح الدول الكبرى لتفضي فيما بعد إلى نتائج تركت تداعيات كارثية على الشعوب وخلصت إلى قضايا في جميع القارات ولعل أهمها القضية الفلسطينية المرتبطة بالأرض والوجود أي الشعب.

الدول الاستعمارية تقاطعت مصالحها على العقدة الجغرافية "فلسطين" لأنها تشكل أهم الروافد المائية إلى المحيطات وللعبور منها إلى القارات الأربعة آسيا وأوروبا وافريقيا وأميركا ولذلك كانت فكرة إنشاء المشروع الصهيوني في قلب العالم العربي تنبع من تحقيق مصالح هذه الدول في نهب خيرات الأمة لتأمين الرفاه لشعوبها على حساب إفقار شعوبنا.

الحركة الصهيونية ولاستقطاب العنصر اليهودي في اوروبا روجت لفكرة أرض الميعاد وهيكل سليمان المزعوم والإدعاءات التوراتية لرفد مشروعها بمزيد من المستوطنين نحو فلسطين في خطوة لتهويدها على مراحل من خلال مصادرة الأراضي لبناء مستوطنات يهودية عليها، وهنا يسجل للفلسطينيين في 30 آذار الهبة الجماهيرية في عرابا وسخنين وديرحنا لتمتد بعد ذلك إلى مناطق الساحل والجليل والنقب رفضا للمشروع الصهيوني وإدراكا لأبعاده الخطيرة على المنطقة.

في ذلك اليوم تعاقد الفلسطينيون مع الأرض بالدم فقدموا ستة شهداء وعشرات الجرحى ومئات المعتقلين اثناء المواجهات لتأكيد الدفاع عن عروبة وهوية هذه الأرض ومقدساتهم، و لم يترك الاحتلال وسيلة إلا واستخدمها لاستكمال تهويدها وطرد من تبقى من الفلسطينيين الذين مازالوا يحملون عناء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين اليها ويؤكدون أيضا الرواية الفلسطينية التاريخية التي تضرب بأطنابها إلى كنعان.

هذه الهبة أعادت للهوية الفلسطينية اعتبارها وأعطت زخما للشعب الفلسطيني في داخل الاراضي المحتلة منذ عام الف وتسعمئة وثمانية وأربعين وخارجها في نضاله المتواصل للتجذر بالأرض وترسيخ ثقافته الوطنية والقومية وأصالته الدينية رغم محاولات الإحتلال تهويدها من الذاكرة وفي السياق نفسه أسست لتعطيل مشروعية يهودية الدولة المطروح مؤخرا بما تعنيه من ترانسفير جديد لتوجيه الضربة القاضية لحق عودة اللاجئين، أو مشروع التوطين والوطن البديل.

التراكمات النضالية لشعبنا الفلسطيني على مدى عقود من الزمن لابد من تعزيزها ببرنامج وطني مقاوم يستقي رؤيته من قراءة المقدمات التاريخية للاحتلال وارتباطه الوظيفي عضويا بالولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية ليصار بعد ذلك الى وضع استراتيجية فلسطينية تعيد تصويب المفاهيم وتصيغ المفردات حول من هو الصديق ومن هو العدو، وتعيد الخيار للمقاومة كوسيلة ناجعة لاستعادة الأرض وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم بعد فشل خيار المفاوضات.