الذين خلقوا المشكلة ليسوا أهلاً لحلها ...!!
تاريخ النشر : 2017-10-31 10:20

 

في عام 2006 قام جاك سترو وزير خارجية بريطانيا الأسبق بآخر زيارة له إلى المملكة العربية السعودية وكنت أحد الحاضرين لمؤتمره الصحفي المشترك الذي عقده في قصر المؤتمرات في الرياض مع المرحوم الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة السابق. في ذلك المؤتمر استفزني ما كان يحاول فرضه من إملاءات علينا نحن الفلسطينيين، وبالطبع من ورائنا العرب في سبيل تحريك عملية سلام كان يدرك قبل غيره أن إسرائيل ومن قبلها المواقف المنافقة للدول الغربية وفي مقدمتها أميركا وبريطانيا هي المعطل الحقيقي والفعلي لها، اللهم إلا إذا كانوا يريدونها عملية استسلام لمطامح ورغبات المحتلين الصهاينة. هنا أستدرك، فالحق أقول أنني أدرك تمام الإدراك، وبعيدا عن كل المراوغات الإسرائيلية والنفاق الإمبريالي، فلا إسرائيل ولا الدول التي تغذيها لديها رغبة في سلام من أي نوع كان. فبقاء القضية قائمة يخدم مصالح هذه الأطراف قبل غيرها، وكان تعبير اللا حرب واللا سلم هو أصدق تعبير على هذه الحالة.
لنعد إلى ذلك المؤتمر الذي انفعلت فيه وصرخت في وجه الوزير البريطاني بعد تكرار مجموعة من الإملاءات التي على الفلسطينيين القيام بها، وقلت فيما قلت: تأتي هنا وتريد فرض إملاءات، قل لي إذن ماذا على اليهود أن يقدموا؟ وماذا على الغرب وعليكم أنتم أيها الإنجليز المسؤولين عن هذه القضية أن تقدموا. لاقت صرخاتي بالعربية صدى في آذان الصحفيين البريطانيين المرافقين للوزير، ولاقت استحسانهم؛ رغم أنها وصلتهم مترجمة، فصفق بعضهم والتفت آخرون إلي رافعين أياديهم بالمؤازرة. على أني كنت سعيدا إذ رأيت علامات الارتياح في عيني الأمير سعود الفيصل رغم الإحراج الكبير الذي سببته لضيفه الوزير البريطاني.
هذه القصة سبقها بسنوات موقف مماثل في بيت السفير البريطاني في الرياض حين حضرت مؤتمرا صحفيا لوزير الصناعات الحربية او المشتريات العسكرية في وزارة الدفاع البريطانية، لم أعد أذكر. الغريب أنهم جميعا يتحدثون في السياسة وكل منهم يحب أن يدلي بباعه في القضية الفلسطينية. عندما حان دوري سألت الوزير: ألا تشعر بقليل من تأنيب الضمير إزاء ما فعلته بلادكم التي منحت أرضا لا تملكها لليهود لتشرد شعبها الأصلي؟ الوزيران كلاهما حاولا التلاعب بالمفردات كدأب رجال السياسة. لكن السؤال الأهم يظل يفرض نفسه دائما: هل نحن عقلاء حين نسأل العدو عن ضمير نشك أنه يملكه. فحكومة بريطانيا التي أهدت فلسطين لليهود هي نفسها التي زورت وثائق اتهام العراق بأسلحة الدمار الشامل لتعطي ذريعة لمشاركتها كتابع للولايات المتحدة الأميركية في عدوانها الإجرامي على العراق عام 2003. في ذلك الحين حاولنا الدفاع عن العراق من بوابة أنه لا يمتلك أسلحة الدمار الشامل التي يزعمون دون أن نطرح السؤال الذي يفرض نفسه: ومن أعطى أميركا وبريطانيا وغيرها من الدول الإمبريالية حق محاسبة غيرها، على ما تمتلكه هي، وتهدد به هي، وقد استعملته هي في عدوانها المتكرر على أراضي الغير.
عام 1991، وإبان حرب عاصفة الصحراء (لتحرير الكويت)، وبعد ما شاهدته من عمليات تدمير ممنهج للبنى التحتية في العراق من محطات كهرباء وجسور وملاجئ، وقتل متعمد للمدنيين في الأسواق كما حدث في سوق الفلوجة، سألت في إحدى المؤتمرات الصحفية اليومية التي كان يعقدها ناطقون باسم القوات المسلحة المشاركة في العمليات: هل هذه حرب لتحرير الكويت، أم لتدمير العراق؟ وأترك لكل من لم يفطن لما كان يحدث في ذلك الوقت أن يقرأ النتائج التي تبعت، وما تزال تتبع.
في البدء كان وعد بلفور، ثم تبعه قرار الانتداب الذي أصدرته عصبة الأمم، وخول بريطانيا إدارة شؤون الأراضي الفلسطينية، وفقا لما تضمنه القرار الذي كانت بريطانيه نفسها هي من صاغه، كما كانت هي من صاغ قرار الأمم المتحدة بعد عدوان 1967 بما تضمنه من إشكالية أل للتعريف التي حذفت في النص الإنجليزي للقرار بما يكفل ديمومة الصراع حول أي انسحاب مقصود وفق هذا القرار.
إن الذين خلقوا المشكلة ليسوا أهلا لحلها، إذ هم لا يرغبون. زرعوا هذا الإسفين، وعلينا نحن اقتلاعه. فمتى يفهم المستهدفون، الخطر الذي يحيق بهم.
مصطفى شهاب 
صحفي فلسطيني