"دولة حزب الله" في غزة
تاريخ النشر : 2017-10-31 07:35

تصريحات حماس بأنها ستسلم كل ما فوق الأرض في قطاع غزة إلى السلطة في رام الله، يعبر بدقة عن الحالة التي يمكن أن تفضي إليها المصالحة الفلسطينية. وهذا لا يعني أن السلطة في رام الله ستسيطر على المعابر الرسمية للقطاع، وستسيطر حماس على الأنفاق تحتها فحسب، بل يعبر عن المآل الذي تراه حماس بعد حصول المصالحة: إنه سلطة من طابقين في القطاع أيضاً. الطابق الرسمي (الظاهر) الموجود على المعابر وإدارة الخدمات والاحتكاك مع المواطنين ومطالبهم يتبع السلطة في رام الله، وتريد حماس أن تكون شريكاً في مؤسسات السلطة في القطاع، وتطالب باستيعاب الموظفين الذين عينتهم في فترة الانقسام في هيئات السلطة الجديدة. أما القوة العسكرية، كتائب القسام والترسانة العسكرية التي راكمتها حماس خلال سنوات الانقسام وشريانها الحيوي الأنفاق، فهي سلطة الطابق المخفي، والذي يعود إلى حماس وحدها السيطرة عليه، وهو خارج الشراكة وخارج النقاش، كما تقول حماس.

تسعى حماس إلى استلهام تجربة حزب الله في لبنان، والتي قامت على معادلة سلطة الدولة- المقاومة، والتي عنت فعلياً، أن يحكم حزب الله لبنان من دون أن يكون هو من يشغل المناصب الرسمية، لكنه يحكمها بتفوقه العسكري الساحق على الآخرين، وحتى على الجيش اللبناني. بذلك أصبح هو المتحكم بالسلطة: خذوا ما شئتم من المناصب الشكلية، لكن لا أحد يقترب من «سلاح المقاومة»، الذي ستبقون محكومين به، والذي هو خارج النقاش.

الفروق بين الحالتين اللبنانية والفلسطينية، ستجعل المعادلة في قطاع غزة كاريكاتوراً عن النسخة اللبنانية. وتكمن الفروقات الأساسية والحاسمة في:

أولاً، لبنان دولة مستقلة، معترف بها وعضو في مؤسسات المجتمع الدولي، وثانياً، أن إيران وسورية كانتا دائماً وراء حزب الله بتمويل ضخم وبخط لوجيستي مفتوح هو طهران- الضاحية الجنوبية عبر دمشق.

الاستثمار الإيراني الضخم في حزب الله وضخ بلايين الدولارات، جعل حزب الله قادراً على بناء دولته داخل الدولة اللبنانية وجيشه في موازاة الجيش اللبناني. أما في الحالة الفلسطينية، فلم يعد واضحاً، ما هو الوضع القانوني لقطاع غزة: هل هي أراضٍ محتلة، هل هي أراضٍ محررة، هل تتبع لاتفاقات أوسلو الخ؟!... لكنها في جميع الحالات ليست دولة مثل لبنان.

المسألة الثانية، أن ما دفع حماس إلى المصالحة، هو أزمتها المالية أولاً، فليس لها مصادر تمويل شبيهة بتلك التي امتلكها حزب الله. وأصبح السؤال الذاتي لحماس: كيف يمكن الخروج من الوضع الحالي بأقل خسائر ممكنة. ويبدو أن الإجابة الداخلية كانت: لنتبع نموذج حزب الله في لبنان.

إن معادلة السلطة من طابقين، وإعادة إنتاج دولة حزب الله في قطاع غزة، غير قابلة للتنفيذ على الأرض، ولا يمكن لسلطة رام الله القبول بها، فلا شيء يجعلها تتحمل أعباء قطاع غزة، في الوقت الذي تتحكم حماس بالسلطة الفعلية فيه. وإذا كانت الشراكة في هذه المصالحة، بحسب صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، تعني «الشراكة في قرار الحرب والسلم»، فليس على أجندة السلطة في رام الله إعلان أي حرب على إسرائيل. ولا شك في أن الحديث عن قرار «الحرب والسلم» هو وهم عند حماس، معناه أن نستفز إسرائيل ببعض الصواريخ التي تخطئ أهدافها دوماً، ونعطي ذريعة لإسرائيل لشن المزيد من غارات التدمير على قطاع غزة، وبعد ذلك نعلن انتصارنا! هذا سخرية تامة من مفهوم قرار «الحرب والسلم». لكن ما تملكه حماس فعلاً هو القرار باستخدام «سلاح المقاومة» في الصراع الداخلي، وهو ما جربته سابقاً، وكل الحوارات بالأمس واليوم بين الفلسطينيين من أجل رأب الصدع الذي تسبب به «سلاح المقاومة» في حسم الصراع الداخلي بالنار، مع من كانوا في ذلك الوقت «لـــحديين»، وباتوا اليوم شركاء في المصالحة. ولا يمكن للشراكة أن تكون: كل ما عندك لي ولك، وكل ما عندي لي وحدي، لك العبء ولي الامتياز. ستكون شريكي وأنا وحدي القادر على حسم الصراع معك خلال دقائق بـ «سلاح المقاومة» الذي هو خارج النقاش.

إنها معادلة للمصالحة تحمل عوامل تفجرها الذاتية، ولن يكون غريباً أن تفشل، على رغم كل التفاؤل الذي بثته لقاءات المصالحة وقهقهات قادة الطرفين المشتركة، وكأن شيئاً لم يكن.

عن الحياة اللندنية