سياسة اللسان!
تاريخ النشر : 2014-03-16 00:16

في عبارة مأثورة عن أبو حامد الغزالى قوله في الصمت سلامة وعلما. إلى أى حد تنطبق هذه المقولة على الساسة والسياسة العربية والفلسطينية خصوصا؟السياسة العربية تتسم عموما باللغو في الكلام، وبالثرثرة السياسية ، وبتصريحات لا متناهية ، ولا حدود لها ، وتتسم بزلات اللسان الكثيرة ، واحيانا كثيرة بإستخدام مفردات لا يستخدمها المواطن العادى ، فالحدود الأخلاقية غائبة ، ولا مكان لها في التصريحات والمقولات السياسية ، علما إن ديننا الإسلامى العظيم يزخر بالقيم ألأخلاقية ، وحسن وتاديب اللسان. ولغة اللسان تذهب بعيدا في مناقشة الأمور والقضايا السياسية ، وتصل إلى حد الفتوى البعيدة في رؤيتها ، وتقديم الحلول لكل المشاكل في لحظة واحده، وأنت عندما تصغى إلى لغة اللسان وكانك امام نماذج من الساسة غير عاديون يتحدثون غير مبالين من محاسبة ومساءلة عما يقولون ويصرحون ، ويجدون من يصفق لهم، ويؤكد صدق زلات لسانهم.. وصحيح إن زلات اللسان موجودة لدى الساسة في كل مكان ، حتى في الدول الديموقراطية ، لكن زلات اللسان في هذه الدول لها حدود، لا يستطيع الساسة تجاوزها ، اما في تقاليدنا السياسية فزلات اللسان أشبه بالحقيقة ، والعناد السياسى ، والأخذ بالثأر من الغير.والمفارقة العجيبة التي قد لمستها لدى المواطن االعادى وأنا واحد منهم أننى لا أبالى بما يقوله هؤلاء السياسيون من زلات لسان ، واتمنى لو أنهم يصمتون أحسن مما يتكلمون ، لأن لغة اللسان تحولت لديهم إلى لغة حلبة الملاكمة ،وحيث انها حلبة بملاكم واحد لا يخشي من ضربة قاضية من الملاكم المنافس لأنه غيرموجود فنجد مثل هذه الشخصيات التي إنتحلت صفة السياسى تستعرض قدراتها الكلامية والبلاغية ، وتلقى بكل صفات الذم والقدح والإتهام على ألآخرين ، وألأكثر من ذلك تحقق النصر على حلبة الملاكمة والمصارعة بضربة وكلمة واحده من لغة اللسان التي يجيدون فنها، ولا يجيدون غيرها.وهذه اللغة المهزومة والإنقسامية بدات تنتشر عبر القنوات الإعلامية ، وكأننا أمام إعلاميين لا يتحدثون بلغة الإعلام الموضوعية الهادئة المقنعة ، بل المنفرة والمقززة أحيانا كثيرة لتفننها في لغة غير آخلاقية ، وإستخدام الفاظا لا يجرؤ على إستخدامها الإنسان العادى في لغته اليومية . الفاظا تصل إلى حد هتك العرض،وبيع الوطن، وفضح الآخرين بقصص ملفقة من خيال هؤلاء السياسيون و الإعلاميون والذين قد يكونوا مدفوعين سياسيا. هذه الحالة بدأت أتلمس بعضا من مظاهرها في لغة الساسة لدينا وفى لغة القنوات الإعلامية الفلسطينية . والتي يفترض أن تتحول إلى قنوات تصالحية ، ترسم الشخصية الوطنية للموطن الفلسطينى ، وترسم المعاناة الحقيقية ، وتركز على الإحتلال ، بدلا من لغة الإنقسام الكريهة التي قد سممت حياتنا اليومية ، وحولتنا جميعا إلى باحثين عن لغة أخرى في قنوات فضائية تتحدث عن التقوى والأخلاق. ولا يقف ألأمر عند حدود لغة اللسان، بل إن هذه اللغة هى من أكثر ألأسلحة فتكا وقتلا للنفس البشرية ، فهى تنتزع الإنسانية من قلوب الناس ، وتحولهم إلى أناس شريرين يبحثون لهم عن غنيمة أو صيد ثمين. وديننا الحنيف ورسولنا الكريم حذرنا كثيرا من لغة اللسان الجائرة ، والظالمة .وهنا تقع الطامة الكبرى ،والجواب على التساؤل لماذا هذا التراجع ، والفشل ، والتناحر، هو إن مثل هؤلاء السياسيون هم الذين يحكمون ويديرون شؤون الناس ، وكما فى تعريف السياسية انها إدارة شؤون الرعية بما يحقق المصلحة العامة. ويحفظها من الفناء، أين هذه اللغة من أهداف السياسية الشرعية والزمنية . السياسة ليست لغة اللسان المفككة والمجزأة والحاقدة ، بل هى لغة اللسان الموحدة ، والباعثة علي الحب, أليس الحاكم هو القدوة التي يحتذي بها ، أليس هو النموذج لذى يتبع في حديثه ولبسه ومسكنه ومأكله ، وحتى في مشيته. أين نحن من هذا النموذج. ولنا في رسولنا الكريم القدوة في التعامل الإنسانى ، فحياة الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة فى كل تصرف من حياته ، وفى كل علاقاته التي أرساها للإنسانية ، لقد جاء متمما للأخلاق ، واليس لنا القدوة في الصحابة وفى الخليفة عمر بن عبد العزيز. لماذا قبل أن يصبح الحاكم حاكما أن يقدم إختبارا في سير هؤلاء العظام الذين وضعوا أسس الإنسانية ، ومبادئ ألأخلاقية للبشر جميعا. وليس معنى ذلك إن لا يتحدث الساسة ، لأن السلاح الوحيد الذي يملكونه هو اللسان ، ولذلك عليهم أن يعرفوا متى يتكلمون ، ومتى يصمتون، وأن يجيدوا فن إدارة الكلام بصدق لا بالكذب والدهاء، ففى السياسة جوانب اخلاقية وإنسانية كثيرة ، ولماذا لا نركز عليها ، وعلى الساسة إن يتذكروا دائما أن الكل يسمعهم وعليهم أن يسمعوا الآخرين. فالسياسى المحنك هو من لا يتكلم كثيرا، ولا يعد بقصور في الهواء، ولكنه من يقدم الصدق ، واول خطواته صدق اللسان. فأحيانا عدم الرد أبلغ من الرد نفسه.فالكلام الزائد لا فائدة منه، وخير الكلام قليله، ومنفعته. ولعلى لا أذهب بعيدا إذا قلت أن أحد اسباب الإنقسام الفلسطينى والكراهية والحقد الذي ينخر في الجسد الفلسطينى هو لغة اللسان التي تبث على النفور والتفكك، والكراهية والثأر ، والإفتقار للغة الحكمة والتصالح، ولذا لو أردنا المصالحة مع أنفسنا أولا ، ومع غيرنا أن نغير من لغة اللسان حتى لو بقى ألآخرين على لغتهم. وأن تصمت افضل من أن تتكلم بدون علم.وأجارنا الله من الحكام و الساسة ولسانهم الجائر.

دكتور ناجى صادق شراب