المقاومة الشعبية تجمعنا
تاريخ النشر : 2014-03-10 11:53

المقاومة الشعبية طالما خاض غمارها الشعوب المقهورة والمظلومة، وكانت سبيلهم ولسان حالهم للدفاع عن أوطانهم؛ وعندنا في فلسطين الُمحتلة أخدت المقاومة الشعبية زخمًا كبيرًا ومباركةً من الرئيس محمود عباس أبو مازن وفي الاجتماع الأخير قبل يومين بمقر المقاطعة برام الله اجتمع الرئيس مع مجموعة من طلاب فلسطين وتكلم إليهم عن الوضع الفلسطيني، وعن أهمية المقاومة الشعبية السلمية في إحقاق الحق الفلسطيني وأهميتها أمام الرأي العام العالمي؛ حيث تلعب المقاومة الشعبية دورًا بارزًا ومهمًا في قضية الصراع العربي الصهيوني؛ حيث أن تلك الطريقة من الكفاح أو الجهاد، لمقاومة هذا العدو المحتل الغاصب والمستوطن لأرض فلسطين التاريخية، لا تقل عن الكفاح المسلم، بل لربما في زماننا اليوم كان لها مؤثرات أكبر؛ والمقاومة الشعبية تعتمد على عدة تكتيكات، ومنها ، المسيرات السلمية، والاعتصامات، العصيان المدني والإضرابات ومنها الإضراب عن الطعام- كالذي يخوض غمارهُ الأسري أبطال في سجون هذا المحتل الغاصب؛ ومن صور تلك المقاومة أيضًا: الاحتجاجات ومن صورها إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين وغيرها، وإحياء الذكريات الشعبية، والمناسبات الوطنية والدينية، والاحتشاد في الساحات والميادين ومن أمثلة من خاض غمار المقاومة الشعبية عالميًا عربيًا ومحليًا ما يأتي:-الهند: مثل الحملة التي قام بها غاندي حملة "العدالة والحرية"، والسود: في أمريكا في حملة "التحرر من العبودية" وعندنا في فلسطين المحتلة : بدأت منذ عام 1963م والعصيان المدني ضد المحتل البريطاني لفلسطين، وكذلك بدأت حديثَا منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولي عام 1987م انتفاضة أطفال الحجارة، وعاودت للبروز على السطح عام 2008م، وابتدأت مسيرات شعبية في معظم أرجاء الضفة الغربية في حملة "لمقاومة الجدار والاستيطان" وقد شجع الرئيس أبو مازن على الانتفاضة الشعبية وباركها في وجه الاستيطان والاحتلال، ودعا أبناء شعبهُ إلى دعمها والمشاركة فيها- وكانت المقاومة الشعبية في مصر: ثورة 1919م تمثلت في العصيان المدني؛ وكانت المقاومة الشعبية في إفريقيا: حملة "المطر البنفسجي"، وفي أوروبا: مثل "الثورة الملونة" التي قامت في الدول الشيوعية والاشتراكية، وفي لبنان: في عام 2005 اندلعت "ثورة الارز"، وفي تونس: عام 2011 اندلعت "الثورة التونسية" ضد نظام زين العابدين وفي مصر: ثورة التي قامت في 25 يناير 2011 ضد نظام مبارك وكانت مطالب الثورة الأساسية (عيش حريه عدالة اجتماعية) وكانت تشتهر بكلمة سلمية ومن وسائلها وأساليبها، إذا تعرض المقاوم السلمي إلى قمع من قبل العساكر يكون الرد سلمي مثل "السب، الشتم، اللعن، إلقاء الحجارة، الضرب باللافتات"الخ.... وإن المقاوم السلمي لا يخشي من القمع أو الاعتقال أو القتل، لأنه صاحب حق ويدافع عن حقهِ بطرق سلمية ومشروعة دوليًا وعالميًا، والمقاومة الشعبية لا يعتمد المقاوم السلمي استخدام أسلحة عنيفة مثل "الاسلحة النارية , أو الاسلحة البيضاء"، ولا تفرق المسيرة بسهولة وعندما تفرق يقوم المتظاهرين الكرة مرات عديدة وذلك عبر تنظيم الصفوف والتجمع مرة أخرى؛ ولا يقوم المقاوم السلمي بأعمال إضرار في الممتلكات إذا كان في اعتصام أو مسيرة داخل مدينة، وإذا اعتقل أحد المقاومين السلميين يعمل المتظاهرين على تحريره؛ وإذا تم الاعتداء على المقاوم السلمي وفرضت عليهِ المواجهة فيجب أن يتصدى للاعتداء ويقاومه، ويتوجب على المقاوم السلمي إيصال هدفه مهما كانت العواقب وخيمة؛ ولا يجب أن تتوقف المقاومة السلمية إلا بتحقيق الهدف التي انطلقت من أجلهِ لتحرير الأرض والإنسان، والشجر والحجر والمقدسات... والمقاومة الشعبية" ليست شيئًا جديدًا على العالم، فلقد كانت منذ قديم الزمن وكان لها قادة ومن أهم قادتها في العالم مارتن لوثر كنج والمهاتما غاندي... وحديثًا لها أبطال يخوضون غمارها في فلسطين وأصبح لها كُتاب يكتبون عنها ومنهم الكاتب مازن قمصيه يتحدّث في كتابه “المقاومة الشعبية في فلسطين: تاريخ من الأمل والتمكين”، الصادر في 2011 عن دار النشر البريطانية “بلوتو بوكس”، عن جميع المراحل التاريخية للمقاومة الفلسطينية المناهضة للأفكار والجرائم الصهيونية خلال 130 عاماً منذ الحكم العثماني، وحتى الوقت الحاضر، بالوسائل كافّة، السلمية منها والعنيفة التي جاءت كردّات فعل على وحشية الكيان الصهيوني في التعامل مع أبناء فلسطين، ويتناول الثورات المتلاحقة التي قام بها الأحرار من أطياف الشعب الفلسطيني كافة، كما يبين الاتفاقيات التي حثت على إقامة دولة يهودية ملغية كل تنوع عرقي وثقافي مترسخ في أرض فلسطين منذ بدايات التاريخ، ويبين الكاتب (قميصه) فشل الدولة القائمة على إلغاء الآخر، كما نراه يدوّن الدروس التي لابدّ من الاستفادة منها، ويكتب توقعاته وتحديات المرحلة المقبلة، والفرص التي لابدّ من استغلالها -والكتاب المقسّم إلى ثلاثة عشر فصلاً بعد المقدمة، هو موجه إلى الغرب بالدرجة الأولى، وذلك في محاولة من الكاتب توضيح بعض الأفكار الخطأ عن المقاومة الفلسطينية المشروعة، وضرورة تفهم الواقع المرير الذي يعيشه أبناء فلسطين، والظلم الواقع عليهم بصيغة دقيقة وشاملة، وفي مقدمة كتابه يتحدث قمصية عن سوء فهم الغرب للمقاومة الفلسطينية، حيث يرى بعضهم أنها مقاومة عنيفة، ولا بدّ من التحول إلى اتباع الأساليب السلمية في المطالبة بحقوقهم، حتى إنّ بعضهم يميل إلى إطلاق صفة الإرهاب على بعض الفصائل الفلسطينية، وقد نصح جيسي جاكسون الناشط في حقوق الإنسان والتمييز العنصري ضد السود، الذي كان مرشحاً رئاسياً من قبل الحزب الديمقراطي، بعث رسالة مفتوحة إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات، حثه فيها على اتباع استراتيجية اللا عنف للحصول على “دولة”، والثاني هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الذي توجه به إلى العالم الإسلامي من القاهرة، وحينها طالب الفلسطينيين بالنضال للحصول على دولة بالوسائل السلمية، ويقول: “ كلاهما يتجاهل بدقة التاريخ الحافل للنضال السلمي، في حين يفشلون في تقدير ما يريده الفلسطينيون من الحرية وحق العودة، وليس علماً على إقليم يسمّى “دولة” إن تجاهل الغرب أيضًا الكُلي تجاه حقيقة أن عدد السكان اليهود كان أقل من 6% قبل عام ،1917 في وقت كانوا يطالبون فيه بإقامة دولة لليهود في فلسطين،،،،، إن المقاومة الشعبية والرسمية والمفاوض الفلسطيني والرئيس أبو مازن كذلك كُلهم يؤكدون مرارًا وتكرارًا وكل وقت وحين؛ بأن المقاومة الشعبية الفلسطينية بكل أصنافها وأطيافها ما زالت ضد الهدف الصهيوني بتحويل جزء رئيسي من العالم العربي من مجتمع متعدد الأعراق والأديان إلى دولة يهودية” وإنّ هدفهم هذا تطلب دعماً من القوى العظمى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإقناع اليهود بالفكر الصهيوني، وقمع أيّ مقاومة من السكان الأصليين، الذين أظهروا صلابة ومقاومة لم يتوقعها زعماء الصهاينة في الغرب.إن المقاومة الشعبية التي شكلت المستقبل من دون اللجوء إلى العنف، قد نجحت في كثير من البلدان في العالم، ومن الأمثلة حول أشكال الحصول على التحرر، كما في حالة الجزائر، وجنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا ضد حركة الفصل العنصري، بالإضافة إلى أشكال متنوعة من المقاومة الشعبية السلمية، وجميع حركات التحرر في العالم حتى الآن لجأت في كفاحها إلى الأساليب المقاومة الشعبية مرةً والكفاح المسلح مرةً أخري...“إنّ المقاومة الفلسطينية للصهيونية منذ بدايتها في ،1880 م لأن الفلسطينيين يرزحون تحت الاحتلال، ويمارس الصهاينة بحقهم أبشع الانتهاكات، وأن خريطة الطريق الحقيقية إلى السلام، لابدّ أن تكون مستندة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وليس بناء على تغليب مصلحة ضد أخرى أو بالأحرى الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات، كما يرى أن جهود المقاومة الشعبية طيلة 130 سنة كانت ومازالت تدعو إلى تحقيق العدالة، والسلام، والديمقراطية الكاملة لجميع الناس بغض النظر عن دينهم أو عرقهم -إن السياق المحلي للمقاومة الشعبية، تهدف مثل أيّ حركة أخرى إلى التخلص من خصومها ممن يرتكبون الظلم بحقها، وإضعاف قبضتهم على السلطة، بالإضافة إلى العمل على تقوية المجتمع بكافة أشكال التمكين والصمود، وتحسين معايير الكفاية الذاتية والأوضاع المعيشية، وتحقيق العدالة وحفظ حق الرجوع وتقرير المصير . بالإضافة إلى ذلك، توضيح بعض المغالطات وسوء الفهم عند الغرب حول الإسلام، حينما يتحدث عن زيارة الرسول الكريم لبلاد الشام وتآلفه مع الأديان التي سبقته،.إن العنف الذي تمارسه "إسرائيل"، ترافقه أجندة صهيونية إعلامية منذ ظهور الإنترنت، حيث يتم تصوير الفلسطينيين كبرابرة غير متحضرين، والمقاومة هي شكل من إرهاب بربري يتعذر تفسيره . ويذكر أنه على النقيض من ذلك يظهرون مرتكبي التطهير العرقي كضحايا أبرياء يتعرضون للظلم من الفلسطينيين مثل: تعرض الأمريكيين الأصليين لاستعمار الأوروبيين، والمقاومة الفرنسية للاحتلال الألماني، والمقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي، وكذلك مقاومة (الأبارتهايد) نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. إن الصهيونية أوجدت شكلاً محلياً من الاستعمار الاستيطاني بتمويل عالٍ وتحصين كبير، والتي تفرض مصلحتها الحصول على أعلى حد من الجغرافية للدولة اليهودية مع أقل حدّ للسكان الأصليين، .وإن المقاومة الشعبية تعجّل المصرع الحتمي لمشروع الاستعمار الاستيطاني، من خلال القيادة الجماعية وليس على القادة المتمتعين بكاريزما خاصة .- إن المقاومة المُسيسة قاطعة طريق على صاحبها كما قال القائد الشهيد أبو عمار رحمهُ الله، لذلك علينا أن نتوحد جميعًا في فلسطين نحو بناء استراتيجية مقاومة مشتركة يتفق عليها الجميع حتى نحمي ثوبتنا الفلسطينية ومقدراتنا الوطنية.

بقلم الكاتب الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد أبو نحل – مدير عام المركز القومي للبحوث