الخير والشّر
تاريخ النشر : 2013-10-03 21:08

في لحظة التأمل فيما يحيط بنا من كل جانب ، نرى المتناقضات في كل مكان ، فإذا كان النهار والليل متناقضان فهما لا يلتقيان في نفس المكان وفي نفس الزمان ، فهما يكملان بعضهما ليكوّنا معاً اليوم ، ولكن الخير والشّر المتناقضين يجتمعان في نفس المكان والزمان ، ولا يمكن لهما أن يكملا بعضهما فيكونا فعلاً متكاملاً ، ولكن يمكن لأحدهما أن يهزم الآخر ويحلّ مكانه ، والخير كما الشّر كل منهما موجود في أي مكان ، ويمكن للفعل البشري المتشابه بأركانه أن يحمل صفة الخير أو صفة الشّر بحسب الشخص المكون لهذا الفعل ، فثمة شخصين يلتقيان في ساح القتال وكل منهما يوجه سلاحه نحو الآخر ، وكلٌ منهما يسعى لقتل الآخر لأنه يرى في الآخر عدواً له ، فجندي الاحتلال يسعى لقتل صاحب الأرض والسيطرة على أرضه وفي هذا الفعل يتجسد الشّر في المعنى الإنساني العام ، بينما نجد صاحب الأرض يسعى لقتل عدوه دفاعاً عن أرضه وفي هذا يتجسد الخير في المعنى الإنساني العام ، ومن هنا يمكن القول بأنّ ليس كل فعل يكون خيراً أو شراّ بالمطلق ، والذي يميز بين صفة الخير والشّر في تشابه الفعل مع اختلاف الفاعل هو هدف الفاعل من فعله ، وانطلاقاً من هذا المفهوم لمعنى الخير والشّر يمكن التمييز بين المقاومة والإرهاب ، ولكن عندما يرى كلا الفاعلين لفعل متشابه أنهما يقومان بفعل خير وليس بفعل شر ، هنا تتدخل العديد من العوامل لتحدد أيهما يمارس الخير أو يمارس الشّر ، ومن هذه العوامل المكان والزمان والحق والباطل والرواية لكل منهما ، فربما يكون أحدهما ألحن بحجته من الآخر فيمثل جانب الخير بينما هو في الحقيقة يمثل جانب الشّر ، على حين يمثل الاخر جانب الشّر وهو في الحقيقة يمثل جانب الخير ، وهذا ما نراه في صراع الشعوب والأمم فيما بينها ، والتي يظهر فيها جانب القوة المادية الذي يفرض صفة الخير على فعل الشّر وبالمقابل يفرض صفة الشّر على فعل الخير ، كما نرى ذلك في النزاعات الداخلية بين أفراد الشعب الواحد .
إذا فالتناقض المادي للأفعال لا يجعل صاحب الفعل وهو الذي يعرف حقيقة فعله أن يعترف أنّ فعله فعل شر ، لأنّ الإنسان كفردٍ او كجماعة لها مصلحة مشتركة حيث تنظر إلى الفعل الذي تمارسه مهما كان نوعه هو فعل خير ، فقوات الاحتلال التي تمارس القتل والتشريد وهدم البيوت وقطع الأشجار وتجريف المزروعات لا ترى في فعلها هذا سوى أنه فعل خير لأنه يحقق لها أهدافها التي تسعى لتحقيقها ، على حين ترى في دفاع صاحب الأرض عن أرضه فعل شر .
فالخير والشّر كامنان في النفس البشرية ، هذه النفس التي لا تعترف بقيامها بفعل الشّر أياً كان ضرره على الآخرين إلا عند محاكمتها محاكمة عادلة تمتلك كل الدلائل المادية في الفعل التي أقدمت عليه هذه النفس ، وعندما يضيق عليها الخناق النفسي والمادي فتصيح كما صاح قابيل أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي ، لذلك لا بدّ للخير أن يمتلك القوة المادية لتظهر بالتالي قوة الحق في مواجهة حق القوة .