حرب باردة جديدة تلوح في الأفق بين كييف ودمشق ... جدران جديدة تبنى وسدود تتحطم
تاريخ النشر : 2014-03-06 02:16

يبدو أن الأحداث الجارية اليوم في كل من العاصمة الأوكرانية كييف والعاصمة السورية دمشق هو مجرد البداية الفعلية لمرحلة انهيار القطبية الأحادية، وعودة نذر الحرب الباردة من جديد، وهو أمر ربما يعجل بمواجهة ساخنة (بالوكالة) بين واشنطن وموسكو، حيث لم يشهد التاريخ الإنساني مواجهة مباشرة بين الخصمين اللدودين طيلة عقود مضت، لكنهما تواجها واشتبكا بشكل غير مباشر على أراضٍ ادعى كل منهما أنها تعدُّ امتداداً لنفوذه الإستراتيجي، فكانت أزمة خليج الخنازير تارة، وأزمة السويس تارة أخرى، وحرب كوريا تارة ثالثة، وغيرها من المواجهات التي استخدمت فيها الدبلوماسية مرة والسلاح مرات.

جاءت الثورة الشعبية الأوكرانية – تشبه ثورات الربيع العربي – لتشعل جذوة الحرب الباردة من جديد، حيث رأت فيها موسكو تهديداً لمصالحها الحيوية، فقررت إعلان الحرب عندما فوّض الكرملين الرئيس بوتين تحريك قواته العسكرية للسيطرة على أوكرانيا بالقوة بعد خلع الرئيس الأوكراني على يد ثوار مواليين للغرب، الأمر الذي أثار موجات غضب عارمة في أوروبا والولايات المتحدة.

تجلّت خطورة الوضع وانسداد أفق الحل من المكالمة الهاتفية الساخنة التي استمرت لمدة ساعة ونصف بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي باراك أوباما السبت الماضي، حيث أبلغ بوتين أوباما أن روسيا لها الحق في حماية مصالحها والسكان الناطقين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم في حال حدثت "أعمال عنف"، في حين اعتبر أوباما التدخل العسكري انتهاكاً للقانون الدولي ومساساً بالأمن والسلم الدوليين. فهل يتجرأ أوباما على التحدي الصارخ ويشرع بتحريك قواته جهة أوكرانيا هو أيضاً؟

 تعتبر تهديدات أوباما ومن خلفه أوروبا بأكملها لبوتين مجرد تهديدات فارغة من محتواها، وليس بإمكانها تغيير صورة الوضع ولن تمنع بوتين من خوض حرب ضروس في سبيل استعادة أوكرانيا إلى حلفه، ولن تقض مضجعه الأزمات الدبلوماسية التي لا يلقي لها بالاً فكل ما يفهمه هو القوة، ومن المتوقع أن يزيد قرار بوتين بالتدخل في أزمة أوكرانيا حدة التوتر بينه وبين أوباما، ولكن الأخير يخشى من زيادة تخبط سياسة البيت الأبيض التي تسعى لتحقيق تعاون مع الكرملين لوقف "الهولوكوست" السوري وتشجيع المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، هذا إضافة إلى قرار الكونغرس الأمريكي بخصوص سحب جزء من القوات الأمريكية من أفغانستان خلال العام الجاري عبر تنظيم طرق الانسحاب ونقل الآليات العسكرية عبر الأراضي الروسية.

على ما يبدو أن الغرب أمام تحدٍ كبير وربما الأكبر منذ نهاية الحرب الباردة، لاسيما وأن أوكرانيا على تخوم روسيا، وعبرها تنقل موسكو الغاز إلى أوروبا، فهل سيتخلى أوباما عن ثوار كييف ويتركهم يواجهون روسيا بمفردهم، تماماً كما فعل في ثوار سوريا الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة مع السلاح الروسي دون مدد ممن باركوا ثورتهم ذات يوم؟

 بالتأكيد أن الأوضاع في أوكرانيا لها تداعياتها على الأوضاع في سوريا، حيث ترمي موسكو بكل ثقلها في الدفاع عن حليفها بشار الأسد، فهل سنرى تنازلاً أو مقايضة في إحدى الورقتين، مع الأخذ بعين الاعتبار الأهمية الحيوية لأوكرانيا بالنسبة لموسكو- أم سيقرر بوتين خوض الحرب إلى النهاية؟، فإلى هذه اللحظة لا يعوّل السوريون على تداعيات إيجابية من الورقة الأوكرانية، كونهم يؤمنون بعدم جدية الغرب وأمريكا في السعي لإسقاط نظام الأسد بل يرون تواطؤاً دولياً لإركاع الثورة والقضاء عليها، بينما تتمسك روسيا ودول أخرى بالأسد وتدعمه بكل ما أوتيت من أسباب القوة، لكن بوتين لن يتمكن من حمل "الصخرتين" بيد واحدة، وعليه قريباً أن يختار بمن سيضحي: كييف أم دمشق؟.