الأسرى والأملُ في الحُرية.. رؤيةٌ نفسية
تاريخ النشر : 2017-04-30 23:09

الحريةُ (كلمةٌ أحرفها قليلة لكنها تحمل في طياتِها معانٍ كثيرة) ، الحريةُ هي أغلى ما يملك الإنسان، فحقُ الإنسان في الحريةِ كحقهِ في الحياة ولقد اعتبر الإسلامُ "الحريةَ" "إحياءً"وحياةً".. فنجد أنَّ عِتقَ الرقبةِ وهي تحريرُ العبدِ بإخراجهِ من الموتِ الحكميّ إلى حكمِ الحياة.. وهذا هو الذي جعل عتقَ الرقبةِ إحياءَها و كفارةً للقتل الخطأ الذي أَخرج به القاتلُ نفساً من إطار الأحياءِ إلى عدادِ الموتى، فكان عليه كفارةٌ عن ذلك بأنْ يعيدَ حياةً إلى الرقيق بالعتق والتحرير وذلك في قوله تعالى :{ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } [النساء:92].

فتُعتبرُ الحريةُ للأسرى من معالمِ الصحةِ النفسيةِ لهم والصحةُ النفسيةُ من الأشياءِ التي ينْشُدُها الناسُ في مشارقِ الأرضِ ومغارِبِها وتُعرّفُ الصحةُ النفسيةُ بأنها حالةٌ من العافيةِ يستطيعُ فيها كلُ فردٍ إدراكَ إمكاناتِه الخاصة والتكيفَ مع حالاتِ التوتّرِ العادية والعملَ بشكلٍ منتَجٍ ومفيد والإسهامَ في مجتمعه المحلي.

ونجدُ أنَّ الأسرى بأمسِ الحاجةِ إليها وخاصةً أنَّ لديهم شعورٌ بالفقد و هو شعورٌ مؤلم؛ لأنَّ البشرَ بِطبعِهم وفطرتِهم اجتماعيين، يحتاجونَ لبعضهم البعض، يجدون مسرتَهم في علاقاتِهم بالآخرين، لذلك عندما يفقدون أقرب الناسِ إليهم بالسجن والبعد عنهم تنتابُهم مشاعرُ الحزن أحياناً ومشاعرُ الذنبِ أحياناً أخرى ، لذلك قال ابن خلدون "الإنسان مدنيٌّ بطبعه" فنجده لم يقل هذه العبارةِ من فراغ , فالإنسان بطبعه وفطرته يفضل الاختلاط ببقية أفراد مجتمعه ومشاركتهم , و لا يحتمل العزلة والبقاء وحيداً وبعيد عن نشاطات أفراد مجتمعه.

ولا يوجد ألمٌ أكبرُ من ألمِ الأسير في فقدانهِ أبسطِ أسبابِ السعادة التي تتمثلُ بما يحتاجُه من حقوقٍ وواجباتٍ إنسانية، وخصوصا حاجتُه إلى الأمنِ النفسيّ لأنَّه ضروريٌّ للنمو النفسيّ السويّ والتمتُّعِ بالصحةِ النفسيةُ في جميعِ مراحلِ الحياة وقد خلُصت دراساتٌ عديدة أنَّ الأشخاصَ الآمنين متفائلون سعداء متوافقون مع مجتمعهم مبدعون في أعمالهم ناجحون في حياتِهم، في حين أنَّ الأشخاصِ غيرَ الآمنين قلقون متشائمون ، فنعم. الأمن و الأمان لا تُساوى بأي نعمة ولا تُقدَّرُ بأي ثمن ،ولا يستطيع أن يشعر بها إلا من فقدها ،فنجد الأسرى هم أكثر من يستطيعون التعبير عن هذه النعمة العظيمة خصوصا بعد أنْ يتنسمون عبق الحرية ..

ورغمَ هذا الألم والضغوطات التي يمرُ بها الأسرى الا أنك تجد أنَّ هذا الأسير الذي بذلَ حياتَه ومستقبَله من أجل الكرامة ،لديه أملٌ كبير فلسانُ حالِه يقول مادام في قلوبنا أملٌ سنحققُ الحُلم، وسنمضي إلى الأمام ولن تقفَ في دُروبِنا الصِعاب، لندخل في سِباقِ الحياة ونحققَ الفوز بعزمِنا، فاليأس والاستسلام ليست من شِيَمِنا ؛لذلك ؛هم يخوضون الآن حربَ الجوع ويأبون الركوع من أجل الحصول على الحرية. فالأسيرُ بحاجةٍ ماسةٍ إلى المساندةِ الاجتماعية بكافةِ شكالها التي تُعَدُ مصدراً هاماً من مصادرِ الدعم الاجتماعيّ الذي يحتاجه الأسير، ويُقصد بالمساندةِ الاجتماعية للأسرى هو ذلك النظامُ الذى يتضمنُ الروابطَ والتفاعلاتِ الاجتماعية من قِبل الجميع وخاصةً الذين يُمكنُ الاعتمادَ عليهم والثقةُ بهم ليمنحوا الأسير السند العاطفيّ، ويقدموا له العون ويكونوا ملاذاً له وقت الشدة.

فهنا لابد من وعي المجتمع بأهمية إشباع الاحتياجات النفسية وخاصةً العاطفية للأسرى من خلال العمل على حريتِهم والوقوفِ بجانبهم وخاصةً عائلاتهم مما يؤدي ذلك إلى شعورهم بالأمن النفسي.

*ماجستير صحة نفسية مجتمعية