روسيا ... أسطورة الحمايات!
تاريخ النشر : 2013-10-18 08:51

لا تزال غالبية ساحقة من المسيحيين اللبنانيين تسلّم بأشهر الاساطير التي اطلقت مع بداية الحرب عام ١٩٧٥ وهي ان الموفد الاميركي الى لبنان آنذاك دين براون نقل الى الزعماء الموارنة عرضاً بترحيل المسيحيين الى اميركا. على رغم نفي براون وكذلك شهود عيان هذه المزاعم صارت هذه المروية حقيقة دامغة ولم يسقطها اكثر المسيحيين تماماً كما كل الاساطير التي تغدو وقائع في الذاكرة الشعبية.
مناسبة التذكير بهذه الواقعة صدور بيان ولا اغرب في العرف الديبلوماسي عن وزارة الخارجية الروسية قبل يومين يكشف تقديم ٥٠ الف مسيحي سوري (هكذا بالرقم الرسمي المعلن) طلب الحصول على الجنسية الروسية وتالياً "الحماية" من "ارهابيي المعارضة السورية المدعومين من الغرب". تطور صادم بكل المعايير ما دامت موسكو نفسها تتطوع لكشفه ولكن يصعب مروره مرور الكرام من دون التوقف عند بضعة مفارقات لئلا تغدو الاساطير ايضاً وسيلة تلاعب وتوظيف لمصير المسيحيين السوريين الذين تكفيهم قساوة القدر الذي رماهم بين بشاعات الحرب وتناوب لعبة الدول عليهم.
لا جدل في ان الفرق الاصولية والسلفية بممارساتها المرعبة شوهت الثورة السورية واثارت رعب الاقليات ولا سيما منها المسيحية. ولكن هل تقل مسؤولية النظام السوري عن المصير المخيف الذي آل اليه المسيحيون السوريون وهو الذي استغل صورة حامي الاقليات الى درجة زجها متاريس في وجه الاصوليين في احدى اخبث الالاعيب التي يدفع ثمنها المسيحيون الآن؟
ثم ان روسيا التي تطرح نفسها ضمناً عبر هذا الاعلان الدراماتيكي حامية للمسيحيين هل تراها اولاً ستعمد الى استعادة زمن الحمايات وتنزل عسكرها واساطيلها لانقاذ المسيحيين المهددين ام انها مستعدة لايواء الخمسين الف مستجير بها وفوقهم جميع مسيحيي سوريا؟ وما دام الشيء بالشيء يذكر هل ستعترف الدولة الحامية للمسيحيين يوماً بان حمايتها ودعمها للنظام كان المسبب الاول والرئيسي لمحنة مسيحيي سوريا وشعبها ام تراها ستمضي في سياسة انتهازية لا تقيم اعتبارا سوى للمكاسب التي تحققها ولو على حساب زوال سوريا؟
اذا كانت الكلمة الآن للحقائق الصادمة وحدها فثمة في الاعلان الروسي ما يحتم تثبيت حقيقتين على الأقل: لم يعد ممكنا لمؤيدي الثورة السورية الا الاعتراف المدوي بان فرق الاصوليين ومنظماتهم المرتبطة بنهج "قاعدي" تهدد هذه الثورة في الصميم ويستحيل اي تبرير لهذا النهج. كما لم يعد بالمستوى نفسه في امكان روسيا ان تلجأ الى اسلوب النظام الذي تحميه في استغلال مصير المسيحيين للدفع بانتهازية تبرر لها توظيف لحظة الاستقواء التي تتمتع بها فيما هي ستتحمل المسؤولية التاريخية عن مصير اسود يتهددهم. هكذا فقط تسقط على الأقل اسطورة تتربص بالمسيحيين السوريين الى سائر الشرور التي تحاصرهم.

عن النهار اللبنانية