أوكرانيا تحدّد مسار سوريا
تاريخ النشر : 2014-03-05 11:04

ينقل محللون سياسيون عن وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسينجر قوله مرة ان روسيا ، منذ أيام القيصر بطرس الاكبر، تتوسع بما يعادل مساحة بلجيكا كل سنة. ورث الاتحاد السوفياتي الامبراطورية الروسية التي أصابها الوهن، وتغيرت حدوده مع تعاقب الاحداث التاريخية ، حتى صار أكبر دولة في العالم، طبعا قبل أن ينهار هذا التوسع مع انهيار الكتلة الشيوعية. ولكن مع الرئيس فلاديمير بوتين الذي يعتبر نفسه وريثاً شرعيا لتلك الامبراطورية، لا توفر موسكو فرصة للتمدد مجددا تارة في دول شرق أوروبا تارة وطورا في القوقاز. وليست "الغزوات" الروسية البعيدة، وتحديدا في سوريا، وأخيراً مصر، بعيدة من حسابات الارث المفترض لـ "القيصر بوتين".
بعد ترانسنيستريا، الجمهورية الانفصالية التابعة لمولدافيا، وأبخازيا وأوسيتيا الانفصاليتين التابعتين لجورجيا، والتي وضعتها موسكو تحت نفوذها المباشر، ها هو بوتين يعيد الكرّة في القرم الاوكرانية. على طريقة حرب العصابات، وتحت جنح الظلام ، سيطرت القوات الروسية على شبه الجزيرة الاستراتيجية بحجة "حماية " الروس هناك. والواضح أن لا شيء سيثنيه عن تشجيع حركات انفصالية أخرى في أية جمهورية سوفياتية سابقة تتجرأ على الانعطاف غرباً والابتعاد عن فلك الكرملين.
والمفارقة أن بوتين الحريص جدا على وحدة الاراضي السورية، والذي لا ينفك ووزيرخارجيته سيرغي لافروف يهاجمان التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول، لم يفكر مرتين عندما تعلق الامر بمنطقة له فيها مصالح استراتيجية. هذه المبادئ الظرفية للرئيس الروسي باتت تتطلب ردا منسقاً يتجاوز مجرد كلام مستعاد من الرئيس باراك أوباما بأن "موسكو تقف الى الجانب الخاطئ من التاريخ".
بعدما توعد الغرب موسكو بـ"ثمن"، يفترض أن يكون هناك رد سياسي واقتصادي حقيقي. ثمن بحجم النزاعات الداخلية والنزعات الانفصالية التي سيثيرها التدخل الروسي في القرم . ثمن لا يكون على غرار عواقب تجاوز "الخط الاحمر" الذي رسمه أوباما للرئيس السوري. ثمن قد يتطلب تجاوز المخاوف من رد محتمل لروسيا بقطع الغاز عن أوروبا أو وقف التعاون في المفاوضات النووية الايرانية. لن تترك موسكو أوكرانيا في حالها.هي بالنسبة اليها أهم من سوريا، وإن تكن ستحاول عدم الخسارة في اي منهما. أما الاختبار الاكبر في هذه المواجهة فهو لأميركا. من شأن استراتيجية أميركية ناجحة للرد على بوتين، أن تتجاوز بتداعياتها شرق أوروبا الى النزاع السوري، لا لأنها ستعوض التقصير الغربي في وقف حرب دموية تنهي قريبا سنتها الثالثة، وإنما لكونها قد تطلق دينامية جديدة بين واشنطن والعرب وتفتح أفقا جديدا للتعاون بينهما في أكثر من نزاع.
عن النهار اللبنانية