الربيع العربي .. سوريا اوكرانيا ليبيا مصر تركيا والحرب الغير متماثلة"" نظرة تحليلية للدور والاستراتيجية الامريكية
تاريخ النشر : 2014-02-27 16:08

في العلوم العسكرية الغربية وما يحدث في المنطقة العربية يسمى الحرب الرابعة والتي سمتها مراكز الدراسات التابعة للجيش الامريكي بأنها الحرث الغير متماثلة في غرب الكرة الارضية وشرقها.

ففي محاضرة للمستشار العسكري ماكس مانو ارينج والباحث في الشؤون العسكرية تحدث عن الحرب الرابعة وهي الحرب الغير متماثلة، وكيف يصحو عدوك ميتا ً ، وكيف يمكن المحافظة على ماهية الدولة ،ولكن بعمق الفشل ، أي " الدولة الفاشلة "

من هنا وقبل ان نبدأ في البحث عن الحرب الغير متماثلة التي استخدمتها امريكا في المنطقة العربية ، لابد لنا ان نفرد تجربة لها في الثورة البرتقالية في اوكرانيا عام 2004 والتي تم اخذ الدرس والعبر منها لفشل اهدافها ، لتعود مرة اخرى في عام 2014 لكي تحقق مكاسب استراتيجية وتكتيكية امام رئاسة فيكتور مانوكوفيتش.

فمنذ بداية الربيع العربي الذي بدأت مفاتيحه من تونس لتتوسع في اتجاه الشرق لتأخذ ليبيا ومصر ثم سوريا ولتتجه الى اليمن ثم تعود شرقا ً من البحر المتوسط وشماله الى تركيا لتمتد الى مناطق استراتيجية في اسيا لتصل الى اوكرانيا.

لم تكن مفاتيح الاستراتيجية الأمريكية واعتمادها على الحرب الرابعة والحرب الغير متماثلة عفويا ، بل كان ممنهجاً ولأن امريكا لا يمكن ان تحارب على الاقل نصف الكرة الارضية في عملية التغيير ، ولذلك اعمدت على نظرية الحرب الغير متماثلة ، أي الفوضى والجماعات المتضاربة والمختلفة للوصول الى الدولة الفاشلة ، ولكي تصبح تلك الدول اسيرة الاستراتيجية الأمريكية وبدون تدخل من الجيوش والاساطيل ، فهناك فالحروب ماهو اجباري وغير اجباري ، فتختار الادارة الامريكية الحرب الغير اجبارية اولا لتخضع الشعوب لارادتها ، واذا ما تصعب الامر قد تستخدم الاكراه الاجباري ، وهذا ما حدث في ليبيا ومازالت تهدد به في سوريا وتلوح له في مصر واليمن ، ومازالت ما تريد ان تفرضه من اتفاق اطار في فلسطين لانهاء القضية الفلسطينية برمتها.

اعتمدت الحرب الغير متماثلة والتي استخدمها الامريكان على غزو المجتمعات من الداخل وخاصة المؤسسات والدوائر السيادية كالبرلمانات والوزرات الحساسة والدوائر والمؤسسات الامنية في اختراقات كبيرة منظمة ، وكذلك القوات المسلحة ويتوقف نجاح الحرب الغير متماثلة في هذا الجانب على مدى تماسك وانتظامية ودقة تلك الاختراقات .

ففي ليبيا لقد نجحت امريكا في اختراق المؤسسات الثورية والمؤسسات الجماهيرية في المجتمع الليبي وكان من السهل الانقضاض على نظام معمر القذافي وان كان الامر يتحتم بالتدخل الاجنبي تحت سقف البند السابع والحظر الجوي لضرب القوة للجيش الليبي واطلاق العنان لحسم الارض من الاختراقات التي صنعتها في المؤسسات الليبية ، وها هي ليبيا الان هي عبارة عن دولة فاشلة ، الدولة لا تسيطر على اجزاء كبيرة فيها وانطلقت الحرب الغير متماثلة في قطعة ارض او مدينة لا تسيطر عليها الدولة لتعم الفوضى ويعم القتل ولتصبح ليبيا بحاجة كاملة لأمريكا .

اما ما حدث في سوريا فهو وبما ان هناك عراقة حزبية فلقد صعب اختراق المؤسسات البعثية في سوريا بشكل مؤثر ولكن كان الاختراق عن طريق استهواء نظرات عقائدية ومذهبية لكي تلبي بعض من غرورها للاستيلاء على قطعة ارض وبدأت من درعا الى ان يعم مخطط الفشل على الدولة السورية ، وليتصارع على ارض سوريا الان اكتر من 16 فصيل وجماعة مسلحة تحتكر الارض السورية امام الجيش العربي السوري الذي يقاتل باستماتة لاعادة وحدة الارض السورية والدولة السورية .

هناك الامر يختلف في سوريا وربما اخطأ مدفيدف في ليبيا وهذا ما ادركه بوتين في استلامه لرئاسة روسيا ، في رسالة للقيادة الروسية في شهر 3 /2001 حذرنا روسيا من ان الحرب الغير متماثلة ستصل موسكو ، وقد انبناهم على موقفهم من ليبيا وان يأخذوا الحيطة والحذر من تمدد هذا الربيع الى اسيا وعمقها والذي وصل الان الى الدول التي سابقا ما كانت تحت سيطرة دولة الاتحاد السوفييتي .

ربما بعد التهديد الامريكي والاكراه الذي مارسته امريكا بحرب مباشرة على سوريا وحشدت الاساطيل والقوات ، كان هناك خط احمر للروس بأنه ما اذا تركوا الحبل على الغارب للامريكان في سوريا فإن عليهم ان يدافعوا عن اسوار موسكو فيما بعد ، ولذلك لقد حسمت روسيا امرها بعد فشل جنيف 2 وارسلت خبرائها مرة اخرى الى سوريا لكي يتم الحسم على الارض من دعم لوجستي وعسكري للجيش العربي السوري ، وهو في تقدم مستمر لحسم المعركة امام الفصائل التي تدعمها لوجستيا ً دول مربع امريكا في المنطقة العربية.

ولكن هذه المرة تم الاختراق في قفزة الى اوكرانيا لكي توجع ضلع من اضلاع الاتحاد السوفييتي سابقا ولروسيا الان في المنطقة الغربية والجنوبية لروسيا وهي اوكرانيا التي تحركت فيها المعارضة بدعم امريكي وبحرب غير متماثلة ، سواء من المؤسسات الحكومية في اوكرانيا او البرلمان او القوى الشعبية الاخرى وعلى رأس ذلك رئيسة وزراء سابقة يوليا تيموشنكو التي بقيت في صفوف المعارضة حتى عام 2010 وخرجت من السجن بضغط المعارضة وشعبيتها المغذاة من الغرب في ميادين كييف ، كان هناك الخط الاحمر والصراع على اوكرانيا والتي وقف فيها الرئيس الاوكراني السابق فيكتور مانكو فيتش ضد الالتحاق بالسوق الاوروبية ، حيث كان التصور الالتحاق التدريجي بروسيا التي هي حاضنة للاقتصاد الاوكراني والغاز ، حيث تعاني اوكرانيا من عجز في موازنتها للرواتب ما يعادل 25 مليار دولار ، في حين ان وعدت موسكو بتسديد هذا المبلغ والتي سددت منه جزءا ً .

بلا شك ان ما حدث في اوكرانيا هو ردة فعل لما يحدث في سوريا ، وفشل المخطط الامريكي في سوريا ، فأرادوا ان يؤلموا روسيا بالتغيير الفوضوي على حدودها ، وربما استشعر الدب الروسي خطورة ما يحدث على حدوده ، فقامت المواطنة الروسية في اوكرانيا صبيحة هذا اليوم باحتلال البرلمان ومبنى الحكومة في جزر القرن ،وصرح متحدث باسم الخارجية الروسية بأن روسيا ستدافع عن مواطنيها في اوكرانيا ، واستنفر سلاح الجو الروسي من الجهة الغربية .

ولقد سمعت الرئاسة الروسية نداءات الرئيس الاوكراني السابق بنداء الحماية وهي الان تدرس مدى امكانية حماية الرئيس الاوكراني السابق وهو ايضا ً تبويب لتدخل في اوكرانيا .

اذا ً هناك ازدواجية للمواجهة بين روسيا وامريكا في سوريا واوكرانيا الان ، والحقيقة ان روسيا تدافع عن حدود موسكو الان ، هذا ما اذا اخذنا في الاعتبار بداية تحرك الفوضى والدولة الفاشلة في تركيا ضد اردوغان ايضا من المعارضة التي تشبه التجربة الاوكرانية في المؤسسات الحكومية والجيش.

اما مصر فمازال السيناريو فيها لم يكتمل للأن وان بدت عليها ملامح الدولة الفاشلة .

وفي مقال للعالم الامريكي البارز ريغينيتو برنجستي تحدث فيها عن ضعف الولايات المتحدة الامريكية والديون والعجز في الموازنة الامريكية والتي يمكن ان تدفعها لحرب غير متماثلة في مناطق مختلفة في العالم ولأن امريكا غير قادرة على قيادة حروب مباشرة نتيجة ضعفها ، وهذا ما اعتمدت عليه امريكا في سياستها في المنطقة الهامة اولا في العالم وهي منطقة الشرق الاوسط ، ومازال هناك متغيرات في اوكرانيا ستفرض نفسها كما في سوريا ، اما بالشأن الفلسطيني فالوقت مناسب ان ترفض القيادة الفلسطينية كل ما يطرحه عليها كيري ولأن امريكا مصابة بالضعف الان ولن تستطيع فرض ارادتها الا من خلال تصور الحرب الغير متماثلة للوصول الى الدولة الفاشلة والقيادة الفاشلة والمؤسسات الفاشلة .