جولة في عقلية وأيديولوجية اليمين الإسرائيلي
تاريخ النشر : 2014-02-26 12:42

إلى جميع المتفائلين بالحل، والذين يعتقدون بأن وثيقة وزير الخارجية الأميركي "جون كيري"- التي لم يعلن عنها رسمياً- ستؤدي إلى نهاية الصراع، وإلى الذين يعارضون هذه الوثيقة قبل معرفة مضمونها، وعلى الرغم من الجهود المضنية التي يبذلها "كيري" فإن الذين يعتقدون بأن السلام بات قاب قوسين أو أدنى لا يعرفون الحقيقة، فإن البون شاسع جداً، بين موقف الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بل أكثر من ذلك، فإن اليمين الإسرائيلي صاحب التأثير على القرار السياسي الإسرائيلي، ما زال يتبنى أيديولوجية أرض إسرائيل التوراتية الكاملة من النهر إلى البحر، وأن حل القضية الفلسطينية، بما في ذلك حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، فمكانه في الأردن، من وجهة نظرهم، وإذا كان رئيس الوزراء السابق "أرئيل شارون"، وغيره من القيادات الإسرائيلية، ومنذ السبعينات إن لم يكن قبل ذلك، يتبنون هذا التصور، وإذا كانت رئيسة الوزراء السابقة "غولدا مئير" اعتبرت أنه لا وجود لشعب فلسطيني، ليطلع علينا نائب كنيست من أكثرهم تطرفاً وهو "آرييه ألداد"، بمشروع نعتبره وهمياً، يروج له، بأن "الأردن هو فلسطين"، بل أنه ذهب إلى أبعد من ذلك، بتوزيع مشروعه على نواب الكنيست والأحزاب الإسرائيلية، بل وتوزيعه على أعضاء الكونغرس الأميركي، وإلقاء محاضرات داخل الجاليات الأميركية، لحشد الدعم لما يزعم بأنه الحل للقضية الفلسطينية، فإنه وأتباعه يحملون أفكاراً خطيرة تطال المملكة الأردنية الهاشمية، لتصفية قضية الشعب الفلسطيني، ويعمل بأسلوب ممنهج لتحقيق أحلامه، ففي عام 2004، بعد أن أطلق مشروعه بأن "الأردن هو فلسطين"، أنشأ موقعاً إلكترونياً بعدة لغات، وتقدم بمشروعه إلى الكنيست، بأن "الأردن هو فلسطين"، فحصل على تأييد (56) نائباً من أصل (120) عدد نواب الكنيست، مما يشير إلى أن هذه الأيديولوجية تحتل معظم عقول الإسرائيليين، إلا أنه ولأسباب سياسية، وضغوط خارجية، أحيل اقتراحه إلى إحدى اللجان، حيث تم تجميده حالياً، وفي عام 2010، نظم المذكور مؤتمراً في تل أبيب، شارك فيه قيادات يهودية إسرائيلية ومن الخارج، تحت عنوان: الأردن هو فلسطين.

 "آرييه ألداد" من مواليد تل أبيب عام 1950 يحمل درجة بروفيسور طبيب، أنهى خدمته العسكرية برتبة عميد، ويترأس حزب "هتكفا"-أي الأمل- ويحظى بشعبية وبثقة من الجمهور اليميني الإسرائيلي، وينشط في الترويج لمشروعه، ويسجلون له خبرة في مجال جودة الحكم ومكافحة الفساد، فهذا الرجل الخطير يحظى بتأييد كبير لمشروعه في الشارع الإسرائيلي، وبين يهود الولايات المتحدة، فهو يعتبر الصراع مع الفلسطينيين حرب دينية ضد اليهود، وضد حقهم بإقامة دولتهم اليهودية في فلسطين، ويستشهد بمنظمات فلسطينية تنادي أن فلسطين بالنسبة للمسلمين هي أراضٍ وقضية مقدسة، لا يجوز لأي مسلم التنازل عنها وسيطرة الكفار أي "اليهود" عليها، ويزعم بأن هذا الذي يدفع المسلمين لشن الحروب على اليهود، أي أنها حرب دينية بامتياز، ويعتبر ألداد هذه جذور الصراع، ويقول بأن الصراع ليس إقليمياً، بل حرباً دينية ضد اليهود، لذلك فإنه يعارض تقسيم ما يطلقون عليه "أرض إسرائيل"، أي فلسطين الانتدابية التي تمتد من البحر إلى النهر، ويعارض حل الدولتين، ومن وجهة نظره فإن جميع رؤساء حكومات إسرائيل موحدون في رأيهم ووجهات نظرهم، بأن قيام دولة فلسطينية غربي نهر الأردن، ستعرض وجود إسرائيل، والمملكة الأردنية الهاشمية إلى الخطر، فهو مع حق اليهود في السكن في كل مكان من أرض فلسطين، بينما ينفي حق الفلسطينيين في ملكية أي جزء من أرض فلسطين، دون أن يعير أي اهتمام لقرار تقسيم فلسطين عام 1947، وبالقرارات العديدة التي تلته مثل قرار (242) و(338) ولا يعطي أي اعتبار للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ولا اتفاقات أوسلو أو خارطة الطريق.

إنه يزعم بأن خطته ومشروعه سيكون بديلاً عن جميع الخطط التي سبق طرحها لحل القضية الفلسطينية، مع اعترافه بأن البعض يرون المشروع بأنه خطة مستحيلة، فهو يعتبر أن للفلسطينيين دولة خاصة بهم في الأردن، وهي المملكة التي أنشئت في أعقاب تقسيم ما يطلق عليه بـ "أرض إسرائيل الانتدابية" لقسمين، وأنه يعتبر أن الفلسطينيين يشكلون 75% من تعداد سكان الأردن، وبالتالي هي الدولة الفلسطينية وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين فيها، وفي الدول العربية التي استوعبت لاجئين فلسطينيين في أعقاب حرب 1948، مطالباً بأن تصبح إسرائيل ذات سيادة على كل أراضيها غربي نهر الأردن، أي الضفة الغربية المحتلة، وحسب مشروعه، فإن عرب الداخل في المنطقة 1948، الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، يحق لهم الحصول على الجنسية الفلسطينية بدلاً من الإسرائيلية، مع بقائهم كسكان مقيمين فقط، ولم يفته أنه عليهم دفع الضرائب، وهذا يؤكد خطورة الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، التي تؤدي لخطر تشريد ما يزيد عن مليون ونصف المليون فلسطيني من فلسطينيي الداخل.

أما بالنسبة لفلسطينيي الضفة الغربية، فإنه لا يمانع في بقائهم فيها، وإدارة شؤونهم المدنية في إطارات بلدية وقروية، دون حقوق وطنية، بل أن حقوقهم الوطنية تكون في المملكة الأردنية الهاشمية،ويصوتون للبرلمان في عمان الذي يصفه بأنه يمثل الشعب الفلسطيني ولدعم مزاعمه، فان المملكة الأردنية الهاشمية التي كانت تحتل الضفة الغربية، لم يكن لها مطالب لفرض الملكية عليها، رغم اهتمامها الكبير بها، ويضيف: أنها تنصلت من هذا الاهتمام والملكية عليها عام 1988، في أعقاب إعلان "الملك حسين" فك الارتباط الكامل مع الضفة الغربية، وأنه خلال اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن عام1994، لم يطالب الأردن أبداً بملكيته على الضفة الغربية، فاستشهاده بفك الارتباط مردود عليه، إذ أنه يدحض نظرية "ألداد"، لأنه جاء لإفساح المجال للفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، فدعوته باعتبار الأردن الدولة القومية للفلسطينيين، تتعارض مع القانون الدولي، بحق الشعوب بتقرير مصيرها، والفلسطينيون قرروا بأن فلسطين هي وطنهم الوحيد، ولتصفية القضية يطالب "ألداد" بإغلاق وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وإعداد خطة واسعة النطاق لتوطين اللاجئين في الأردن ومنحهم ضمانات إسرائيلية ودولية للنظام الملكي الأردني، وأن الدولة الفلسطينية – الأردنية، تبقى تحت حكم هذا النظام.

ومن جهة ثانية فإنه يطالب بتطبيق القانون القضائي الإسرائيلي على الضفة الغربية، أي ضمها لإسرائيل على مراحل، في البداية على المستوطنات، فالإدعاء بأن الأردن هي فلسطين، اعتمادا على وعد "بلفور" سيئ الذكر، يتجاهل أن بريطانيا أخرجت رسمياً الأردن من هذا الوعد، وأن منح الجنسية الأردنية للفلسطينيين الذين كانوا مقيمين فيها – حيث أن الأردن هي الدولة الوحيدة التي منحت الفلسطينيين الجنسية- لا يعني بأن الأردن هي فلسطين.

وأخيراً ... علينا عدم الاستخفاف بمثل هذه النظريات والمشاريع المرفوضة، بل المطلوب مقاومتها والتصدي لها وهي في مهدها، واقتلاعها من جذورها، وهناك أدلة كثيرة بأن "ألداد" ومن معه، في تناقض مع الواقع، إذ أن المملكة الأردنية بدءاً من مليكها وحكومتها وبرلمانها وأحزابها يبذلون كل الجهود المتاحة، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مما ينفي أقوال "ألداد"بأن إقامة الدولة الفلسطينية ستشكل خطراً وتهديداً على المملكة الأردنية الهاشمية، وليس مشروعه المرفوض، وكما قيل، فإن الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين، وهذا لا يتناقض مع أنهما شعبان لهما تطلعات مشتركة، وأن الموقف الأردني الرسمي والمعلن بأن إقامة الدولة الفلسطينيين المستقلة مصلحة أردنية عليا.