القوميون واليساريون ينتصرون لأنفسهم
تاريخ النشر : 2017-02-27 10:57

التظاهرة الأحتجاجية التي قادها التحالف اليساري القومي ضد سياسات الحكومة ، يوم الجمعة 24 شباط ، في شارع مجمع النقابات المهنية ، أدت الواجب ، وأوصلت الرسالة ، فالحضور المشارك نوعي ، قيادي ، رفيع التهذيب والمستوى والشعار ، فقد تعلموا الدرس أن الشعارات الطنانة الجوفاء ، لا تُغذ سوى فارغي المضمون ، فاقدي العزيمة والقدرة ، إتكاليو الفعل ، أما أصحاب الفعل فهم أدرى بإحتياجاتهم لتحقيق الفعل ومراكمته التدريجية ، والإنخراط بين صفوف الناس ومساماتهم ، عبر تسييسهم وتجنيدهم في أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني ، حيث يكون لصوتهم الأثر المطلوب بالفعل ، وأفعالهم المطلوبة تُقاس بمدى نفوذهم في النقابات المهنية والعمالية ، ولدى رؤساء ومجالس البلديات ، وفي حجم حضورهم لدى مجلس النواب ، أي في مؤسسات صنع القرار الشعبي ، نتاج إفرازات صناديق الأقتراع .

عزيمة القوميين واليساريين مازالت متدفقة رغم الظروف الذاتية المتمثلة بكبر أعمارهم وضعف تأثيرهم ، والموضوعية خارج إرادتهم التي تمثلت بهزيمة الربيع العربي ، على يد الطرفين أولهما قوى الشد العكسي التي منعت مسار التغيير رغم سقوط قادة الأنظمة التي إجتاحها الربيع العربي بإستثناء سوريا ، وثانيهما بسبب قوة أحزاب التيار الإسلامي التي سبق وأن كانت حليف للنظام التقليدي ولقوى الشد العكسي ، فأنفضت عنها ، وخطفت نضال الناس وإستولت عليه ، ودمرت ما صنعته الشعوب بعرق جبينها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وخربت نضال الشعوب العربية وتضحياتهم ، وقطعت الطريق على طموح حركة التحرر العربية نحو إستكمال خطوات الإستقلال السياسي والأقتصادي ، وتحقيق العدالة الإجتماعية ، وإشاعة الديمقراطية ، والأحتكام إلى نتائج صناديق الإقتراع ، وتداول السلطة .

كل هذا الطموح تم إحباطه ، بفعل جرف مسار ثورة الربيع العربي المدنية الديمقراطية ، نحو التطرف والأرهاب وتسط أحزاب التيار الإسلامي الأربعة : الإخوان المسلمين ، أحزاب ولاية الفقيه ، داعش والقاعدة ، والإستيلاء على مقدرات الثورة وشارعها وقيادتها نحو الهزيمة والأندحار والتخلف .

من هنا قيمة ما يفعله تياري اليسار والقومية في بناء حالة جماهيرية مسيسة معتدلة واقعية ، فالذين حاولوا رفع شعار " إسقاط الحكومة " تم التصدي لهم ، ليس محبة بالحكومة أو للتمسك بمواصلة شرعيتها ، بل لأن هذا الشعار المستهلك لم يعد متصاغاً ولم يعد مطلوباً ، فالمطلوب تغيير النهج ، تغيير البرامج ، وتبديل السياسات التي أدت إلى الكوارث التي نعيشها ونعاني منها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وهي نتاج العجز بالموازنة وأثقال المديونية .

مظاهرة القوى السياسية القومية واليسارية أدت وظيفتها ، ورسالتها الأحتجاجية ، بتفاهم ورضى ، وقالوا ما قالوه ، وهذا كاف وفق المعطيات المتوفرة ، وإعتماداً على الموازين المتاحة ، والمناخ السائد ، إضافة إلى هذه الخلاصة السياسية ، فثمة معطى أخر ، تمت ملاحظته ويستاهل التوقف وهو توسيع قاعدة الشراكة السياسية ، بحضور ومشاركة قوى قومية ويسارية أخرى ، ممثلة بالحزب الديمقراطي الإجتماعي ، والتيار القومي التقدمي ، وحركة معاً ، مما يستوجب حقاً توسيع التفاهم اليساري القومي ، ليصار إلى المزيد من نقاط المشاركة وعناوين التوافق وقضايا النشاط ، تعزيزاً للتعددية المطلوبة ، وتوسيع قواعد المشاركة مع شخصيات وإتجاهات وقوى تملك الحد الأدنى من الحضور والمعقولية والواقعية والأتزان السياسي ، بما يستوجب كسب شراكتهم ، بدون التسرع لطرح قيام جبهة وطنية أو غيرها من المسميات المستعجلة المحبطة كما حصل في تجربة الجبهة الوطنية التي تشكلت من الإخوان المسلمين ، والنقابات المهنية ، والأحزاب القومية واليسارية ، ومجموعة أحمد عبيدات وفشلت ، فالقيادة المتزنة التي يُمثلها أكرم الحمصي وعبلة أبو علبة وفرج الطميزي وفؤاد دبور وسعيد ذياب ، عليها واجب الإدراك بضرورة توسيع قاعدة الشراكة ليكون تحالف اليسار مع التيار القومي قوياً بما يستحق الرهان عليه ، ومتماسكاً بما يجب الركون إليه .

الضعف الذي تُعاني منه الأحزاب القومية واليسارية ، ليس نهائياً ودائماً ، ولكنه حتى يختزل عوامل الزمن وصولاً لدور مؤثر ينتظره يحتاج لعاملين أساسيين : أولهما تعميق التوسع التنظيمي ، والإهتمام بالشبيبة أداة التواصل وصنع المستقبل ، وثانيهما التواضع والعمل بروح ودوافع جبهوية أي لا يكون الشعور والممارسة لدى كل حزب على أنه البديل عن الأخرين ، وأنه أفضل منهم ، بل يكون الشعور السائد والممارسة الفعلية تقوم على أساس أن الحزب هو مكمل للأخرين وليس بديلاً عنهم ، بهاذين المفهومين ناصعي العمل الجبهوي المحافظ على التعددية يمكن أن يكون للحركة السياسية الأردنية مكانتها اللائقة ، عبر تعميق مكانة كل حزب بين صفوف الناس ، وأن تكون علاقة كل حزب مع الأحزاب الأخرى علاقة جبهوية تكاملية ، بعيداً عن الأنانية والتفرد والإحساس أنه أفضل من الأخرين ، بل هو مكمل لهم ، بذلك تضع الحركة السياسية الأردنية وشعبنا من خلالهم أقدامها على سكة الطريق الصحيح الموصل للهدف ، لأن يكون للأحزاب مكانتها وقوتها والأختبار المقبل هو الإنتخابات في محطاتها الثلاثة : 1- الإنتخابات البلدية ، 2- إنتخابات مجالس المحافظات ، 3- إنتخابات مجلس النواب ، ليكون للأردنيين حقاً قاعدة حزبية متينة ، تجعل من مشاركتهم قوة وتأثير على أصحاب القرار في مؤسسات صنع القرار المنتخبة .

[email protected]