"يا ليت الشباب يعود يوماً"
تاريخ النشر : 2017-02-23 01:37

منذ زمنٍ بعيد كان الشباب خزان الثورة الفلسطينية بل وقودها المشتعل في طليعة ساحاتها وجبهاتها الأمامية المستعرة؛ حيث استطاع تبوء المواقع القيادية المتقدمة من خلال رموزاً قدمها الإتحاد العام لطلبة فلسطين الذي نفخ فيه الروح الطالب الأول ياسر عرفات في خمسينيات القرن الماضي؛ لينطلق بالثورة الفلسطينية التي كان جُل قيادتها من الشباب، واستمرت جذوة الحركة الطلابية متقدة تواكب كل مراحل الثورة بثباتٍ واقتدار سواء كان ذلك من خلال الكتيبة الطلابية التي شاركت بجدارة في أهم معارك الثورة الفلسطينية.. أو من من خلال مجالس اتحادات الطلبة والأطر الطلابية والشبابية وفي مقدمتها حركة الشبيبة الفتحاوية كرائدة للعمل النقابي؛ حيث كان لهذه المجالس والأطر دوراً نضالياً كبيراً في الأرض المحتلة "قطاع غزة والضفة الغربية والقدس".

المؤسف بأن هذا القطاع العريض بات في السنوات الأخيرة عُرضة للتجاذب والاستئثار ومحط للإحتواء والاستحواذ في محاولة لإستزلام هؤلاء الشباب من قبل بعض المتنفذين ذوي مراكز القوة الذين يريدون لهذا الجسم الشبابي أن يكون جسراً؛ لوصولهم إلى المواقع القيادية الفلسطينية، بل أداة طيّعة تُنفذ مآربهم الخاصة؛ لإفراغ طاقتهم الإيجابية من مضمونها ويصبح قطاعاً شكلياً ليس إلا.. على اعتبارهم خير سلعة يُتاجر بها كما يظن هؤلاء الذين تناسوا كيف أن الثورة كانت قد وضعتهم في سُدة قيادتها؛ لإيمانها العميق بالدور الذي يلعبه الشباب في نهضة الأمم ورفعتها وتقدمها وخير ما يدل على ذلك ما أحدثته الثورات على مدار حركة التاريخ في شتى بقاع الأرض.. ولسنا هنا بصدد الإستدلال بالأمثلة على هذه الثورات.

المُضحك المُبكي بأن الجميع يتغنى بالشباب -إلا ما رحم ربي- بيدَ أنه لا أحداً يتغنى بهم إلا للعب على هذا الوتر الرابح في الجولات الإنتخابية، والمؤلم بأن الشباب يأخذهم العاطفة والحماسة ويصدق ذلك -إلا ما رحم ربي أيضاً- وما أن تنتهي أي عملية انتخابية أو مناورة ما؛ حتى يُدار الظهر لهم ليجدوا أنفسهم خارج المشهد بلا أي مشاركة حقيقية في صنع القرار.. وفي انتظار محطة أخرى بينما يكون قد انتهت حيويتهم بفعل تجاوزهم الفئة العمرية؛ وتدور الوائر على جيل آخر يليهم وهلمجرا.. وبعد فوات الأوان تُقام البُكائيات والولولة واللطم والندب والسب والذم واسقاط جام غضبهم على قياداتهم التي خيبت آمالهم.

ومع تراكم الأجيال المُنهكة بفعل الأحداث التي عصفت بالوطن ما بين حروب وانقسامات وغيره.. وما أنتجت من بطالة وفقر وانعدام للرؤية وانسداد الأفق؛ بات الشباب يبحث عن الهجرة كحل لمعاناتهم، ولم يفكر أحداً ممن يدعي حرصه عليهم بالعمل على انقاذهم من حالة التيه والضياع، إنما دأب على العودة إلى أسلوب التجاذب والاستئثار المُتبع بحق الشباب حيث تَجلى ذلك في اللقاءات والمؤتمرات الكثيرة التي انعقدت على مدار المرحلة السابقة وما زالت تنعقد تحت ذات الشعارات الكبيرة والتي أتينا على ذكرها آنفاً.. وحقيقة الأمر أنها تأتي في سياق السجال الدائر بين هذا وذاك ويعود الشباب إلى نفس تلك الرحى التي تطحن أحلامهم وتصادر حقوقهم وتقف بهم عند حدود ممنوع عليهم الاقتراب منها وخاصة ولوجهم إلى المواقع القيادية.

لا نشكك في جدوى أي لقاء أو أي حراك مؤتمراتي لصالح الشباب بشرط أن ينطلق من نوايا صادقة؛ لتعزيز دورهم وإذكاء مشاركتهم السياسية والمجتمعية الفاعلة والنأي بهم عن أي سجال يفسد مضمون ما ترمي إليه هذه اللقاءات والمؤتمرات بل العشرات وربما المئات التي سبقتها على مدار عشرات السنين التي خلت دون احداث قفزة حقيقية تأخذ بهم إلى ما يتمنون ويشتهون، حتى أن جيل الوسط ممن عملوا في مختلف الأطر الطلابية والشبابية لم يتسن له الصعود والتقدم وظل يراوح مكانه بفعل هذا التراكم الحاصل وتكدس الأجيال المتلاحقة تباعاً دون العمل على دفع عجلة مبدأ تدافع أو تواصل الأجيال.

وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن آخر مؤتمر للإتحاد العام لطلبة فلسطين والذي يمثل طلبة وشباب فلسطين كان قد انعقد عام 1990م في بغداد أي قبل ما يزيد عن ربع قرن من الزمان ولم يتخلل هذه السنوات الطوال غير محطة دستورية يتيمة تمثلت في انعقاد المجلس الإداري للإتحاد عام 1998م الذي انعقد في غزة؛ لاستكمال أعضاء المجلس من الأرض المحتلة "غزة، الضفة" وإعادة تسمية هيئة تنفيذية جديدة لقيادة الإتحاد.

وهذا بالطبع يقودنا إلى تأصيل الأشياء ووضع الأمور في نصابها.. بمعنى إذا كان الهدف من أي حراك نادى وينادي بحق الشباب؛ فلماذا لم يتم العمل عاى إعادة الحياة الى هذا الإتحاد الذي وصل إلى حالة الموات؟! على اعتباره الإطار الشامل الذي يحشد الطلبة والشباب وينظم عملهم ويحفظ حقوقهم ويصدرهم إلى المواقع المختلفة، ولماذا سكت وما زال يسكت الطلبة والشباب عن ذلك؟! ومن المسئول عن ذلك الشباب أم القيادة؟!

أسئلة كثيرة طالما طرحناها سابقاً ومطولاً وتحركات عدة خضناها.. وخاضها معنا العديد من الأطر الطلابية والشبابية؛ من أجل استنهاض الإتحاد عبر إعادة صياغته ومأسسته "ولا حياة لمن تنادي" فإذا كنا ننادي بحق الشباب في أخذ دورهم الطبيعي، لماذا لا نعيد تأطيرهم في اطار طلابي وشبابي يضمن لهم الوصول إلى الأطر القيادية في منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها الوطنية وحركة فتح على اعتبارها رائدة النضال الوطني الفلسطيني؛ إذ أننا لم نر تصعيداً شبابياً إلى الهيئات القيادية بالمستوى المأمول.

والسؤال الأهم، لماذا جُمدت الحياة التنظيمية والنقابية في المؤسسات التعليمية وبخاصة جامعات غزة خلال العشرة أعوام الماضية وتعطل اجراء الإنتخابات الطلابية فيها؟! مما غيّب الأطر الطلابية التي تحمل الطلبة والشباب إلى مواقع قيادية دون المن عليهم أو إلحاقهم بها إلحاقاً واستهلاك جسمهم الذي يمثل قطاعاً عريضاً وواسعاً يحسم أي معادلة انتخابية إذا ما أحسن صنيعاً.

وبناءً على ما تقدم؛ فإننا نرى ضرورة العمل على التالي:

- اجراء الإنتخابات الطلابية في كافة الجامعات الفلسطينية على قاعدة التمثيل النسبي على أن يسبقها انتخابات داخلية للكتل الطلابية المتنافسة على مقاعد مجلس اتحاد الطلبة مع التأكيد على ضرورة حمايتها من أي تأثيرات سلبية بدواعي فصائلية أو أمنية.

- إعادة احياء وصياغة الإتحاد العام لطلبة فلسطين.

- إنشاء الإتحاد العام لشباب فلسطين وفصله عن الإتحاد العام لطلبة فلسطين.

- إعادة تشكيل المجلس الأعلى للشباب وفصل الرياضة عنه على أن يشكل مجلساً خاصاً بها؛ لأن متطلبات الشباب لا تقف عند حدود الرياضة مع أهميتها القصوى للشباب ولكل قطاعات المجتمع الفلسطيني.

- العمل على ايجاد آلية تمنع زج الشباب في أي تجاذبات ورفع أي يد عنهم تحاول استئثارهم واستحواذهم واحتوائهم واستزلامهم لصالح أجندات البعض هنا وهناك.

- وضع خطة وطنية استراتيجية تنموية للشباب تتبناها الحكومة وتعمل على تنفيذها في فترة زمنية قياسية بما يكفل رعايتهم وتنمية طاقاتهم ومهاراتهم وتوفير فرص العمل لهم عوضاً عن هجرتهم ودفعهم باتجاه تبوء المواقع القيادية في شتى المؤسسات الفلسطينية.

- إعادة النظر في القوانين المعمول بها فلسطينياً فيما يخص حق الشباب في خوض الإنتخابات الوطنية العامة أو التنظيمية الداخلية على مستوى الأحزاب والفصائل.

دعوة لكل ذي شأن: ارحموا الشباب من شيب أحلامكم.

نصيحة للشباب: ما حك جلدك غير ظفرك؛ خذوا حصتكم قبل أن تخبروا شبابكم بما فعل المشيب.