تاريخ الدولتان
تاريخ النشر : 2017-02-20 21:50

يخطىء اي سياسي حين يغيب وقائع التاريخ، وينحو إلى لي عنق الحقيقة . ويجانب الصواب في قلب الشواهد والمعطياتالسياسية والتاريخية، والميل لإسقاط مواقفه الخاطئة على احد الثوابت الوطنية نتاج الخلاف مع القيادة السياسية. وهنا اقصد ما جاء في مقالة للزميل حسن عصفور، نشرها قبل يومين في الموقع الإعلامي، الذي يشرف عليه ويرأسه "أمد"، حول "تباكي" رام الله (ويقصد القيادة الفلسطينية) على خيار الدولتين الأميركي الصنع والجذور. والرفيق ابو علي يعرف جيدا، ان موضوع التقسيم وإقامة الدولتين نشأ وتأصل في القرار الدولي 181 الصادر في ال29 من نوفمبر/ تشرين ثاني 1947. وكان الرفاق في عصبة التحرر الوطني (الحزب الشيوعي الفلسطيني) أول من تبنوه إلتزاما بموافقة موسكو الشيوعية آنذاك. ومع نشوء الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام 1965 كان الشعار الناظم للحركة الوطنية الفلسطينية بإستثناء الشيوعيين، تحرير فلسطين من البحر للنهر. ثم تدرج الفكر السياسي الفلسطيني في تطوره مع تبني الحل المرحلي (النقاط العشر) في العام 1974، القائل، بإقامة سلطة على اي جزء من الأرض الفلسطينية يتم تحريره. ثم تم القبول بقرار 242 و338 في دورة المجلس الوطني الفلسطيني ال19 عام 1988 في الجزائر، والقبول بمبدأ التسوية السياسية مع إسرائيل، ودخلت القيادة الفلسطينية في حوار رسمي ومعلن مع السفير الأميركي بليترو في تونس حول العملية السياسية، ولاحقا جاء مؤتمر مدريد 1991، وفي أعقاب ذلك بدأت قناة اوسلو، التي كان الرفيق حسن عصفور واحدا من فريقها السري، وتم لاحقا التوقيع على الإتفاق المثلوم والمليء بالنواقص والثغرات في 13 ايلول/سبتمبر 1993. والذي لم يرسم ملامح الحل النهائي، وإقتصر على إقامة حكم ذاتي نعيش تحت ظلاله منذ 24 عاما خلت. ونسعى جميعا من كل الوان الطيف الوطني لبلوغ خيارحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وضمان حق عودة اللاجئين لديارهم على اساس القرار الدولي 194.

بتعبير آخر وأوضح خيار الدولتين على اي حدود يراها الزميل ابو علي 67 او 47، ليس جديدا، لإنه في الجوهر، هو خيار إقامة الدولة الفلسطينيىة، لإن دولة إسرائل الإستعمارية قامت وموجودة. ولم تتباكى القيادة على المشروع الأميركي. ولكن وفق الواقعية، التي إنتهجها الرفاق الشيوعيين تاريخيا تعاملت القيادة بحكمة مع مركبات وتعقيدات الصراع. وكنت يا رفيق حسن، كما اشرت آنفا واحدا من المشاركين في المفاوضات السرية، وجلبت لنا مع اقرانك في الفريق المفاوض إتفاق اوسلو. الذي لم يعطينا الدولتين، بل اعطانا دون ذلك كثيرا وكثيرا جدا. وانت اعلم الناس بما حصلنا عليه ونعيش تحت سيف تعقيداته وارباكاته مع دولة مارقة وخارجة على القانون، هي دولة الإستعمار الإسرائيلية. 

اما ما طرحه الرئيس كلينتون عام 2001، وتلاه الرئيس بوش الإبن 2002 ليس سوى إستمرار لما هو مطروح، وإشتقاق منه. ولم يكن إبداعهم إلآ في تقليص الحقوق الوطنية الفلسطينية، ومنح إسرائيل مكانة المقرر في مصير ومستقبل شعبنا، رغم تمسكهم بخيار الدولتين. ولا أعتقد أن خيار الدولتين يعتبر نقيصة او مسبة إذا ما تمسكت القيادة به، لانه موقف الإجماع الوطني. فضلا عن ذلك، سؤال لك قبل غيرك، هل الواقع السياسي القائم يسمح بتحقيق خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 67؟ وهل إسرائيل جاهزة لتكون شريكا في بناء صرح السلام؟ وهل الإدارة الأميركية الجديدة تحمل رؤية واضحة لبناء عملية سلام حقيقية؟ وألآ تعلم ان الغموض والفوضى السياسية أو وفق منطق كوندليزا رايس، وزير خارجية اميركا الأسبق "الفوضى الخلاقة"، التي تتبناها الإدارة الترامبية تقدم لإسرائيل كل التسهيلات لتنفيذ مخطط الترانسفير وشطب عملية السلام القائمة على مقومات خيار الدولتين؟

اذا يا زميل حسن تريث قليلا قبل ان تأخذك المواقف الخاصة لمعاكسة التاريخ وإسقاط إنفعالاتك غير المبررة، وتسيء لك، لاسيما وان منطق الرفاق الشيوعيين، الذين إنتسبت اليهم، ومازلت تتبنى منهجهم العقلاني، يقوم ويرتكز على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، وايضا الحركة الوطنية برمتها وليس فقط الرئيس ابو مازن والفريق المفاوض، الذي كنت به سابقا. وهو خيار قديم قدم الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني وقبل قيام إسرائيل في مايو عام 1948.