القضية الفلسطينية تدخل نفق اليمين الصهيونى
تاريخ النشر : 2017-02-19 11:41

تمر القضية الفلسطينية بمرحلة دقيقة وحساسة، بعد أن أدت تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى المؤتمر الصحفي مع نيتانياهو بأن الولايات المتحدة ستدرس حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، على ضوء المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وما يتوافق عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، إلى حدوث التباس لدى الأطراف المعنية حيث إنه لم يرفض حل الدولتين، وفي الوقت ذاته لا يتبناه كحل وحيد، وبما دفع مسئولى السلطة الفلسطينية للاستجابة لطلب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالامتناع عن التعليق على موقف الإدارة الجمهورية لإتاحة المجال أمام مسئولى البيت الأبيض لدراسة ملف الشرق الأوسط، والتعرف على رؤية الجانب العربى إزاء عناصر التسوية السياسية للقضية الفلسطينية.

كشفت توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن القضية الفلسطينية أن إدارة ترامب لا تعترف بوجود احتلال إسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولكنها تقر بأن هناك »مشكلة« ما مع الفلسطينيين يتوجب حلها، مع تبنى رؤية اليمين الإسرائيلي كاملة فيما يتعلق بأن جوهر الصراع مع الفلسطينيين ليس »الأرض« التي تحتلها ولكن »كراهية« الفلسطينيين لإسرائيل ورفضهم الاعتراف بيهوديتها، وهو ما أدى إلى مزايدة قوى اليمين المتطرف فى إسرائيل، حيث اعتبر رئيس كتلة »البيت اليهودي« ووزير التربية والتعليم الإسرائيلي »نفتالي بينيت« أن الفلسطينيين لديهم دولتان وهما غزة والأردن، كما اعتبر قادة اليمين الإسرائيلي أن أقوال ترامب تسمح بضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، بعد أن يتم قضم المساحات »الضرورية« من المستوطنات والتجمعات، وكذا الأراضى خارج نطاق القدس الكبرى والأغوار، واستقطاع كل المساحات المخصصة لوجود الجيش الإسرائيلي من معسكرات ثابتة ومراكز تدريب، وكذلك مناطق المحميات الطبيعية وغيرها بحيث تحصر »الأرض« التي ستخصص للفلسطينيين بما يزيد قليلا على منطقتي (أ) و(ب) وبما لا يزيد على 40 بالمائة من المساحة الكلية للضفة الفلسطينية.

وإن كنا نرفض ونستنكر كمواطنين التوجهات الأمريكية الجديدة ومحاولات نيتانياهو لفرض وقائع على الأرض كضم أراض فلسطينية لإسرائيل أو الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة على كامل الضفة وغزة عاصمتها القدس الشرقية، فإننا نؤكد أن الدولة الفلسطينية ليست منحة من واشنطن أو إسرائيل، بل حق للشعب الفلسطيني الذى يبلغ تعداده نحو 12 مليون فلسطيني نصفهم ما زال يعيش على أرضه التاريخية والنصف الآخر في الشتات ينتظر ويعمل من أجل العودة، ورغم أن التسوية السياسية وما انبثق عنها من تصور لحل الدولتين هي إحدى وسائل حل الصراع التي لجأت لها القيادة الفلسطينية، وإن فشلت هذه الوسيلة فهناك وسائل أخرى للحل من حق الشعب الفلسطيني اللجوء لها، إلا أن الانقسام الفلسطيني السياسى والجغرافي بين غزة والضفة، ومحاولات حركة حماس إقامة دويلة منفصلة عن مشروع حل الدولتين أوحى لإسرائيل وحلفائها بتصور بديل لحل الدولتين بحيث تكون دولة غزة هي الدولة الفلسطينية ويتم ضم الضفة لإسرائيل.

وقد ساعدت بعض الدول العربية والإقليمية على تدمير فرصة قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة وذلك من خلال تعاملها مع غزة ككيان قائم بذاته ومع سلطة حماس في غزة كسلطة سياسية شرعية، وقد مارست تركيا دور الوسيط فى مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس لعقد هدنة تمتد لعشر سنوات مقابل تحقيق اتصال للقطاع مع العالم الخارجى من خلال إعادة تشغيل ميناء غزة وربطه بأحد الموانىء التركية أو القبرصية ، كما يجري حالياً الإعداد لعقد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الشتات في مدينة إسطنبول التركية يومى 25و 26 فبراير الجاري، غير أن حركة حماس تريد لهذا المؤتمر ان يسهم في تعميق خيار الانقسام في اوساط الشعب الفلسطيني.
ورغم أن ترامب سمع من الملك عبد الله الثاني، والرئيس عبد الفتاح السيسي، ما يعزز جدية وصلابة الموقف الفلسطيني، إلا أن نتائج لقاء ترامب مع نيتانياهو تؤكد نجاح الزيارات التى قام بها كل من رئيس الموساد، ونائب رئيس مجلس الأمن القومى يعقوب نيجل ولقاءاتهما مع مسئولى الإدارة فى التأثير على توجهات الرئيس الأمريكى لتأييد مواقف اليمين المتطرف فى إسرائيل، ومع تنصل الولايات المتحدة من حل الدولتين سيكون حتماً المواجهة مع كيان الاحتلال، خاصةً بعد إقرار الكنيست الاسرائيلي قانون التسوية وتشريع البؤر الاستيطانية، من هذا المنطلق تأتي أهمية تفعيل العامل الذاتي الوطني ووضع إسرائيل والمستوطنين في مواجهة الشعب الفلسطيني، حيث لم يعد هناك مانخشى فقدانه بعد أن هددت إسرائيل بضم الضفة.
وبالتالى ضرورة إدارة الصراع مع إسرائيل لحين استعادة الجانب العربى وحدة الصف الداخلى، ارتباطا بصعوبة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية فى ظل معطيات الأوضاع السائدة حالياً بالمنطقة العربية، وعلى القيادة الفلسطينية إدارة الخلافات الداخلية بين مكونات الحالة الفلسطينية، والتوصل لإستراتيجية وطنية جامعة حتى في ظل وجود انقسام جغرافي، فالثورة الفلسطينية انطلقت وفرضت وجودها في منتصف الستينيات في ظل الشتات وعدم وجود تواصل بين التجمعات الفلسطينية وبعيداً عن متاهات السلطة والدولة، بينما جاءت فكرة حل الدولتين في سياق البحث عن إطار للتسوية السياسية وليس هو جوهر القضية الوطنية ، فجوهرها هو تمكين الشعب الفلسطينى من تقرير مصيره.
لابد من الرد على تنصل واشنطن من "حل الدولتين" كهدف للتفاوض أو لمجمل العملية السياسية فيما يخص الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وذلك استعداداً لفصل جديد تماماً من فصول الصراع مع الجانب الإسرائيلي، مع أهمية وجود رد فعل ميداني شعبي فلسطيني لبدء كفاح سياسي يوحد كل القوى ضد الاحتلال الإسرائيلي، مع بلورة موقف عربى موحد يشكل قوة ضغط عربي ـ إسلامي لتوفير العمق الاستراتيجى للجانب الفلسطينى، مع أهمية البحث عن راع دولي جماعي، حيث يمكن اعتماد »مجلس الأمن« كراع جديد لجهود التسوية السياسية، لامتلاكه القدرة على فرض الحل بالقوة، مع الاستفادة من وجود روسيا والصين لإيجاد قدر من التوازن مع الراعى الأمريكى المنحاز لإسرائيل.

عن الاهرام