ثقافة الهبل في التّعامل مع نصف المجتمع
تاريخ النشر : 2017-02-12 12:07

لا يحتاج المرء إلى كثير من الذّكاء ليعرف أنّ المرأة نصف المجتمع، وأنّ لها حقوقها التي أعطاها الله لها حسب الدّيانات السّماويّة، لكنّ المجتمعات الذّكوريّة، ومنها المجتمعات العربيّة تنكر عليها هذه الحقوق، وتضطّهدها وتحرمها إنسانيّتها وحتّى حقّها في الحياة، ويشارك في ذلك متديّنون مسلمون يعظون النّاس باعطاء المرأة حقوقها، ورغم النّصوص الدّينيّة الدّاعية إلى إعطاء المرأة حقوقها، وحتّى يومنا هذا فإنّ الغالبيّة العظمى لا يريدون إنجاب البنات، يقول تعالى:"وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ." وقد تتعرّض الزّوجة التي تنجب الأنثى إلى الاضطهاد والأذى من قبل زوجها ومن أقاربه أيضا، وقد تتعرّض للطّلاق أو الزّواج عليها بسبب ذلك، علما أنّ العلم أثبت أنّ الرّجل هو المسؤول بيولوجيّا عن انجاب الأنثى، "مثلما تزرع تحصد".

وثقافة الهبل الاجتماعيّ حسب العادات والتّقاليد والمفاهيم الاجتماعيّة تتعامل مع المرأة وكأنّها إنسان لا يستحق الحياة، وأنّها سبب الشّرور والمصائب، ويظهر ذلك جليّا في المأثور الشّعبيّ من حكايات وأمثال شعبيّة مثل: "اللي بتموت وليته من حُسّن نيته"، "دلّل ابنك بغنيك، ودلّل بنتك بتخزيك"، "ابنك لك وبنتك لغيرك"، "همّ البنات للممات"، "ولد أهبل ولا بنت عاقلة"، "الولد وين ما راح لا تخاف عليه، والبنت دير بالك منها حتّى وهي في البيت"، "الولد وين ما رميته بظل زلمه، والبنت دايما عورة"، شاوروهن واخلفوا شورهن"....إلخ. في حين غالبيّة الحكايات الشّعبيّة تركّز على المرأة كسبب لكلّ الشّرور والمصائب!

ومن التّناقضات غير العجيبة في ثقافتنا هي احترام الأمّ، والحثّ على برّها وعدم عقوقها، علما أنّ النّساء جميعهنّ أمّهات أو مشروع أمّهات، فالواحد منّا يحب ويحترم ويبرّ ويخدم ويرعى والدته، ويرى فيها "ستّ الحبايب" و"ستّ الدّنيا"، وهذا أمر جيّد يقول تعالى: " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا، وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا، حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ."

وبهذا فإنّ الاحسان إلى الأمّ فرض دينيّ، وتقرّه الأعراف والعادات، لكنّ هذه الأمّ لا تلقى الاحسان والمعروف من زوجها مع أنّ الرّسول صلّى الله وعليه وسلم يقول: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي." والأهل هنا هم الزّوجة والعيال، ولا من شقيقها، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من كان له ابنتان أو أختان فأحسن إليهما ما صحبتاه، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين يعني السّبابة والوسطى."

ولا من مجتمعها، وكأنّ كلّ واحد من مجتمعنا يعيش هو ووالدته في عالم خاصّ، ولا يحترم أمّهات الآخرين مثلما يحترم أمّه! أو لا ينظر لأمّهات الآخرين كنساء فاضلات كأمّه.

والأنثى "ناقصة العقل والدّين" بالفهم الجاهليّ والجاهل لهذه المقولة، تواجه صعوبات في مختلف مناحي حياتها، ولا تحصل على حقوقها، فمثلا لا تمنح الفرصة للتّعلم كشقيقها، ولا تحصل على نصيبها في الميراث، أو حقها في اختيار الزّوج....إلخ، وهذا ليس من الدّين في شيء، فقد كان من النّساء راويات للحديث مثل أمّ المؤمنين عائشة، وشاركت النساء في عهد النّبوّة في الحروب، يعددن الطعام للمقاتلين ويمرّضن الجرحى، ويرفعن المعنويات، وقادت أمّ المؤمنين عائشة معركة الجمل ضد عليّ بن أبي طالب، وغير ذلك.

وفي العهد العثمانيّ عرف ما يسمّى بعصر الحريم، الذي تفاوت فيه التّعامل مع المرأة بين جماعات وأخرى، إلى أن وصلنا الى العصر الحديث، حيث نجد فضائيات مخصّصة لمشايخ يطلقون اللحى، ويضعون العمائم غالبية "فتاويهم ومواعظهم ومعالجاتهم لقضايا الأمّة" ترتكز على جسد المرأة وما بين فخذيها، وكأن الأنثى مسؤولة عن مصائب الأمّة كلّها، مع أنها ليست شريكا في صنعها، وهناك من يعتبرون "الأنثى" "حرمة" اسمها حرام، وسماع صوتها حرام، وكل ما يتعلق فيها حرام في حرام، وينسون أنّهم يقرأون –إن كانوا يقرأون- اسم والدة الرسول، وأسماء بناته وزوجاته، وبعضا من سيرتهنّ الذّاتيّة، فلماذا لا يقتدون بالرّسول وهو قدوة حسنة؟ وهناك من يدعو إلى زواج البنات الأطفال درءا للرّذيلة، وكأن الشّهوة موجودة في الأطفال الإناث! وهناك من يفتي بزواج المؤانسة، والمتعة والمسيار و"جهاد المناكحة"....إلخ. وهناك من ينسب الغواية والضّلالة للأنثى دون الذّكر، وامعانا في اضطهاد الأنثى فإنّ التمييز يلاحقها في كلّ شيء، وفي الوقت الذي شاركت فيه بعض النّساء غير المسلمات في غزو الفضاء الخارجيّ، وساهمن في الاكتشافات العلميّة، إلا أنّ هناك من يحرّم على المرأة قيادة السّيّارة حتّى لو كانت ذاهبة للصّلاة في المسجد، أو لاصطحاب طفلها المريض إلى الطبيب، لكن لا ضير من أن يقود سيارتها أجنبيّ وهي بصحبته! ويلاحظ أنّ الأتراك قد تخلّوا عن عصر "الحريم" لكنّ العرب تلقّفوه منهم وتمسّكوا به.

والأنكى أنّ هناك من يعتبر المرأة ضعيفة لا تقوى عقليّا على عمل شيء، وهؤلاء طبعا يعتمدون على الفوارق العضليّة بين الذّكر والأنثى، وينسون أنّ هناك نساء قدن أمما وشعوبا بقدرة واقتدار، ومنهنّ نساء عربيّات مثل بلقيس ملكة سبأ، وزنوبيا ملكة تدمر، ومسلمات كشجرة الدّر في مصر، وبنازير بوتو في باكستان الحديثة، وغير مسلمات وغير عربيّات مثل: مارغريت تاتشر، أنديرا غاندي، جولدة مائير، أنجيل ماركل وغيرهن.

ومن ثقافة الهبل والاستهبال في تحميل المسؤوليّة وما يتبعها من عقاب للمرأة وحدها، فأيّ تصرّف خاطئ يرتكبه الرّجل والمرأة معا هو مسؤوليّة المرأة، وما يحصل في بلداننا من جرائم تحت باب ما يسمّى شرف العائلة ضحاياها النّساء وحدهنّ!