خديعة " المحكمة العليا "
تاريخ النشر : 2017-02-10 20:21

كالمعتاد وفي جريمة جديدة عمد الاحتلال إليها، أقر " الكنيست الإسرائيلي " ما يسمى بقانون " التسوية " والذي يهدف إلى منح صفة الشرعية على المستوطنات ويزيد من رغبة الاحتلال في نهب ومصادرة الأرض الفلسطينية خاصةً في الضفة الغربية.

هذه الخطوة جاءت في تحدِ سافر للمواثيق الدولية والقانون الدولي والإنساني وبالأخص قرار مجلس الأمن الأخير 2334 الذي جرم الاستيطان، مما دفع العديد من الدول والمؤسسات الدولية إلى شجب هذه الجريمة ومطالبة حكومة الاحتلال بالتراجع عنها، ولكن استغرب العديد صمت الإدارة الأمريكية عن شجب هذه الجريمة وهي التي لديها وتيرة واحدة في إدانة الاستيطان؛ بل سبق أن عاقبت حكومة الاحتلال على مخالفة هذه السياسة، فلماذا الأن تلجأ الإدارة الأمريكية للصمت، وتعلن أنها في انتظار قرار " المحكمة العليا الإسرائيلية " حول القانون؟!

بداية نبين بأن مراجعة القوانين هو أحد المواضيع الأربعة التي تختص بها "المحكمة الإسرائيلية"؛ والتي تعتبر المرجع القانوني الأعلى في هذا الشأن وتستطيع أن تلغي أي قانون وتوقف العمل بموجبه، ولكن هل علينا الاطمئنان إلى حكم المحكمة في هذا الشأن؟

لعله بات معروفاً بأن مركز عدالة قدم إلتماس لإلغاء القانون، ومنحت المحكمة شهراً لحكومة الاحتلال لتقدم لائحتها الدفاعية للرد على ما جاء بلائحة الإلتماس قبل النظر في الموضوع ـ هذا في سبيل معرفة أخر الخطوات القانونية بشأن هذه الجريمة ـ أما بشأن السؤال للإطمئنان حول حكم المحكمة؟

فالجواب اختصاراً لا؛ وذلك لعدة أسباب منها ما يرجع إلى طبيعة تركيب أو تشكيل المحكمة، وأخرى تعود إلى طبيعة أحكام المحكمة في مواجهة قضايا الفلسطينيين التي تطرح أمامها؛ أما بالنسبة لتشكيل المحكمة؛ فهي كما سبق القول أعلى سلطة قضائية وتشمل عددا محدوداً من القضاة. يتم تعينهم بشكل دائما حتى سن السبعين، وهو جيل التقاعد للقضاة في المحكمة العليا. كما ويتم تعيين قضاة بصورة مؤقتة أيضا.

أما الحديث عن اختصاصها؛ فيدخل ضمن صلاحيات المحكمة: أن تٌعقد المحكمة بهيئة محكمة العدل العليا. ويتم انعقاد المحكمة على هذا النحو للبت في إلتماسات مقدمة من أي شخص أو الجمهور أو جمعية تمثله، وفي حالات نادرة جدا من سلطة رسمية ضد سلطة رسمية أخرى.

كما أن لها الاختصاص في عقد جلسة إعادة نظر في قرارات أصدرتها المحكمة العليا نفسها، ويتم ذلك في حالات نادرة، بوجود إشكالية قضائية معقدة أو جديدة نسبيا.

وهنا منبع أو مصدر الخطورة؛ فلو افترضنا أن المحكمة أصدرت حكماَ بإلغاء القانون تظل الفرصة متاحة لأن يأتي من يطالب بإعادة النظر في حكم المحكمة ويعود القانون بشكل أقوى إلى التنفيذ، ومما يؤكد صحة ذلك الافتراض؛ النقاش الذي تناولته الصحافة بين القاضية مريم ناؤور " رئيسة المحكمة" بعدما انتقدت مشروع 'قانون التسوية' لشرعنة الاستيطان، واتهمت الحكومة بالاستبداد؛ وبين الوزير ياريف ليفين من الليكود الذي وصف " المحكمة العليا بأنها تتعامل بقدر كبير من الازدواجية. وأن نفر من القضاة يحاول فرض سيطرته. وأعتبر أن هذه هي الرسالة التي يتم إرسالها طوال الوقت".

أما بشأن طبيعة تعامل المحكمة في مواجهة الفلسطينيين؛ ففي العديد من القضايا وقفت المحكمة إلى جانب سلطات الاحتلال متناسية واجبها القانوني؛ ومن ذلك، في قضية الجدار العازل فقد قبلت المحكمة الادعاء أنّ الجدار نفسه هو وسيلة أمنية مشروعة في مخالفة وضحها للقواعد الواضحة في القانون الدولي.

كما أن صمت المحكمة العليا بشأن المستوطنات وموقفها بشأن البؤر الاستيطانية، يخلق صورة وكأن المستوطنات تحظى بغطاء قانوني، مقابل البؤر غير القانونية. والحقيقة هي ان المحكمة العليا تريد اقصاء نفسها عن الحلبة السياسية كما عبر عنها البعض.

كذلك أثبتت المحكمة العليا الاسرائيلية مراراً انحيازها لسلطات الاحتلال الاسرائيلي وقوانين الكنيست التي تتعارض مع أبسط حقوق الأسرى ومع القوانين والأعراف الدولية، ومن ذلك إصدارها حكما يجيز تعذيب الأسرى وأخر حول إطعام الأسرى المضربين عن الطعام قسرياً حتى في حال اعترضوا على ذلك، إضافة إلى حرمانهم من عدد من الحقوق مثل الحق في التعليم وكذلك الإبقاء على الحبس الإداري.

مما يقودنا إلى الاستنتاج بأن رغبة الاحتلال والإدارة الأمريكية بالإيحاء للمحاكم الدولية بأن محاكم الاحتلال قادرة على التعامل مع جرائم تدخل في إطار ميثاق روما أو قواعد القانون الدولي الإنساني مثل الاستيطان؛ وأن هذه المحاكم هي صاحبة الاختصاص الأصيل وبالتالي فإن أي قضايا يرفعها الفلسطينيون إلى المحاكم الدولية قد لا تحظ بالمقبولية لديها، كما جاء في المادة (17) من ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية على سبيل المثال.

مع الأخذ في الاعتبار أن يلجأ الاحتلال من خلال هذه الخديعة إلى إقناع بعض الدول ذات الاختصاص الجنائي الدولي بتوقيع اتفاقيات خاصة مع الاحتلال لمنح أفراده نوعاً من الحصانة أمام محاكمه الخاصة. كما سعت إليه الولايات المتحدة فور إقرار ميثاق روما وسحب توقيعها عنه.

لذلك توجب علينا أن نعري هذه الخديعة، وأن نعمل مباشرة على تفسيرها للمجتمع الدولي واتخاذ خطوات عملية حقيقية ضد جريمة الاستيطان بكافة عناصرها، والعمل على إلغاء نتائج سياسة الأمر الواقع التي يمارسها الاحتلال من خلال تقوية وإبراز المراكز القانونية الفلسطينية.