أردوغان بين خيبات الامل المتكررة وتضييع البوصلة
تاريخ النشر : 2014-02-22 22:46

اعتقد جازما ان االوقت قد حان لإماطة اللثام عن شخصية " رجب طيب أردوغان" رئيس الوزراء التركي الذي بات شخصية محل خلاف عليه واختلاف معه بسبب تناقض سياساته وعلاقاته الحميمة مع جماعة الأخوان المسلمين من جهة ومع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص من جهة ثانية ومع المؤسسة العسكرية العلمانية التي نزل عليها الوحي فجأة وباتت مطواعة وملتزمة ومنفذة للإجراءات والقرارات التي يصدرها اردوغان من جهة ثالثة وخاصة قبولها بأحكام السجن الطويلة الامد التي صدرت ضد جنرالات عسكريين كبار من ضمنهم بعض من رؤساء الاركان السابقين ممن سبق لهم وسجنوه وحرموه من حقوقه السياسية قبل ان يشق عصا الطاعة لرئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان بعد اعتقاله من قبل أركان الجيش الذين أصبحوا الان يؤدون التحية والسمع والطاعة لرجب اردوغان وحزبه الجديد (الحرية والعدالة). فما الذي تغير في فكر المؤسسة العسكرية لتنقاد بسهولة من خصومها ذوي الاتجاهات الاسلامية السابقين؟ ليس هذا فحسب بل أنه حافظ وبدعم أميركي كامل من إبقاء علاقاته الاقتصادية والامنية والاستراتيجية مع إسرائيل في خضم الملاسنات والخطب الإعلامية التي تمت مع المؤسسة الرسمية الإسرائيلية سواء في الحوار الذي تم في دافوس بينه وبين شمعون بيرس أو بالاعتداء الفج الذي قامت به قوات البحرية الإسرائيلية على السفينة مرمرة المحملة بالمساعدات لقطاع غزة.ورغم كل تصريحاته الحادة ضد إسرائيل فإن التعاون الامني والاستراتيجي مع الأخيرة لم يتوقف لحظة وسفارات كل منهما ما زالت مفتوحة وتعمل بانتظام رغم الاهانة الكبيرة التي تعرض لها السفير التركي بتجليسه على كرسي قصير عمدا وفي غرفة صغيرة ، وكنا ننتظر أن تبادر الحكومة التركية لفعل نفس الشيئ مع السفير الإسرائيلي لديها ردا على هذه الإهانة. ليس هذا فحسب بل إن أوردغان لم يوقف التسهيلات المعطاة لرجال الموساد الإسرائيلي بالدخول والخروج من وإلى سوريا وتمرير المعلومات الملتقطة من الرادارات الاطلسية الموجودة في تركيا عن إيران إلى إسرائيل والسماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجوائها. بالإضافة إلى ذلك كله فأن إحدى شركات الملاحة البحرية التركية MB التي لديها سفينتين تجاريتين كبيرتين هما "سفران واحد وسكريا"، والذي يعتبر أحمد أردوغان (ابن رئيس الوزراء )احد المالكين الرئيسيين للسفينتين لم تتوقفا لحظة واحدة عن نقل البضائع ذهابا وايابا بين الموانئ التركية والإسرائيلية في ذروة التصريحات الاعلامية النارية المتبادلة بين الطرفين. تلك مشاهد ومواقف سريعة للسياسات المتناقضة وغير الوطنية والمتعارضة مع الإسلام التي حكمت مواقف أردوغان خلال الفترة الماضية فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركيةالداعمة الأساسية للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة الذي يتباكى عليه أوردغان . فالدعم الأميركي هو الذي يمكن إسرائيل من إستمرار احتلالها للقدس والاقصى والضفة بدون ان يتخذ مجلس الأمن والعالم أية إجراءات فاعلة لردع سياسة الاحتلال ويجبرها على الإنسحاب أو على الأقل لفك الحصار الظالم على القطاع المحكوم من قبل جماعة الإخوان المسلمين. وطبقا لوسائل الاعلام فإن الرئيس أوباما قد هاتف أردوغان لحثه على سرعة تسوية علاقاته مع إسرائيل فيما يخص التعويضات الناجمة عن مقتل عدد من الاتراك على السفينة مرمرة.

خيبات الأمل المتكررة

 لم يكن خضوع المؤسسة العسكرية التركية بافرعها المختلفة للحكومة التي ترأسها أردوغان مجانا أو بدون مقابل.وبغض النظر عن شروط انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي – الذي لن يتم – والقاضي بوجود حكومة ديمقراطية برلمانية وحظر الانقلابات كشرط لدراسة الطلب التركي الذي قدم منذ أكثر من عقدين،إلا أن الممسك أو المانع الرئيسي دون قيام المؤسسة العسكرية من الإطاحة بحكومة أردوغان كما حصل مع كل الحكومات التركية السابقة منذ عقد الستينيات هو الولايات المتحدة الأميركية. ومع بروز ما أصطلح على تسميته الفوضى الخلاقة!!!!أو المدمرة وبناء نظام شرق أوسط جديد والذي ادى إلى كورارث للوطن العربي سهلت تركيا أوردغان في توسيعها وانتقالها من بلد عربي إلى أخر، أخذت الولايات المتحدة بإعادة دراسة سياسات جديدة بعد ان تمكنت من تدمير العراق وافغانستان ونشر الفوضى وإيقاظ الفتنة المذهبية في أرجاء الوطن العربي بترويج فكرة وبالأدق كذبة الهلال الشيعي الممتد من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق والأردن وسوريا والمنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية والتي نجحت وللأسف في تسويقه لدى العديد من الحكام العرب ولاقى قبولا لديهم. فوجدت ضالتها في تكوين نظام أو حكم أسلامي سني لمواجهة زيادة النفوذ الإيراني الشيعي في المنطقة!!!.ولهذا الغرض قامت بتقسيم قواعد أركان الحكم في العراق قبل انسحابها على اساس مذهبي مماثل للنظام الطائفي القائم في لبنان (رئيس الجمهورية كردي بلا صلاحيات ورئيس الوزراء شيعي بصلاحيات كاملة ورئيس مجلس نواب سني ) لزيادة التخوفات التي زرعتها في نفوس الحكام .وما كان يمكن لهذا الحكم الاسلامي السني ان يحقق نجاحا ويرى النور دون وجود دولتان أساسيتان هما تركيا ومصر. فتمت الصفقة الأولى بين حزب أردوغان والولايات المتحدة قوامه: أن تضمن الولايات المتحدة بعدم قيام أي انقلاب عسكري ضد أردوغان وتطويع المؤسسة العسكرية التركية وإدخالها في بيت الطاعة ومقابل ذلك يتولى حزب أردوغان العمل بمساعدة أميركا على إقامة نظام إسلامي معتدل يتساوق مع الاستراتيجية الاميركية في المنطقة مماثل لما هو قائم في ماليزيا واندونيسيا ولتركيا نفسها وبعض الدول الإسلامية الآسيوية التي خرجت لتوها من جمهوريات الاتحاد السوفياتي بعد انهياره . وقد تباحث أردوغان مع جماعة الاخوان المسلمين الذين قبلوا الأمر.وقد بدأ التنفيذ الفعلي من تونس وليبيا ومصروسيطرت احزاب الحرية والعدالة والتنمية أو النهضة التابعة جميعها للإخوان المسلمين على مقاليد الحكم وجاء دور سوريا لكن المشروع توقف هنا وأحبط لأسباب أهمها:

1- فشل التدخل العسكري في سوريا وتم صده بفعل الإرادة الوطنية الصلبة للمجتمع والقوى الوطنية في سوريا ولجيشها وكل القوى المتحالفة معها إقليميا ودوليا.

2- نجاح المؤسسة العسكرية المصرية في وضع حد لحكم الإخوان المسلمين الذي كان سيأخذ مصر القلب النابض للعروبة نحو المنزلق أوالمخطط التركي الأميركي الإخواني لإقامة دولة عثمانية سنية صديقة للولايات المتحدة والغرب.

3- إنكشاف أمر التحالف على نطاق واسع بين حزب أردوغان والاخوان المسلمين والأهداف الخبيثة التي كانوا يسعون إليها ويعملون على تحقيقها،وهذا هو سر المواقف العدائية التي تتخذها تركيا أردوغان ضد الثورة في مصر الرافضة للتحالف الشيطاني الجديد وما تقوم به بعض محطات التلفزة الموجهه المعروفة. ومع بداية بروز فشل المخطط الجهنمي الذي كان يعده ويخطط له أردوغان بالتعاون مع التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين وإدراك الولايات المتحدة على استحالة تنفيذه للاسباب سالفة الذكر أخذت تتحرك نحو إجهاض قوة التصدي والصمود السورية والرفض المصري للمشروع التركي الإخواني من خلال دعم وتمويل الحركات والجبهات الارهابية المتطرفة ليعيثوا في سوريا ومصر وفيما بعد لبنان فسادا وتقتيلا وتكفيرا .لقد ساهم إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر في تسريع التغيير في تونس وفي إلحاق هزائم متتالية بالارهابيين في سوريا وإحباط خططهم مما أدى عمليا ليأخذ الجيش السوري المبادرة ويقوم بتوجيه ضربات لهم كانت مؤثرة وملموسة. لقد عولت تركيا ومعها التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين بسرعة حسم أمر سوريا كما حصل في مصر وتونس وليبيا بعد تدخل حلف شمال الأطلسي.فصمود سوريا في وجه الارهاب رغم كل الخسائر البشرية والاقتصادية الكبيرة والهائلة التي لحقت بالدولة خيب آمال أردوغان وزادت خيبته أكثر بعد خروج الملايين من شعب مصر معلنة رفضها للمشروع التركي الأميركي الإخواني وبعد ما حصل في تونس اخيرا فإن اردوغان لم يعد قادرا على الوفاء بما تعهد به للولايات المتحدة الأميركية من تشكيل نظام إسلامي سني لمواجهة ما سميَ بالهلال الشيعي .فالعمود الفقري المتمثل بمصر العروبة قد انتقل إلى حيث يجب ان يكون وبشكل أكثر دقة إلى المقصد الذي أراده وسعى إليه عبد الناصر وعمل من أجله طويلا وبعد أن تلقى أردوغان سلسلة ضربات قوية لمشروعه وأيقن ومعه أميركا ان لا مجال لتحقيق الحلم بدءا في ولوج طريقة اخرى.فاردوغان اتجه نحو إيران لتعويض خيبات امله ببعض المكاسب الاقتصادية لعله يجد ضالته فيها لتعينه في معاركه الداخلية وخاصة مع انتشار الفساد الملموس من قبل أبناءه . فالانتخابات التركية باتت على الابواب وكل الدلائل تشير إلى انه لن يحقق نجاحا فيها خاصة بعد ان توترت علاقته مع اكبر دولة في شبه الجزيرة العربية بسبب الخلاف على دعم جماعة الاخوان المسلمين في مصر.اما أميركا فتتجه في مسارين لعلهما الأخيرين في جعبتها. الأول إطلاق المحاولة الأخيرة لإسقاط النظام في سوريا من خلال عمليات الحشد غير العادية التي تقوم بها على الحدود الجنوبية حيث تشير المعلومات إلى تجميع نحو 10آلاف رجل من الجماعات الارهابية في محاولة لدخول العاصمة دمشق وأغلب الاعتقاد بأن الهجوم سيفشل كما فشلت الهجمات السابقة في الغوطة الشرقية.وهناك محاولة ثانية لفتح معارك في سهل حوران نتمنى ان لا تحقق اي نجاح. لكن مما يؤسف له كثيرا فإن كل تكاليف هذه العمليات العسكرية تموَل من قبل العرب والذين يُقتلون بمعظمهم من العرب أيضا ،تنفيذا لأسس ومفهوم الفوضى الخناقة! التي بشرتنا فيها كوندليزا رايس قبل إنصرافها غير المأسوف عليه.

تضييع البوصلة

 على امتداد التاريخ كانت فلسطين والقدس بمثابة البوصلة التي تهتدي بها كل الأحزاب والدول وهي معيار وطنية وشعبية أي دولة أو حاكم .كما يوثق التاريخ بأن كل من وقف وساند شعب فلسطين ودعمه وأيده في نضاله العادل في الاستقلال والحرية حقق شعبية غير مسبوقة بغض النظر فيما إذا كان عربيا مسلما ام لا. كما سجل التاريخ بان من يضع القدس بمكوناتها ومقدساتها الدينية التي تحتضنها الأم والأرض الغالية فلسطين في أعلى سلم أولوياته يكسب حب الشعب العربي وتأييده ويغفر العديد من هفواته. كما يؤكد التاريخ بأن كل من يضع مصالحه وأجندته الشخصية والحزبية في مقدمة أولوياته بدلا من القدس وفلسطين يزبله التاريخ ويصنفه كعميل بغض النظر عمن يكون. فصلاح الدين الأيوبي ما زال حتى تاريخه يحظى بالمكانة التي لم يسبقه بها أحد من القادة .والحال ينطبق على جمال عبد الناصر رغم انه لم يتمكن من تحريرها ولكنها كانت بوصلته التي يسترشد بها . وباتجاه أخر فإن الحبيب بورقيبة الزعيم التونسي السابق خسر نفسه ومستقبله حينما تلفظ بالفاظ غير وطنية في مخيم عقبة جبر في أريحا في أذار 1965 انقلبت الدنيا عليه ولم تقعد وطواه النسيان رغم نضاله الطويل والمرير ضد الاستعمار الفرنسي والتاريخ القريب يؤكد أن أنور السادات تم اغتياله

 بسبب ما فعله بكامب ديفيد ونسيانه فلسطين رغم انه متخذ قرار الحرب في اكتوبر 1973 وان صدام حسين اكتسب شعبية كبيرة بعد قصف تل ابيب بالصواريخ عام 1991رغم انه كان قاسيا في حكمه ولم يكن يوما ديموقراطيا وأن السيد حسن نصر الله حصل على شعبية غير مسبوقة وجارفة، بعد ان قصف مدن إسرائيلية عديدة وان إيران حظيت بمكانة متميزة بعد أن طردت السفير الإسرائيلي من طهران وحولت مقره إلى سفارة للفسطينيين وقدمت الدعم اللامحدود للمقاومة الفلسطينية ومن ضمنها حماس التابعة للإخوان المسلمين. ومن خارج الوطن العربي وقف تشافيز شامخا ومؤيدا من الفلسطينيين والعرب لمواقفه من الاحتلال الإسرائيلي وإغلاقه سفارة الكيان هناك .وعودة إلى أوردغان فإن موقفه في منتدى دافوس أدخله في قلوب كل الفلسطينيين والعرب والمسلمين وحظي بشعبية غير عادية وكذلك أثناء الاعتداء على السفينة مرمرة .من هنا نستنتج ان تاريخ وممارسات ونضال ومواقف اي شخص لا تغفر له إساءاته وإنحيازاته لأعداء فلسطين .ولأن الشعب العربي والفلسطيني والإسلامي حساس جدا بل ومتيم جدا بالقدس وفلسطين يحب ويدافع عن من يحبهما ويعمل من أجلهما بحق ويجعلهما بوصلته التي يهتدي بها في ممارساته وافعاله والعكس في حال تفضيله لمصالحه ومصالح حزبه وجماعته، فإنه يكتشف سريعا ويسقط ويذهب إلى مزبلة التاريخ .فأوردغان عليه أن يعلم جيدا بان لا يستطيع أن يخدع كل العالم كل الوقت.لقد انكشف سريعا بسبب تضيعيه البوصلة. فمن يعطي الأولوية لمصالحه الحزبية الضيقة ولجماعته لن يتمكن من تحقيق ما يريد وسيفشل كما فشل غيره ونقول هنا كما قال الشاعر جرير "فغض الطرف انك من نمير فلا كعب بلغت ولا كلابا" .وختاما نقول لإوردغان وحزبه وجماعته التاريخ لا يرحم فاستمرارك في الولاء للحلف الأطلسي وللولايات المتحدة الأميركية وإقامة علاقات حميمة مع الكيان الإسرائيلي وتفضليك جماعة الإخوان المسلمين على ما عداها ومشاركتك في تدمير سورية كل هذا لن يعفيك من مصيرك .فعما قريب سيضعك التاريخ في صفحاته المخزية وغير المقروءة .عليك ان تتذكر ان البوصلة هي فلسطين ومركزها هو القدس ومؤشر إتجاهها هو الأقصى دون غيره فالأمر لك إن اردت ان تتعظ .وكلمة اخيرة نقولها لك انطلاقا من كل التجارب أن أميركا لا صديق دائم لديها فهناك من هو أعز منك وأقوى تخلت عنه واشنطن ولك في شاه إيران لعبرة إن كانت لديك رغبة في ان تعتبر..